المحامي شارل الخوري يوسف أبي صعب
عضو مسؤول في لجنة المشاعات
9/ 1 / 2023
في سابقة قلّ مثيلها، تمثّلت بتحويل بعض مشاعات الدولة الى أملاك خاصة تصدرت بنتائجها السلبية ملف الفساد المتنوع الاتجاهات، من فساد في مالية الدولة، وفساد في الادارات العامة، وفساد لا متناهي في ملف المصارف المتعثرة والتي أدت الى هضم حقوق المودعين، الى فساد طال معظم القطاعات بحيث لم يبق جهاز في الدولة الّا ونخره الفساد المستشري حتى أضحت الدولة عاجزة عن النهوض مجدداً لتعود دورة الحياة الى المؤسسات والقطاعات كافة.
تجرأ الموظفون التابعون للسجل العقاري في بعبدا إلى تزوير عدة مستندات، الهدف منها تحويل بعض الأملاك المشاعية العائدة للدولة إلى أملاك خاصة مما أدى إلى إتهامهم من قبل المرجع القضائي المختص بجرم الاثراء غير المشروع عبر حجج وإثباتات دامغة تدينهم مما أدى الى إصدار الاحكام بحقهم، قضت بحجز ممتلكاتهم التي إكتسبوها عن طريق الاحتيال والاختلاس إضافة إلى رفع السريّة المصرفيّة عن حساباتهم. وقد عمد هؤلاء الموظفون إلى قبض الرشاوى من قبل اشخاص نافذين.
أما جرم تبييض الاموال الذي أدينوا به والناتج عن ملف الفساد فقد أوضح القضاء المختص أنه تم شرعنة الاموال المذكورة من خلال شراء عقارات أو ما شابه وتسجلت بأسماء أقارب للموظفين بهدف إبعاد الشبهات عنهم.
أما بالنسبة للمشاعات التي تحولت الى أملاك خاصة، فهي تدخل ضمن الجرائم التي تتخطى الرشوة، إذ جرى التحقق مما إذا كان هنالك فعلاً جرم إستيلاء على أملاك الدولة، بمعنى آخر تمّ التثبت من أعمال جرمية تمثلت بتحويل عقارات كناية عن مشاعات للدولة إلى أملاك خاصة وتحديداً في المناطق غير الممسوحة وقد بيعت لقاء اسعار باهظة وأثمان عالية.
وجوب الحفاظ على المشاعات عبر تفعيل دور اللجان المشاعية واجهزة الرقابة التابعة للدولة، والّا اللجؤ الى المحافل والمنظمات الدولية
إن المشاعات تقسم الى قسمين بحيث يجب التفرقة بين المشاعات العائدة ملكيتها للدولة والمشاعات التي تخضع بمهامها ووظائفها إلى المرسوم الاشتراعي رقم 1576 الصادر بتاريخ 5/4/1950 ولقانون الغابات الصادر سنة 1949 والذي عُدّل بموجب القانون رقم 195 تاريخ 24/5/2000 وهو القانون الذي يحدد غابات الدولة ويقسمها الى أربعة أقسام.
فالمشاعات العائدة ملكيتها للدولة أو ما يعرف بالاراضي المشاعية تخضع للنظام العقاري، وهي أراضٍ غير مستثمرة ولا تستغل من قبل الدولة بشكل منتظم وفقاً للقوانين المحليّة والانظمة المرعية الاجراء، وهي عقارات مهملة ولا تجري عليها الدولة اية عقود من إستثمار أو عقود إيجار وغيرها من التصرفات القانونية التي تتيح وتسمح للدولة القيام بما تمليه عليها المصلحة العامة، مما كان يؤدي الى إنماء وتطوّر افضل عوضاً عن ابقائها مهملة وغير ناتجة، إضافة الى انه يمتنع من جهة مقابلة على الدولة إجراء أو تنظيم أية عقود بيع خلافاً للقوانين التي تخضع لها هذه المشاعات الّا في حالات استثنائية وبموجب مراسيم جمهورية إستثنائية.
من هنا استغل الموظفون فترة الفساد التي تعبر بذيولها على كافة القطاعات، والفوضى التي تدب في المؤسسات الرسمية والدوائر الحكومية فعمدوا إلى إرتكاب الجرائم المنوه عنها سابقاً دون التنبؤ بنتائجها ومساوئها لا سيما هضم حقوق الدولة والمصلحة العامة.
أما المشاعات االتي تخضع لقانون الغابات الصادر سنة 1949 والمعدل، يضع طرق ووسائل استثمار هذه الغابات عبر وضع نظام لها يضمن استغلالها وتحسينها وذلك وفقاً للمادة 11 من هذا القانون والذي يتألف من 151 مادة.
فيما يعود لادارة هذا المشاعات، هنالك لجان مشاعية تعمل على إدارة وتنظيم الاراضي المشاعية وفقاً للمرسوم الاشتراعي رقم 1576 الصادر بتاريخ 5/4/1950 حيث من أولى مهمات هذه االلجان إدارة الاملاك المشاعية وتدبيرها وتعيين شروط الايجارات المتعلقة باستثمارها، ووضع البرامج والخطط اللازمة لاصلاح المشاع وصيانته وذلك وفقاً لنص المادة 2 من المرسوم المذكور الذي يتألف من 28 مادة.
سلطة الوصاية على اللجان المشاعية
تمارس وزارعة الزراعة سلطة الوصاية على اللجان المشاعية وذلك وفقاً للمادة 19 من المرسوم الاشتراعي المذكور رقم 1576 والتي نصت على "إن وزارة الزراعة تؤمن مراقبة اللجان المشاعية ادارياً ومالياً". كما أن هذا المرسوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقانون الغابات ويكملان بعضهما لا سيما من ناحية بعض المواد وكيفية التنظيم والادارة وهذا الامر ثابت وأكيد من خلال نصوص المواد23 و24 و25 من المرسوم المنوه عنه آنفاً.
وقد توقف عمل اللجان المشاعية عند تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية وغيرها في البلاد مما أدى إلى عدم قيام اللجان بمهامها ومتابعة نشاطها وفقاً للغاية التي أنشأت من أجلها. مما دفع بحكومة الرئيس حسان دياب باعطاء توجه مؤقت يهدف الى استلام اتحاد البلديات ادارة الاملاك المشاعية، الا ان هذا التوجه لم يلق التجاوب التام من قبل القرى التي لا يوجد فيها مجالس بلدية لأنه من أولى واجبات اللجان المشاعية، توزيع الاموال التي تجنيها من الالتزامات والمناقصات التي تجريها سنوياً على القرى التي لا يوجد فيها مجالس بلدية او بلدية.
من هنا تجدر المطالبة بتفعيل عمل اللجان المشاعية للمحافظة على الاملاك التي تعود بالمنفعة للدولة والمواطن اللبناني، للدولة عبر وزارة الزراعة التي تمارس سلطة الوصاية على اللجان، والمواطن اللبناني الذي يستفيد من الخدمات التي تؤديها اللجان عبر توزيع وارداتها على القرى التي لا توجد فيها بلديات كما ذكرنا.
من هذا المنطلق، إن اللجان المشاعية بامكانها تفعيل دورها الاساسيّ والبنّاء عبر التعاون والتعاضد مع العديد من اللجان والجمعيات والهيئات الوطنية لا سيما تلك التي تعنى بالعقارات، وذلك بهدف الانماء والتطور مجدداً، بحيث تكون الدافع الاكبر لمساعدتها بالنهوض من حالة الركود والتراجع والاهمال الذي أصابها كبقية المؤسسات والقطاعات إذ يصبح الرابط المشترك بينها الدعامة الاساسية والركيزة الصلبة للحد من التدهور في نظام العقارات والذي تتبع لانظمته إدارة املاك الدولة المشاعية، والاملاك المشاعية التي تخضع لادارتها وفقاً للجان التابعة لها، وحتى إن إضطر الامر الى اللجؤ الى المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق - الانسان المظلوم والمنسي من دولته - كالمنظمة الدولية للسلم والامن والانسانية / IOPSH/ التي ترْأسها في لبنان ومنطقة الشرق الاوسط المحامية أنديرا الزهيري و بصفتها رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات / LAP / .
إضافة إلى ما تقدمنا به للمحافظة على الاملاك المشاعية للدولة، ودرءاً للمخاطر والتحديات والازمات التي تحدق من كل الاتجاهات السلبية والتي تعمد إلى اختطاف وسلب هذه الاملاك من الدولة والعواصف التي تضيق الخناق على المواطن يقتضي تفعيل دور أجهزة الرقابة من قبل الدولة على إدارة الاملاك المشاعية العائدة لها وذلك عبر التشدد في ملاحقة المتورطين بالاعتداء على هذه الاملاك وإنزال أشد العقوبات بهم جراء الجرائم التي إرتكبوها من فساد وتبييض أموال وإثراء غير مشروع كي لا تبقى سائبة مهملة وغير منتجة.