آفاق اقتصادية صعبة تلف مصير «الاقتصاد السوري» في العام 2024، الذي يبحث عن «معجزة» لوقف التدهور الحاصل منذ سنوات وخفض التضخم الذي وصل لمستويات قياسية. في خطٍ متوازٍ مع مجموعة من التحديات والأزمات المتراكمة، و وسط شكوك حول مدى قدرة الحكومة في دمشق بمفردها على التعامل مع تلك الأزمات، ورهانات على استثمارها للانفتاح في علاقاتها الخارجية، لا سيما مع محيطها العربي، من أجل دعم مشاريع التنمية كطوق نجاة مُنتظر.
موارد البلاد في تراجع كبير ولا حلولوبينما يستمر تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، غير أن الحكومة السورية، ممثلة برئيسها حسين عرنوس، والذي من المفترض أن ينشر الأمل في كل مكان وأن يجترع الحلول للأزمات، غير أنه تناسي دوره الأبوي كراعي للشعب ومسؤول عن معيشتهم، ليعلن بصوت عالي خلال لقائه الأخير مع التجار و الصناعيين، أن التدهور الحاصل في التضخم سوف يستمر في عام 2024، كما أن أن المورد الأساسي للقطع الأجنبي في البلاد اليوم هو تحويلات المغتربين، لكنها بسبب التضخم العالمي، بينما في الحقيقة يعود السبب بتراجعها لفرق سعر الصرف بين الرسمي والغير رسمي، وعدم قدرة الحكومة على جذب تلك الحوالات إليها.
ولم ينس رئيس الحكومة،الإشارة إلى تراجع تصدير «السلع و المواد الغذائية» التي تعد مورداً أساسياً لخزينة الدولة لا سيما «الخضار» بعد أن غير الفلاح من عاداته الزراعية نظراً لارتفاع تكاليف ومستلزمات الانتاج بشكل كبير و انخفاض الدعم الحكومي له.ليس ذلك فحسب، فالصادرات الاساسية التي كانت تعتمد عليها الحكومة قبل الأزمة من النفط والفوسفات والقمح والقطن والكهرباء وغيرها جميعها انقطعت مواردها، وأصبحت تحتاج إلى عملة صعبة لتأمينها، والسؤال من أين سوف تأتي الحكومة بمواردها المالية بالقطع الأجنبي؟
وأمام هذا الواقع، رأى كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss مازن سلهب، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"،أن سورية بمفردها لن تستطيع تجاوز الوضع الاقتصادي الراهن، لافتا إلى عددٍ من المؤشرات التي تعكس طبيعة الوضع الاقتصادي بالبلاد، من بينها معدلات التضخم، والتي يشير إلى أنها بلغت في وقت سابق مستويات 140 بالمئة، ضمن أسوأ معدلات التضخم على المستوى العالمي.
كما تحدث الخبير سلهب، عن الخسائر الواسعة التي مُنيت بها الليرة السورية على مدار السنوات الماضية، أمام الدولار الأميركي، فضلاً عن تراجع القدرة الشرائية، وبما ينعكس على معيشة المواطن السوري الذي يعاني من مستويات المعيشة المتراجعة، في وقت لا يعد فيه رفع الأجور حلاً، مشدداً على أن "الحكومة في وضع صعب جداً، على اعتبار أن تراجع الليرة أسرع بكثير من قدرة الحكومة على رفع الرواتب.
كما تشير تقديرات البنك الدولي في تقرير سابق لها، إلى أنه من المتوقّع أن "يزداد انكماش إجمالي الناتج المحلّي بمقدار 2.3 نقطة مئوية" في سوريا، ليصل الانكماش إلى 5.5 بالمئة في نهاية 2023.
ووفقا لمؤشر " بزنس2بزنس" لأسعار الذهب في سورية، فقد سجل غرام الذهب عيار 21 قيراط ارتفاعاً بنسبة بلغت 154% خلال العام 2023، بعد ان ارتفع سعره من 325 ألف ليرة إلى 828 ألفا ليرة سوريةوعلى صعيد تعاملات "بورصة دمشق" خلال العام 2023 حيث بلغت ما يقارب الـ (242 مليار) ليرة سورية، منها حوالي (110 مليار) ليرة سورية صفقات ضخمة، مقارنة مع (102 مليار) ليرة سورية منها حوالي (38 مليار) ليرة سورية صفقات ضخمة في العام 2022، أي بارتفاع قدره 137%.
وبينما تحاصر البلاد الصعوبات من كل حدب وصوب، غير أن وزير المالية السوري، كنان ياغي، بشر على هامش أعمال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، الذي عقد في تشرين الثاني الماضي، أن سورية تستهدف تحقيق نمو اقتصادي بنسبة تصل إلى 3% في العام 2024، مشيرًا إلى اتخاذ عدة إجراءات لتحسين مناخ الاستثمار وإعادة المستثمرين العرب والأجانب إليها.
وأوضح ياغي، أن سورية، أقرت قانوناً جديداً للاستثمار، يتضمن العديد من المزايا، ويدعم جاذبية وتنافسية الاستثمار في سورية مقارنة بدول المنطقة.
وفي الوقت الذي يواصل التجار التذمر من عمل المنصة واجراءات التصدير، اقترح أحد التجار على رئيس الحكومة وطرحه لاقى التصفيق من التجار والصناعيين، أن يتم الفرض على كل تاجر مصدر ومستورد دفع 100 ألف دولار أمريكي إلى المصرف المركزي، وبالمقابل يقوم المركزي بمنح مقابل الدولار عملة سورية بنفس القيمة بدلا من عمل المنصة اليوم التي تناور في توزيع العملات الصعبة ومناورتها غير مجدية بشهادة الجميع من التجار والصناعيين.
هذا ووفق تقديرات الخبراء، فإن التضخم ازداد عام 2023، أكثر من 156%، كما خسرت الليرة السورية أكثر من 100% من قيمتها خلال عام 2023، بالتوازي مع ارتفاع بعشرات الاضعاف لكافة السلع والمواد والادوية والألبسة والذهب وكل ما يخطر في البال مما يحتاجه الإنسان.
وأمام هذا الواقع، فالاقتصاد السوري اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة كاملة حتى الوصول إلى إنتاج حقيقي غائب الآن، فسورية تستورد كل شيء، وقيمة الليرة في تراجع مستمر، والمستهلك وحده من يتحمل تبعات هذا التراجع بشكل مباشر، وهو في النهاية من يدفع الثمن.