د. ربيع كمال الدين - رئيس التحرير - 21-12-2024
الأمية والأمم....
كثر منا يعتقدون ان الأمية هي بمفهومها التقليدي عدم القدرة على القراءة والكتابة وهذا ما يفقد الانسان او يخفض قدرته على التطور والتأثير في المجتمع ، الا أن هذا المفهوم قد اصبح متخلفا الى حد بعيد، ان على صعيد الامية الشخصية أو على صعيد المجتمع او الأمة.
لا شك بأن أمية القراءة والكتابة للإنسان هي نقطة ضعف كبيرة ومهمة له قد تحرمه من فرص عديدة في الحياة وتحد من قدرته على تطوير ذاته وتثقيفها وبناء شخصيته وموقعه في المجتمع، إلا أن هذه الأمية وعلى اهميتها، اصبحت اليوم في المرتبة الثانية اذا ما قورنت بالأمية التكنولوجية، هذه الأمية جعلت "ابن التسعين سنة" مثلا يلهث خلف أبنائه أو احفاده لتعليمه استخدام الهاتف الذكي، اقله البرامج الضرورية من واتساب وغيره ليصبح على تواصل معهم، وليتمكن من مشاهدة فيديوهات وخزعبلات التيك توك او غيره من وسائل التواصل الاجتماعي.
كل ذلك يبقى مقبولا ويمكن تحمله، كونه يتعلق بالفرد وليس بالجماعة، مع الأخذ بعين الاعتبار طبعا ان الفرد هو جزء من هذه الجماعة، أمام الأمية الجماعية، أو امية المجتمع أو امية " الأمة"، والتي هي الكارثة الحقيقية، وهي لا تشبه أي من "الأميتين" اللتين ذكرناهما سابقاً. فهذه الأمية تظهر في مسائل معينة في المجتمع، تجعل منه متخلفا، متجمدا، غير قابل للتطور والتقدم والازدهار، وتجعل الفارق بين العالم المتحضر او العالم "الأول" والعالم الثالث كبير جدا.
ومن اهم هذه المظاهر:
جهل بالحقوق والواجبات ولا سيما في ما خص الحرية والديموقراطية، اضافة الى التبعية العمياء لشخص أو اشخاص بغض النظر عن شخصهم او ماذا يمثلون، وهذه التبعية تبقى قائمة في السراء والضراء ودون التفكير ولو للحظة بصوابية قراراتهم أو مسلكهم. وهنا ترى الاستاذ الجامعي والدكتور والمهندس...الخ والذين يفترض بهم أن يكونوا قدوة في الاستقلالية وفي بناء الشخصية الفردية والحرية الشخصية، ينقادون خلف تبعيتهم العمياء دون جهد يذكر للتفكير العقلاني او المحاولة ولو بدءا من انفسهم في توجيه الرأي العام وطرح الحقائق كما هي.
الولاء بالدم والروح، وهنا الكارثة الحقيقية. نراها في امثلة كثيرة، من أناشيد وكتابات، وصولا الى حقيقة تقديم فلذات الاكباد، قربانا على مذبح هذه الشخصيات، وهنا لن أغوص أكثر لأن الموضوع مقزز.
القناعة المزيفة: هذه القناعة تبنى من قبل الطبقات الحاكمة اجمالا، وهي تقوم على أن يصبح المجتمع "يقتنع" بالفتات، فيصبح تأمين المياه مثلا " نعمة" اما تأمين الكهرباء لساعات معدودة فهو قمة الرفاهية والأمثلة كثيرة ولا تحصى.
"التابو" : في هذه النقطة تقوم الطبقات الحاكمة بزرع أفكار أو معتقدات يمنع على المجتمع أن بتحدث عنها أو حتى ان يفكر فيها وبصوابيتها، والا ُيفرض عليه الحرم ويعتبر خائن لبيئته او طائفته أو مجتمعه أو بلده....والأمثلة كثر وكلنا نعلم عما اتحدث.
في النهاية، نرى ان الأمية بمختلف أشكالها هي سيئة ومعطلة ويجب مكافحتها، إلا أن الأمية الفردية تبقى أخف ضررا وتدميرا للمجتمعات من الأمية الجماعية أو أمية الأمم التي تحدثنا عنها...وأي أمل ينتظر من هكذا مجتمعات سوى الذهاب لما بعد بعد جهنم؟
#أمية#أمم#مجتمع
#الرأي_الأخر
#لبنان
#ربيع_كمال_الدين