مع أمين تحريرمجلة الاسبوع الأدبي أ. داود أبو شقرة حول أهمية المسرح

 الأديب والمسرحي داود أبو شقرة

19 -8 -2021


في مقابلة أجرتها مجلة " Opine Digest" مع الأديب والمسرحي داود أبو شقرة


أردنا التعرف أكثر عن شخصية داود أبو شقرة، فأخذنا نطالع بعضاً من سيرته الذاتية الغنية والمهنية والخصبة ، ولا نخفي عليكم لقد أثارت ذهولنا لدرجة الحيرة عن ما نريد ذكره، لنعطي تلك الشخصية المبدعة شيئاً من حقِّها وتميُّزِها نظراً لتقيُّدِنا بعدد الأسطر، إنه إمبراطورية من ثقافة. 
داود أبو شقرة من سورية هو الأديب، الباحث، الكاتب، الشاعر والمخرج والمسرحي.
 هو المفكر المتعدد المواهب والكفاءات، شغل مناصب مهمة عِدَّة نذكر البعض منها لتعددها هو أمين تحرير مجلة (الأسبوع الأدبي) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب، كان رئيس تحرير لعدة مجلات لعدة دول عربية.
 صدر له  العديد من الكتب والمؤلفات وهو عضو اتحاد الكتاب العرب، وينتمي إلى عدَّة جمعيات واتحادات تعنى بالكتاب العرب والصحفيين العرب أيضاً.
 ما لفتنا من أعماله الأطروحات "النص القرآني بين النقل والعقل" وأخرى :"تصريف الفعل في اللغات القديمة مقارنة مع العربية وتشمل اللغات (الكنعانية والفينيقية والآرامية والنبطية والهيروغليفية والعبرية والصفائية)". 
عمل في التأليف والإخراج التلفزيوني والمسرحي - مجال الاذاعي - التحرير وإعداد وتقديم البرامج الثقافية والأدبية المحلية والعربية. 
- حائز على عدة جوائز محلية وعربية ودولية في المسرح والرواية. 
نذكر بعض أعماله:
- المسرحية:  وقد نالت جوائز في المراتب الأولى وتقدير: محاكمة قاطع الشجرة- غسيل العريس – المخاض- البرقية – منزل آيل للسقوط- تغريدة أبو السلام وغيرها...
- القصصية والرواية ونالت جوائز وتقدير: عودة الفنيق - جسر اللوا – سليمان الحلبي ( العين والمخرز) وغيرها وغيرها... في الشعر صدر له ديوان مقامات...
 - ومن البحوث والدراسات والتحقيق اخترنا بعض العناوين: العامي الفصيح في لغات العرب – الحلاج ثائراً – مفهوم الروح عند جبران خليل جبران - حرب اللجاة – موسوعة التراث الشعبي العربي – الدعاية والإعلام في الفكر الصهيوني- العصا والجزرة (التحولات السياسية في تركيا في القرن 21)ا وغيرها..
.بالمختصر: شخصية اختصرت الثقافة والمعرفة والعلم والإبداع باسم داود أبو شقرة. 
"Opine DIGEST" توجه الاسئلة وضيفها يجيبها.


- أين المسرح السوري من ا لمسارح العربية؟
 يُعَدُّ المسرح في سورية هو المؤسس الحقيقي للمسرح العربي عامَّةً، فمع التجار السوريين- "الشوام"، أي تُجَّار بلاد الشام قبل أن تقسِّمها الاتفاقيات الاستعمارية /ليس أقلها سوءاً اتفاقية سايكس- بيكو/، كانت سوريا بلداً واحداً من العريش إلى الموصل، ومن قمم طوروس ومنابع دجلة والفرات إلى منطقة الجوف شمال نجد وتخوم البحر الأحمر. لقد ذهب التجارالسوريون "الشاميون" كأسلافهم الكنعانيين والفنيقيين إلى أوروبة([1])
  [1]- أوروبة: بالتاء المربوطة لا بالألف الممدودة، لأن الاسم استقي من (أوروبة) بنت ملك صور. الأصح (عروبة). وأيضا أثينا. كما استقت سوريا اسمها من (صور) نفسها، وليس من اسم السيدة، أو الشمس،وهو خطأ شائع، لأن اللغة الكنعانية تثبت ذلك بما لا يقبل الشك.   
 وغرب أفريقيا واحتلوا شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا الحالية) ليقيموا مستوطنات هناك أثرت الحضارة الرومانية ذاتها فأنجبوا سلالات حاكمة في روما منهم سبطيموس سفيروس من ليبيا وأصله من سوريا وأمه من فينيقي إيبيريا، وكركلا وجوليا دُمنة ابنة كاهن "إيللا جبل" غرب حمص، وفيليب العربي من شهبا وغيرهم.  لكن حركة التجار كانت قد نمت مع الجمهوريات الإيطالية، ومع بلاد الغال (فرنسا) منذ عهد الأمير فخر الدين المعني، واطلعوا على المسرح الفرنسي، ونقلوه إلى بلدهم، وهكذا بدأت أولى التجارب المسرحية عندما ترجم مارون النقاش مسرحية (البخيل) لموليير في العام 1847 ومن ثم جاء جورج أبيض وانطلقت الحركة المسرحية منذ ذاك وفق شروط العلبة الإيطالية. صحيح أنَّ المسرح دخل إلى مصر في العام 1798 مع حملة نابوليون بونابرت، غير أنه كان منقطعاً على جنود الحملة الفرنسية، ومنع العرب من الدخول إليه، ربما لأن نابوليون نفسه صاحب مقولة: "اعطني مسرحاً أعطك شعباً حضارياً".
ويصف المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي هذه المسرحيات التي أسماها "ملاعيب" وهي ترجمة حرفية لـ"اللعبة المسرحية"، مشيراً إلى أنها كانت تستمر لساعات ويدخل إليها الفرنسيون بأجور محدَّدة في بطاقات يحتفظون بها... إلخ. لكن الولادة الحقيقية للمسرح كانت هنا في بلاد الشام، وحتى عندما بدأت ولادته الحقيقية كـ"مسرح عربي" وليس تقليداً للفنون الغربية، أو ترجمة عنها، كان بدأها أبو خليل أحمد القباني في دمشق أولاً قبل أن يحرقَ السوقة مسرحه بتحريض من بعض شيوخ الدين المتزمتينَ ومنهم الشيخ الغبرة، فتوقف في سوريا وانتقل إلى مصر.
 وعندما تمت ولادته الحقيقية كمسرح عربي الملامح، وليس تقليداً للفنون الغربية، أو ترجمة لها. أقصد بذلك إن المسرح العربي قبل القباني كانت موضوعاته مستمدة من المسرحيات الغربية المكتوبة أصلاً لمعالجة موضوعات لا علاقة لها بمجتمعاتنا، لكن هنا بدأنا نرى موضوعات مثل عنترة وهارون الرشيد وأنس الجليس. كما بدأنا نرى الغناء العربي أساس في العنصر المسرحي، وليس تزيينات للعرض، في حين صرنا نرى الوصلات الغنائية الطربية بين فصول المسرحية. ولهذا نقول بكثير من الاطمئنان إن المسرح في هذه المرحلة تم تعريبها موضوعا وشكلاً وحتى إخرجاً.  
وفي مصر عَمِلَ مع القباني أهمُّ الممثلين السوريين والمصريين وعبدو الحامولي ومحمد كامل الخلعي وسليم القرداحي وغيرهم... إذن كان المسرح السوري يواكب لحركة المسرحية عند الغرب. إذن بعد أن ترجم النقاش مسرحية (البخيل) لموليير وتمَّ تقديمها اكتشف العرب فناً جديدا أخذ يتكرس مع إقبال الناس عليه لاسيما الطبقة الغنية من المجتمع، وعلى الرغم من أنَّ (سوريا الكبرى) وأقطار الوطن العربي عامَّة كانت محكومة بالحديد والنار وترزح تحت الاحتلال العثماني البغيض الذي عمل على تجهيل الشعوب، إلا أن بعض الولاة النابهين والمصلحين استفادت منهم الحركات التنويرية والمسرح على الوجه الأخص، من مثل (صبحي باشا) والي الشام بين سنتي 1871-1873 والذي أنجز القباني في عهده أول عرض مسرحي هو (ناكر الجميل) بطلب من الوالي صبحي باشا، وكذلك والي الشام الأشهر (مدحت باشا) وكان مصلحا كبيراً وله إسهامات معروفة، عمل على تشجيع الحركات الفكرية والأدبية ومنها المسرح، فدعم القباني وكان له أكبر الأثر في تطور المسرح العربي عامة فقط لأنهما كانا متنوران لا ينظران إلى الإبداع بريبة مستلفة من التوجس الديني ضد كل ما هو غربي.
 – ما هي الصعوبات التي واجهت المسرح السوري؟ 
واجه المسرح السوري صعوبات جمَّة منذ بداياته وحتى اليوم. أول هذه الصعوبات تلك النظرة المريبة إلى دور الفن والفنانين من مجتمع متزمت متخلف يرى أن أيَّ جزء من جسم المرأة هو عورة. تلك السيطرة الذكورية الغبية هي وليدة عصور الانحطاط العثماني الذي فرض نفسه على الوطن العربي في الوقت الذي كانت أوروبا قد بدأت نهضتها الفكرية والصناعية، فبعد ظهور الفيلسوف البريطاني (فرانسيس بيكون) تغيَّرت الفلسفة في أوروبا حتى ملامحها وغاياتها، وصارت تعمل على أن يكون الإنسان منتجاً لسدِّ الاحتياجات التي اقتضاها الانفجار السكاني بعد مرحلة من السلم ووقف الحروب التي طالت بين الشمال والجنوب وهجمات البرابرة الفايتكونغ على الممالك والدوقيات والإمارات المستقرة حضارياً. ووحَّدت أوروبا جهودها لاحتلال الشرق نفسه أمام وطأة تحريض الكنيسة الكاثوليكية لتحرير قبر المسيح. بيد أن (فصل الدين عن السياسة) أسهم في تأجيل الكثير من المخططات الأوروبية تجاه الشرق، الأمر الذي أطال بعمر السلطنة العثمانية التي اصطلح عليها "الرجل المريض". على صعيد آخر ارتكبت السلطنة العثمانية خطأ قاتلاً في أنها صارت منفعلة لا فاعلة في عهدي محمد الفاتح والسلطان سليم، فبعد سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين تغير المزاج العثماني في قصر (ضولمة بخشة) مقر السلاطين، بسبب سيطرة صراع الحريم على عقول السلاطين مثل السلطانة زاهية، والسلطانة هورام واسمها الأصلي ألكسندرا ليسوفسكا وأسميت "هويام_ أي: هيام" نظراً لرسائل التذلل والتضرع لها من قبل السلطان سليمان القانوني، وهي التي غيرت القوانين العثمانية، وبها بدأ عصر الحريم في العام 1543 عقب وفاة السلطانة الأم، والسلطانة قوسيم التي وصلت إلى قمة السلطة وحكمت نحو 37 عاما، عدا عن تسلل بعض الجواري اللواتي ترقين إلى مخادع السلطنة ليحكمن باسم الحب شعوبا غير محبة. أقول فجأة تغير المزاج العثماني من الاستمرار بالتوسع في انتزاع الأراضي الأوروبية إلى توجه الفتح شرقاً تحت ذريعة وقف تمدد سلطة شاه إيران إسماعيل الصفوي، وبدلاً من أن يتابع الجيش العثماني فتوحاته في أوروبا لنصرة إخوانه في الأندلس كما كانت ذرائعه راح يحارب المسلمين أنفسهم في الشرق. كانت ممالك المدن الأندلسية وصلت إلى حالة مزرية كحالة الوطن العربي حالياً. وصلوا إلى 26 دولة متنافسة، بل متحاربة مما شجع الإسبان والبرتغاليين على الانقضاض عليهم في عهد الدوقة إيزابيلا التي صارت الملكة فيما بعد.
 كان الأندلسيون يطلبون من العثمانيين ورثة العباسيين –حسب ادعائهم- على الرغم أنهم لم يبرزوا أي وثيقة تثبت هذا الادعاء طول القرون الماضية وحتى اليوم. لم ينصروا مسلمي الأندلس بل راحوا يحاربون المسلمين العرب والإيرانيين. لقد رفعوا درجة التوتر في أوروبا وفجأة أداروا ظهر المجن، أو ذيل البعير كما يقال في المثل الشعبي لكل تلك الصراعات وتركوا الأندلس فريسة سهلة، وراحوا يعملون على احتلال الأراضي العربية في سورية ومصر والعراق فيما بعد وصولا إلى الحجاز بذريعة حماية البيت الحرام. الذي لم يحج إليه أي سلطان عثماني طوال 402 سنة. إذن هم كذبوا فلا بشروا بالدين ولا حموا الخلافة العباسية ولا الأموية في الأندلس، وبالتالي لم يستطيعوا حماية السلطنة العثمانية نفسها. في هذا الوقت كانت أوروبا تنمو وتكبر وحدثت ثورة ليس في مجال الصناعات فحسب، بل في الفنون والآداب ومنها المسرح بينما كانت الشعوب المحكومة من السلطنة تغطُّ في نوم عميق. لكن عندما بدأ المسرح السوري (العربي) في سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر رافقته حركة تنوير لم تقف عند الجمعية الثقافية كـ(الجمعية العربية الفتاة) التي قادها كوكبة من المتنورين العرب الذين درسوا في الآستانة وباريس وغيرهما، وهم بمعظمهم من شهداء السادس من أيار الذي أعدمهم الأتراك في دمشق وبيروت على مذبح الحرية. كان المسرح منبراً كبير التأثير، وربما تجاوز تأثيره الخطاب السياسي والخطاب الثقافي أيضاً، لأن الخطاب الثقافي مباشر، والخطاب السياسي أكثر مباشرة في أدائه الفاقع، أما اللعبة الفنية فإنها تقتضي في المسرح تلك الحبكة الفنية المتقنة لتمرير الأفكار عبر إطار تشويقي وموسيقي وكوميدي أحيانا فيترك أبلغ الأثر في نفوس النظارة. هذا في العصر السابق أما في العصر الراهن فقد واجه المسرح السوري صعوبات تمثلت في افتقاه إلى أجندة أو خطة لتكريس مسرح بهوية محلية أو عربية، إذ أنه منذ تأسيس المسرح القومي في سورية وفي مصر اهتم المسرح تحت وابل (الشعور بالنقص) بالمسرحيات الغربية الغريبة عن واقعنا، ومشكلات مجتمعاتنا، فجاءت معظم عروض هذا المسرح لكتاب أجانب عالجت قضايا غريبة عن طباع النظارة فانصرف الناس عنه وتقوقع المسرح على العاملين به وعلى المهتمين بهم. صحيح أن المسرح حقق نجاحات في ستينات وسبعينات القرن العشرين في اجتذاب الجمهور مدفوعا في البداية لمعرفة آفاق هذا الفن الجديد بما لديه من صفات الشجاعة والحرية والفن والمتعة والفائدة، لكن سرعان ما بدأ هذا الجمهور بالانصراف والتسرب، بل ينفض عن المسرح الذي وجده غريباً عن طبعه وعن معالجة قضاياه الحقيقية والحياتية. في هذه المرحلة ازدهر فيها "المسرح التجاري" ومسرح التهريج ومسرح التنفيس ونجحت فرق كثيرة في سورية والوطن العربي فرضت نفسها كبديل للمسارح الجادة كالمسرح القومي في سورية ومصر والمسرح الوطني في العديد من الدول النامية مسرحياً، ولعب التلفزيون دوراً تدميرياً للمسرح بأنه أسهم في عرض هذه المسرحيات السخيفة التي لا تشبه المسرح إلا في أنها تعرض على المسرح، فكرسها وصار المسرح في مفهوم الناس هو هذا المسرح التهريجي. تصوروا مثلا أن وزير أعلام سوري يصدر قراراً بمنع تصوير مسرحيات المسرح القومي، مع أنها توفر عليه ساعات بث ثمنها مئات آلاف الدولارات. قرار غير مفهوم في الحرب على المسرح الملتزم والجاد. المسرح النظيف الذي يقدم فناً نظيفاً للناس. في حين عمل التلفزيون على تكريس العروض التي لا غاية لها سوى شباك التذاكر من خلال استدرار الضحك بأي طريقة، ولذلك صارت حركات الزحلقة والمبالغة ممجوجة إلى درجة أن الجمهور لا يكلف نفسه عناء الوقف عندها، ولمَ يفعل إن كانت تسللت إلى التلفزيون نفسه. لكن الجمهور أيضاً اكتشف بأن هذا المسرح لا يعبر عنه بعد أن اطلع على المسارح في الدول الأوروبية والأميركية فدق مسماراً في نعشه. 
 – ما هي المقومات التي يجب أن يتمتع بها الممثل المسرحي؟ 
الممثل المسرحي هو العنصر الأهم في تجسيد العرض المسرحي وفي نقل أفكار الكاتب، وتصورات المخرج لخطته الإخراجية، بالنتيجة هو حصيلة عمل مجموعة كبيرة من المبدعين من الكاتب والمخرج ومهندس الديكور والإضاءة والصوت ومجمل أعمال التقنيين، لذلك فإن الممثل هو بيضة القبَّان في العرض المسرحي، وكلما كان الممثل مثقفاً كلما كان العرض أقرب إلى النجاح، لأنه بإدراك الممثل للعبة الفنية تصبح الفرقة فريقاً متناغماً، ويصبح الأداء كالهارموني المتقن لتوافق مجمل الأصوات في سبيل إنجاح العرض.      
– أيهما أصعب، التمثيل أمام الكاميرا، أم على خشبة المسرح؟ 
لا يمكن المقارنة بين المسرح وأي فن آخر، لا من حيث المتعة ولا من حيث الفائدة، ولا من حيث الصعوبة. سمعت عشرات المرات فنانين يجيبون على مثل هذا السؤال أو عن سؤال شبيه. كان الجميع يجيبون: إنَّ أمتع الفنون هو المسرح. هذا يعني أنه الأصعب. ربما لأن الممثل يقف في مواجهة الجمهور مباشرة. لا مجال هنا للمناورة، أو للمداورة، أو للمداهنة... الحكم هنا مباشر أيضاً من الجمهور، فإما النجاح الذي لا تعادله متعة، وإما الفشل. في الفن لا مجال للوساطة. والجمهور لا يحب بقرار. إن التمثيل المسرحي يقتضي في الفنان الجهوزية في كل النواحي النفسية والجسدية والروحية والعقلية، لذلك يفشل الضعفاء في المسرح وينجح الموهوبون فقط. أما التمثيل في التلفزيون أو السينما فهو عمل من لا عمل له. هو أسهل من شرب الماء. هناك بعض المخرجين يوزعون ورقات السيناريو لكل دورٍ على ممثليهم لكي يحفظوا أدوارهم ثم يذهبون إلى التصوير مباشرة! أتصدقين ذلك؟ سيضحك كثيرون. هذا هو الفن الذي ترونه بلا أي بروفة لأن المخرج نفسه يحتاج إلى إعداد ممثل. لذلك نرى هذه الكوارث على شاشاتنا. أنا قلت بعض لكي لا أشمل الجميع، فمازال هناك بقايا من المخرجين المحترمين في هذه المهنة. 
– ما هي شروط القبول لدراسة المسرح؟
 بالنسبة إلي أن يكون موهوباً، مدفوعاً بمحبة مهنة التمثيل، قادر على تثقيف نفسه. لديه الفضول الشديد لمعرفة كل شيء في الحياة. لديه القدرة (الصبر على التعلُّم). أما في الواقع فشروط القبول هي: الواسطة، فالواسطة، فالواسطة من منصب كبير أو مدير أو وزير، ثم يضطر الأساتذة أن يطعموا هؤلاء بعدد من الموهوبين الذين تضيق أمامهم الفرص فيذهبون إلى بيع الخضار... في حين يتخرج المدعومون من المعهد العالي للفنون المسرحية ويعبرون ساحة الأمويين –بضع خطوات- لدخول سوق العمل فوراً في التلفزيون، وينسون المسرح صبيحة اليوم الذي يلي التخرج. ليس في تاريخ أحدهم عمل مسرحي منذ تخرج من المسرح. والعجب العجاب أن الخريجين هم موظفون في مديرية المسارح القومي، ويتقاضون رواتب لا يقدمون في مقابل هذه الرواتب أي عمل. بل لا يداومون البتة. لا يطلب منهم تقديم عمل واحد في السنة. هذا أمر غريب يحصل في وزارة الثقافة. أقترح عليهم تغيير اسم هذا المعهد إلى معهد الكسبة من التلفزيون ومشتقاته. 
– ما هو دوركم في هذه الفترة، وبالتحديد في فترة كورونا؟
بالنسبة إلي على الصعيد الشخصي، كلما ازدادت المصاعب، كلما ازددت تحدياً لها. في فترة كورونا أنجزت عددا من المسرحيات ورواية، لم أتوقف عن الكتابة أبداً.
 لقد غيرت كورونا من نمط التفكير في العالم. لم تتوقف الصلاة منذ آلاف السنين. لم يتوقف  الآذان إلا في فترة كورونا. هذا يعني أن هناك محركاً كبيراَ للأمور.
 وإذ توقف الجامع والكنيسة توقف المسرح. وهذا يعني أن الإعلام لعب دور البطولة للمرة الأولى في التواصل بين الناس على جميع الصعد الفنية والإعلامية. لقد مرَّت جوائح كثيرة  منها تلقائي، ومنها بفعل فاعل: الإيدز. الجمرة الخبيثة. إنفلونزا الطيور. إنفلونزا الخنازير... ولن يكون كورونا آخر الجوائح على ظهر هذا الكوكب. لكن الجميل في الأمر أن السحر في كل مرة ينقلب على الساحر، كما في موجة الإيدز. هذه الكورونا ليس لها جنسية. هي ضد الإنسانية.
 وهناك توازن عجيب في هذا الكون، فثقب الأوزون الذي خرق الإنسان فيه نظام الكون، رقَّعه مرض كورونا. عن غير قصد طبعاً. 
أعتقد أن الإنسان سيصدر حكمه فيمن هم أخطر من النازية عنصرية ذات يوم. وما مارسه مبتدعو الجائحة على الحكومات مارسته الحكومات على شعوبها بدلاً من إنفاق المزيد من الاحتياطيات على مواجهة الجائحة فرضت ضرائب جديدة على الناس! أمر عجيب. أتمنى أن يوجه هذا السؤال إلى وزراء الثقافة... فمثلا تم رفع أسعار صالات بشكل جنوني وغير مسبوق، في الوقت الذي يجب أن تخفض أجور الصالات، وأثمان بطاقات المسرح، لتشجيع السوريين على مواصلة الذهاب إلى المسرحيات، ومساعدة الفرق على الاستمرار في عملها مع هذه الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالناس... 
وأتمنى توجيه السؤال نفسه إلى جاك روتشيلد وسائر مدراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وزعماء مونديال كورونا. في نهاية الحوار...
 
تتقدم مجلة " Opine Digest " الالكترونية من ضيفها الكريم بكل التقدير والاحترام وتتمنى له دوام التوفيق والتألق.
 ملاحظة : جميع الآراء التي تنشرها مجلة " Opine Digest " الالكترونية تعبرعن آراء أصحابها من منطلق حق حرية التعبير.