الفنانة السورية المغتربة في كندا ماري حاطوم.. صوت مشبع بالأصالة وعشق للأغاني التراثية


سهيل حاطوم - 5- 5- 2023 


بهدوء واحتراف شقت طريقها لتحقق حضوراً في الوسط الفني ومكانة في قلوب الكثير من الناس لما تتمتع به من خامة صوتية أصيلة وصوت مخملي عذب وأداء عالي المستوى وإحساس صادق وخبرة في الغناء وعشق للأغاني التراثية المستوحاة من بيئتها في جبل العرب، مكرّسة في أعمالها حالة من الالتزام الفني والجمالي والثقافي الراقي ..
إنها الفنانة السورية ماري رضوان حاطوم ابنة السويداء التي تعد من الأصوات السورية الشابة والهامة التي تمتلك مقدرة صوتية فريدة صقلتها باختياراتها المتميزة والنوعية لكلمات أغانيها بعد أن نهلت من معين جبل العرب لتحمل الأغنية التراثية في قلبها وتنقلها معها إلى حيث تقيم في كندا، حيث يمتاز صوتها المشبع بالأصالة برقته وعذوبته .


نشأت الفنانة ماري المولودة في دمشق عام 1978ضمن أسرة محبة للعلم والأدب وتعشق الفن الأصيل، فوالدها المرحوم الأستاذ رضوان حاطوم كان يحترف العزف على العود والكمان وينتقي مما يحفل به الإنتاج العربي الموسيقي الجميل، وكان حريصاً على توجيهها موسيقياً كونها تمتلك خامة صوتية جيدة، فتربت أذنها على الفن الأصيل وظهرت موهبتها في سن مبكرة، وبعد وفاة والدها تولى أعمامها ‏ الدكتورعلاء حاطوم والمهندس عدنان حاطوم‏ مسؤولية رعاية الجانب الموسيقي لديها بالتوازي مع تحصيلها العلمي ، كما أشرف على تعليمها الموسيقى كل من الأستاذين المرحومين رياض الدبيسي وحمد اشتي في الفترة الابتدائية والإعدادية.
في المرحلة الابتدائية، شاركت ماري بمسابقات الرواد على مستوى سورية ، حيث حصلت على المركز الأول لمدة خمس سنوات في مجال الغناء ، ومثّلت سورية بمهرجان الطفل العالمي في تركيا عام 1989تكريماً لنجاحها على مستوى القطر، وفي المرحلة الجامعية التحقت بالمعهد العالي للموسيقى في دمشق لمدة سنتين وتتلمذت على يد مغنية الأوبرا العالمية الأستاذة لبانة القنطار والبروفيسورة غالينا خالدييڤا.


في عام 2000 بدأت مسيرتها الاغترابية مع عائلتها , حيث سافرت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة واستقرت في أبو ظبي مع زوجها الفنان هشام عدوان مدرس الفن في أكاديمية الفنون الجميلة في الفجيرة ورزقا بابن وابنة " نغم ونور" وتابعت دراستها في كلية الآداب قسم الترجمة في التعليم المفتوح في جامعة دمشق لتتخرج في عام 2011، وتعمل كمدرّسة للغة الإنجليزية، ومن بعدها أُتيحت لها الفرصة للالتحاق ببيت العود وتحقق حلمها في عام 2018 في التخرج بدرجة امتياز من قسم الغناء الشرقي بإشراف الدكتور نصير شمّه والدكتور فتح الله أحمد رئيس قسم الغناء والأبحاث الموسيقية رحمه الله.
وفي العام نفسه، كُرّمت في الإمارات العربية المتحدة من قبل المنتدى الدولي للإبداع الثقافي والفكري بعد فوزها بالمركز الأول في مسابقة لكتابة القصة القصيرة في أبوظبي, وتقديراً لدورها الموسيقي بتقديم حفلات عديدة على مستوى الإمارات، حيث كانت أول مشاركة فنية لها مع فرقة "بيت العود" في حفل خيري عام 2013 أقيم في السفارة العراقية لمعالجة أطفال مرضى القلب من العراق برعاية سمو الشيخة فاطمة،  ومع فرقة " أنغام الشرق" بقيادة عازفة العود الأستاذة شيرين تهامي وعازف القانون الأستاذ بسام عبدالستار، وفرقة "نجمات" بقيادة شيرين أيضاً، بالإضافة إلى تجربة هامة مع الأستاذ سامر أبو رسلان بكورالmodern speech choir، وكذلك الاشتراك مع الأستاذ عبود بشير في أداء الموشحات والقدود ، والمشاركة في حفل منتدى الإعلام بقيادة الفنان عازف العود علي الحفيتي مدير أكاديمية الفنون في الفجيرة،  وفي مهرجان " سكة" في دبي مع الفنان عازف العود خالد بدرية.


في عام 2018 انتقلت الفنانة ماري وأسرتها إلى كندا لتخوض تجربة اغترابية جديدة سعياً لبناء مستقبل أفضل رغم صعوبة التجربة والبعد عن الأهل والأصدقاء، حيث التحقت بكلية ألغونكوان في أوتاوا وأنهت دراستها عام 2020 كمساعدة طبية Medical office assistantولتعمل حالياً كمساعدة طبيب أسنان، فيما تابع ابناها دراستهما، حيث تفوقت " نغم " في المرحلة الثانوية مما سمح لها بالتسجيل والدراسة في جامعة أوتاوا لدراسة العلوم الطبية، بينما " نور" في الصف العاشر ومستواه جيد جداً ولديه ميول فنية واضحة في إتقان الرسم.
ورغم ظروف العمل الصعبة في الاغتراب، إلا أن ماري بقيت مواظبة على نشاطها الفني، حيث أقامت أول حفل غنائي في "كندا" في عام 2018, تلاها عدد من الحفلات من بينها حفل بمناسبة المهرجان الثقافي العربي بجامعة "كيتشنر" عام 2019 مع عازف الكمان أنور العيسمي، وحفل مع فرقة "أرابيست" بقيادة الدكتور رضوان الطالب بعنوان "الموسيقى عبر الأجيال"، وحفل ثالث في العام ذاته بمناسبة افتتاح المركز الثقافي العربي "بكيتشنر" مع عازف البيانو وسام بطرس، إلى جانب عدة حفلات مع رابطة " كلتشر لينك" لدعم اللاجئين في كندا بالتعاون مع صديقتها مانيا العنداري المنظمة لنشاطات الرابطة .


أما أول عمل غنائي مسجل قدمته كان "موال دمشقي" في عام 2021 من كلمات الشاعر نزار قباني وألحان نصير شمّة وتوزيع الفنان أمجد الباروكي، ونتيجة لما حققه هذا العمل من نجاح وانتشار تتالت الأغاني والتسجيلات، لتقدم بعدها أغنية عبير نعمة للأم بعنوان "هاتي يديك" والتي تمتاز بصعوبة أدائها كونها مزيج موسيقي شرقي وغربي ويتطلّب غناءً أوبرالياً ، وأغنية "يا طيور" للمطربة الراحلة أسمهان برفقة أستاذ البيانو والكلارنيت باسم صالحة .
وفي عام 2020 ورغم توقف معظم الأنشطة خلال جائحة كورونا , تمكنت الفنانة ماري من إنجاز ثلاث أغنيات من ألحانها لتشكل تلك التجربة خطوة هامة بالنسبة لمسيرتها بدعم وتشجيع من الفنان والموزع الموسيقي أمجد الباروكي، وفي عام 2021 قدمت إهداء للإمارات بعيد الاتحاد الخمسين نشيداً بعنوان "هتف الشعب" كلمات الدكتور نايف عبيد وألحان علي حمد، ولحنت قصيدة ثانية للدكتور نايف عبيد بعنوان "الفؤاد الطليق" والتي ستطرح على قناة يوتيوب، بالإضافة إلى ألبوم بعنوان "تالا" للأغاني التراثية عبارة عن خمس أغاني، و قصيدة على قناتها على يوتيوب بعنوان "بلادنا" للشاعرة أميمة نصر الدين وألحان الفنان أمجد الباروكي، حيث سيعاد تسجيلها مرة ثانية كموبتوزيع أوركسترالي.


وتعاونت الفنانة ماري مع عدد من الملحنين والشعراء من بينهم الشاعر فراس سليمان الذي قدم لها كلمات أغنية "مراية" وطلب منها تلحينها لإيمانه بقدرتها على ذلك, حيث خرج اللحن معبراً بكل صدق عن الكلمات وتعاونت معه مرة ثانية في قصيدة "بنت وصدى"، بينما قدمت أغنية بعنوان "من دونك" من كلمات الشاعرة نبال النبواني، وتلقت هدية من المهندس وليد شعيب تمثلت في كلمات أغنية " يا أم الفوطة" التي حققت نسب مشاهدة عالية، كما تعاونت مع الأستاذ رأفت الحلبي كاتب وملحن أغنية "من وين أبدا يا قلبي" ، ولحنت أنشودة لسوريا من كلمات الشاعرة ابتسام مراد بعنوان (سورية بدا ولادا).
كما أحيت ميخراً أمسية طربية بعنوان" نور النغم" مع الفنان العالمي نزيه أبو الريش قدمت فيها باقة من الأغنيات الطربية والتراثية، وستحيي حفل فني خلال الفترة القادمة مع عازف العود والمغني أيهم حرب بحضور الجالية العربية في العاصمة الكندية أوتاوا .


وتدين الفنانة ماري بنجاحها واستمرارها في مسيرتها الفنية للدعم من قبل الأهل والأصدقاء وفي مقدمتهم والدتها رفيقة حاطوم وشقيقها الدكتور فارس حاطوم المقيم وأسرته في بريطانيا لتمويل أعمالها ولدعمه وتشجيعه هو وزوجها وعائلتها، ولعمها الدكتور علاء حاطوم ولصديقتها الدكتورة سلاف اشتي لتمويل عمل "موال دمشقي".
ورغم البعد والمسافة إلا أن الفنانة ماري تؤكد بأنها دائمة التواصل مع أصدقائها في سورية ونخبة العازفين الذين ساهموا بنجاحها، وتحلم بالغناء على مسرح السويداء في المستقبل.


الجدير ذكره أن الفنانة ماري حاطوم تلقت تكريماً من قبل الرابطة العالمية للإبداع والعلوم الإنسانية ضمن أفضل مئة شخصية لعام 2020، و تم بث أعمالها في راديو "تشن ريديو" الكندي ضمن برنامج "ساعة سورية" للإعلامي هادي ويس وهناك مشروع قيد الدراسة للتعاون المشترك مع الفنانة آية مهنا المقيمة بمقاطعة ألبرتا في كندا يتعلق بالحفاظ على الهوية التراثية للفن .