اجرى المقابلة: الشيخ الاستاذ مكرم المصري و الأستاذة ميرا المصري
28 - 2 - 2022
حضرة الشيخ راجح عبد الخالق، صاحب الأيادي البيضاء والحسنات المخفية، الشيخ المعروف بكرمه وتواضعه وحسن ضيافته، صاحب الوجه البشوش والإبتسامة الرقيقة التي لا تفارق وجهه، صاحب البيت المفتوح لكل من قصده، علاقاته الدينية والسياسية والأمنية وبلا مبالغة، تخطّت حدود الوطن.
مجلة الرأي الآخر الالكترونية opinedigest، ومن باب حرصها على الاضاءة على أصحاب الأيادي البيضاء، وعلى من يفنون حياتهم بخدمة مجتمعاتهم، أجرت لقاء شيق مع الشيخ راجح للتعرّف أكثر على شخصه الكريم.
1-بداية، أخبرنا قليلاً عن حياتك الاجتماعية والعملية؟ ومن الذي تعتبره كمثل أعلى لك في هذه الحياة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى رسوله الهادي الأمين. لقد بدأت حياتي الاجتماعية في سنّ مبكر وكان ذلك منذ فطرتي حيث كنت متفاعلًا إلى حدّ كبير مع مجتمعي، أهلي وبلدتي ومنطقتي، وكنت أشعر بأنني جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، يسرّني ما يسرّه ويسوءني ما يسوءه، خاصّة في المرحلة الصعبة التي تمر على الوطن لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي. وكنت دائمًا أطلب بركة ودعاء مشايخي وإخواني وخاصّة الفاضل الجليل المرحوم سيّدنا الشّيخ أبو محمود سليمان عبد الخالق بصدق نيّة، كما كان العنوان الأبرز عندي هو رضا الله ورضا الوالدين وقد تعلّمت وتربّيت في كنف عائلة توحيدية دينية، ذات تفاعل إجتماعي مميّز وفي بيت مفتوح للخير العام والمحبة وقد تعلّمت من والدي المحب الكريم الشيخ أبو راجح نديم عبد الخالق صاحب الأعمال الخيّرة والرأي السّديد والعقل الديني المنفتح الذي لم يبخل به أبدًا على بيئته الدينية الاجتماعية في السرّاء والضّرّاء وكنت غالبًا أرافقه في الواجبات الاجتماعية والدينية والعائلية وأستمع إلى أحاديثه وأسلوبه الذي يتّسم بالعقلانية وفيه صفة حسم الأمور على قواعد المنطق السليم وجمع الشمل.
ولا بد لي أن أتوجّه بالشكر للأخ الكبير والمرجعية الصالحة سليل الأعيان الأطهار الشيخ عزات عبد الخالق الرفيق الصادق والمربي الفاضل والسند الدائم أطال الله بعمره، كما كان لعائلتي الصغيرة خاصّة أخي النشيط العصامي الفاضل المعطاء أيمن عبد الخالق الإثر البالغ في كل ذلك على قاعدة الإحترام العام وخدمة الأهل والمجتمع والوطن. وإنّ وجودي في الهيئة العامة بمؤسسة العرفان التوحيدية ومتابعة الخطوات الخدماتية والتربوية والثقافية الرائدة والعلاقة التي كانت تربطني بالمرحوم الشيخ علي زين الدين والإخوة المشايخ الكرام في المؤسسة بهيئيتها العامة والإدارية وسائر إداراتها. كل ذلك كان لي بمثابة مدرسة من العطاء والوفاء والتضحية طالبًا من العلي القدير دوام الإعانة والتوفيق لخدمة مجتمعي وموطني .
2-إلى أي مدى تؤثر خلفيتنا الطيبة الاجتماعية على فرص حياتنا ؟
إنّ هذه الخلفية الطيبة الاجتماعية في بعضها النفسي والفكري والإيماني هي التي ترسم لنا مسيرة الحياة على معاييرها السلمية وبالتالي يكون لها التأثير المباشر وغير المباشر على اعمالنا الخاصة والعامّة الفردية والإجتماعية.
3-ما هي أبرز إيجابيات المدارس التوحيدية في لبنان ؟
إننا نعتبر أنّ المدارس التوحيدية في لبنان وغير لبنان قائمة على مبادئ التربية السليمة في تربية وتوجيه الجيل الجديد عل قيم إنسانيّة وعلى قواعد توحيدية أصيلة في الإيمان الصّحيح بمعرفة الخالق سبحانه وتعالى والتعرّف على هذا البعد الروحاني من خلال العقل وعلى ضوء مفاهيم الكتب المنزلة التي تغذي الإنسان وترقّيه إلى أبعد الحدود وأيضًا بفضل وهداية الأنبياء الكرام والأولياء الطاهرين. وإنّ شرف وطهارة الأنبياء الممجدين وسيرهم الفاضلة هي اهم غاية يصبو إليها الإنسان وإنّ ذلك هو ما تعمل عليه المدارس التوحيدية وهو ما يرتبط بتربية النفس البشرية وخاصّة في أوّل نموّها وبداية نشوءها على هذه القيم والأخذ بيدها وتدقيق فكرها الذي خلق من حين فطرتها كصفحة بيضاء قابل للنقش والتعليم ليصفو ويستطع الفهم والإدراك. وعلى نهج التعاون الإيجابي والتسامح وفهم الآخر والحوار البنّاء وتقوية الفضائل الإنسانية وسائر القيم الاجتماعية وأيضًا بالابتعاد عما يسئ إلى جوهر النفس بعدم الإنحرافات الفكرية والجسدية والإجتماعية وعن منطق الأنانية والتعصّب والعنف، كلّ ذلك هو واجب إجتماعي متقدّم عمّا سواه بحسن التربية وتقوية طبائع الخير وصونها عن الشّوائب وعلى هذا النهج تكون تربية الأجيال المتعاقبة وتسليمها هذه الأمانة المقدّسة.
وفي هذا الإطار لا بدّ من الإشارة إلى ما تقوم به مؤسسة العرفان التوحيدية بالإضافة إلى عملها التربوي في كافة مدارسها في جبل لبنان وقضائي راشيا وحاصبيا وتفاعلها مع شرائح المجتمع وخاصّة الأجيال الجديدة، فإنها عمدت ومنذ عدة سنوات على نشر هذه الثقافة المشار إليها إلى أهلنا وأجيالنا في بلاد الإغتراب بالإستفادة من تقنيات التواصل المتطورة وهي الأداة التي تمرّ عبرها ثقافة العولمة، وقد حققت خطوات عملية هامّة، وذلك بإختصار أبرز واهم دور الذي تتبنّاه مدارس العرفان والإشراق بكافة فروعها.
4-برأيك هل النساء الموحّدات تفوّقن على الرّجال في مجالات العمل ؟
إنّ التفوّق عند الإنسان والنجاح في أعماله سواء عند الرجال أو النساء، وقد خلقهم سبحانه وتعالى متساوين في الحقوق والواجبات، وجعل عندهم القوّة لتقوية الخير في النفوس حيث تنشط سائر القوى الفكرية والعملية وذلك بإكتساب التعامل بصدق في النّية والقول والعمل والسعي الدائم في المحافظة على العناصر التي هي الطريق إلى تحقيق الذات الذي خلقت من أجله وتعميمه على سائر أفراد المجتمع. وقد إستنبط المعلّم الشهيد كمال جنبلاط من فلسفة الحضارات الإنسانية العبارة المشهورة: إنّ الحياة إنتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء. ولم يقل في أي وسيلة أخرى. وعلى هذه المعايير يتفوّق الإنسان وينتصر في عمله بكافة أشكاله وصوره سواء كانوا رجالًا أو نساءً وذلك بنسب متفاوتة وفق تفاوت إكتساب هذه القيم والتمكّن في تحصينها وتطبيقها.
5-هل يجوز للرجل أن يقوم بتعنيف زوجته ؟ وما هو الرأي الديني في هذا الخصوص ؟
إنّ أسلوب العنف لا يقرّه الدين في سائر مراحل الحياة، على إعتبار أنه يتعارض مع دور الإنسان الفردي في هذه الحياة كونه خليفة الله في الآرض، فكيف يكون هذا العنف سواء معنويًا أوجسديًّا على شريكته في الحياة الحرّة الكريمة التي تقاسمه الأفراح والأحزان وسائر الأعمال، وهي نصفه الآخر إذا صحّ التعبير. وإنّ العنف لا يقرّه الدّين ولا كافّة الشّرائع السّماوية أو القوانين الوضعية، وليس ذلك إلاّ من ضعف النفس وخروجها عن مسارها الصحيح. بل إنّ أمر الدّين هو المساواة بالنفس والإحترام المتبادل والتعاون البنّاء والعطف واللطف ولين الكلام على قيم التوحيد وميزان الحق والعدل وإنّ الحكم على من يعنّف زوجته أنّه خارج عن الأطر السليمة وهو يحتاج إلى إرشاد وتوجيه وصولًا إلى إحالته إلى المحاكم المذهبية التي تحكم وتضع الحدود الصحيحة وفق أحكام وقوانين الأحوال الشّخصيّة وهي بالطّبع مدعومة من النّظام العام للدولة.
6-كيف غيّرت العولمة الثقافة المحلّية ؟ وما أبرز آثارها على الدين التوحيدي ؟
إننا نعتبر أنّ العولمة الثقافية هي جزء من التطوّر العلمي عابر الحدود الذي توصّل إليه الفكر الإنساني وجعل من القارات قرية كونية وذلك بفعل التواصل الكبير وسرعة الوصول إلى المعلومات وتبادل الخبرات وهذا إن دلّ على شيء فهو بميزان التوحيد يدلّ على عظمة الخالق وقدرته في خلق القرارات الإنسانية الفكرية والدماغية التراكمية وما تختزنه تلك الخلايا العصبية وتكاملها مع سائر الأجهزة والقوى الجسدية وإرتباطها الوثيق مع النفس البشرية التي هي المحرّكة والفائدة لقوى الجسد. ومن المفترض أن تكون أبرز آثارها على الإنسان المؤمن أن يزيد في إيمانه بنظره إلى دقّة الصنعة الدالة حتمًا على عظمة من صنعها وخلقها وسوّاها. وهي في هذا المنحى لا تشكّل إلاّ الجزء القليل ممّا لا يعرفه الإنسان ولم يتوصّل إلى كشف لغوزه بعد، لقوله تعالى: وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلًا صدق الله العظيم. وعليه فإنّ المفترض أن تكون هذه العولمة الثقافية المعاصرة قد ساهمت في المعرفة الذاتية للإنسان المؤمن بإيمانه وعقيدته وحققت عنده مفاهيم دينية توحيدية مخزونة في ذاته وجعلتها أكثر وضوحًا ولمعانًا وجعلته ينظر النظرة الأكثر واقعيّة بفعل هذه التطبيقات والأنظمة المتطوّرة كما إنّها قد تكون في نفس الجاهل عنصرًا يخرج ما في نفسه بعد المكنونات التي تأثّر بها بفعل الجهل تأثّرًا سلبيًّا لعدم تمكّنه من حفظ قوى النفس العاقلة على الإنحراف.
7-ما هي حدود حرية التعبير عند مجتمع أبناء طائفة الموحّدين الدروز ؟
إنّ حريّة التعبير عن مكوّنات النفس البشرية هي صفة الإنسان العاقل في التواصل السليم مع مجتمعه وهي حقّ مفدّس له يستطيع من خلالها أن يتفاعل مع الاخرين وعليه أن يعبّر بلسانه وقلمه وفكره عمّا في داخله من المعارف بالتعليم والتعلّم في سبيل الإفادة والإستفادة لأنّه وفق بعض القواعد الدينية: الإنسان مفيد أم مستفيد. إنّ حدود هذه الحرية هي عمل عقل الإنسان بتعامله مع أخيه الإنسان أينما كان وإحترام الرأي الآخر والتفاهم المنطقي المتدرّج وفق تقنيات الحوار العلمي الواعي وبأسلوب يصنّف بالإحترام والرّقي وعدم المسّ بما لا يتطابق مع أفكاره. ولنعلم جميعًا بأنّ الحياة كلّها مدرسة نتعلّم منها ليكون يومنا أحسن من امسنا، وأفضل وأرقى. قال تعالى: علّم الإنسان ما لا يعلم.
8-أنت كرجل دين، ما هي أبرز الإقتراحات التي تسعى لتقديمها للجيل النّاشىء من أجل توعيتهم على أهمية التوحيد؟
كرجل دين مؤمن لا يسعني إلاّ أن اقدّم للجيل الناشئ ولكافة الأبناء في مراحل الحياة الصورة التي وضعها سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بالقول: إنّ الإنسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصّوا بالصبر ( صدق الله العظيم ). تلك بنظري هي القاعدة الذهبية التي يجب ان نسعى إليها جميعًا لأنّ الإيمان الصّحيح وما يتّصل به من الأعمال الصّالحات يختزن في جوهرها كل قوى النفس البشرية العاقلة وتنطلق منها سائر الأمور النافعة سواءً على مستوى الفرد أو المجتمعات وأعتقد بأنّ ما يعانيه إنسان اليوم من القلق والخلاف و العنف و العنف المضاد وتسخير طاقته وطاقات الحياة إلى غير ما خلفت لأجله هي من أجل بعده عن هذه القواعد الثابتة، وسيدفع الثمن عاجلًا أم آجلًا لأنّ الآيات الكريمة في الكتاب العزيز ليس لها تبديلًا.
9- ما هو الحدث التاريخي الذي ترك أثرًا جميلاً في حياتك؟
ان الحدث المهم الذي ترك بالغ الأثر الفاعل والجميل في حياتي، هو زيارة خاصة قمت بها للمرحوم الفاضل سيدنا الشيخ أبو حسن عارف حلاوي رحمة الله على روحه الطاهرة، حيث أجلسني بقربه بكثير من العطف، واعطاني قطعة قماش من ملابسه، وذلك بحضور الأخ الكريم الشيخ أبي محمد نعيم حلاوي، وكان لهذا الحدث أجمل الأثر في حياتي، وقد طلبت دعاه وبركته وشعرت بأني اقتربت منه معنويًا وروحانيًا، وقد تحول عملي في خطٍ بياني جديد له أبعاده المستقاة في شخصية هذا الولي الطاهر.
10- كلمة أخيرة
من خلالكم ومن خلال مجلتكم أتوجه بتحية تقدير واحترام وإجلال ووفاء إلى المؤسسات القضائية والأمنية الوطنية قيادةً وضباطاً ورتباءاً وعناصراً لوقوفهم الدائم الى جانبي في مسيرتي في خدمة الوطن والمواطن، كذلك أتوجه بالشكر والتقدير والإحترام والوفاء الى الأهل في بلاد الإغتراب وعائلات الجاليات الدرّزية في كل الدول إخواننا وأهلنا الكرام أصحاب المرؤة والنخوة المعروفية الأصلية لوقوفهم الدائم إلى جانب عشيرتهم المعروفية في مدّ يدّ العون والمساعدة الإنسانية في كافة المؤسسات الصحية والتربوية والإجتماعية والخيرية وفقهم الله على كل خير. كذلك أوجه تحية خاصة لحضرة الشيخ الصديق مكرم المصري، ومن خلالكم لكافة الإداريين ورؤساء التحرير والعاملين في المجلة والموقع، نتمنى لكم ختامًا التوفيق والنجاح الدائم.