الشاعرة والمربية الفاضلة
سناء شجاع
23 /5 /2022
في حديث أجرته مجلة " Opine Digest " الالكترونية مع المربية الفاضلة الشاعرة وأستاذة اللغة العربية سناء شجاع.
Opine DIgest:مَن هي سناء شجاع ؟
سناء : أوّل الأمر أرفع باقة فرح وامتنان لهذه الفرصة الأنيقة، حيث تلاقي الفكر مع الكلمة رغبة بإضاءة أدبيّة ثقافيّة على صفحة مجلّة الرّاي الآخر الإلكترونيّة، وما عادلها من صفحات تطمح لاحتضان اللّغة مفردةً ومعنى ودلالة . ومتابعةّ لا بدَّ ان نستهلّ ذي المقابلة الجميلة بتعريف لشخص سناء شجاع، كاستهلالنا بالفصول، كلّ على حِدَة، قبل تصفّح التّفاصيل. سناء شجاع، واسم والدها سليمان، ولدت عند خط الاستواء " ليبيريا" لتأتي وطنها الحبيب لبنان طفلةً، فنشأت معه وله بكلّ تقلّباته اضطرابًا وسلامًا، خريفًا وربيعًا، حتّى بلغت الكهولة بلا سفر،إذ أنّها اكتفَت بسفر الكلمات من دون أن تستأذن جواز السّفر .
Opine Digest :أين أصبحت اللّغة اليوم؟
سناء : اللّغة العربيّة اليوم نراها في اتّجاهين معاكسين نشيطين إلى حد التّنافس المُضني والشّافي في آن، وتوضيحًا أقول تواضعًا : نراها على منابر القصيدة، بكلّ ما للكلمة من معنى، تصدح فخرًا على منابر الإيقاع دلالةَ جناح ما رضِيَ مساكنة الهضاب، في حين يتزاحم الفعل على أسطر الحبر مرفوعًا حيث وُجِبَ االجزم .
في إجابةٍ عن سؤالكِ جعلتني أستذكر ذاك وهذا الدّخيل على أسماء العلم في زمن يناجينا فيه العلم؛ " لين، كارن، كارمن،..." وعذرًا لتناسي الكثير الوافد منها، بل المستورد، لربّما عملًا بمقولة " كل شي فرنجي برنجي " دليل كافٍ لذا التأرجح الغازي بين الحفاظ على أصالة والتأثر بِ " حداثة" إن صحّت التّسمية، مع كلّ محبّة لكلّ فتاة جعلت من اسمها، على تنوّعه، مرادفًا لحياة. لغّتنا العربيّة اليوم في صراع ككلّ شيء يسعى ويجهد لبقاء إثر عصف وإعصار في لاوعيه ووعيه يهدف لتصحّر فكري ما، ولتحجّر عقلي ما، ليأخذ بعرشها العظيم ، عُنوةً، نحو مستنقع الغياب لتغييب. غير أنّ اللّغة العربيّة باقية، من ألفها إلى يائها، بلسمًا ورايةً وذروة ما عرفت ولن تعرف سوى الشّموخ، حامدين هؤلاء واولئك القلّة القليلة من المحبّين لها كالادباء والشّعراء وبعض المثقفين المتخصصين بها، والمتيّمين بها. كما انّنا لا يمكننا أن نتخفّى بظلال الأنامل لإنكار، فلغّتنا اليوم تصدح خوفًا من تحوّلات مخالفة لأغراسها ، وذلك بسبب طغيان حروف لغة الانترنت ، حيث التّهاوي الموجع وأجيالٌ تجهل ما رُمِيَ في الكَفّ لتَكُفّ. وتعريفًا اقول: اللّغة العربيّة هي الهُوِيّة والانتماء؛ لغّة الضّاد سحرية لا تهرم، أزليّة. صُنّفت من أفضل وأسمى اللّغات في العالم. كانت وما زالت مصدر إلهام للمستشرقين الغربيين الّذين فُتنوا بها ونالت اِعجابهم .... حتى جاء زمن العولمة ليحطّ من قدرها وقيمتها، مُحاولةً، لمنعطف.
Opine Digest :ماذا تعني اللّغة العربيّة بالنّسبة لسناء شجاع؟
سناء : أبسمني سؤالكِ هدأة، وكأنّكِ قاربتِ لغّتي عطرًا لنتبادله . الأوكسجين، والضوء، والنّبض، وكلّ ما ادّخرتُه من حكايا، وأجمل ما سأُورِثه. هي عقدة حاجبِيَّ، وصخب أقلامي، ووجه أحلامي جبينًا ووجهًا ونطقًا . ما اخبرتني يومًا هذه اللّغة الجميلة أنّنا سنتصادق هُيامًا. ففي مفهوم المجتمع الصّداقة حّكمها ان تبقى صداقة، غير انّ في مفهوم الكتابة الشّعريّة لا قانون، لا مصطلح، لا ثبات، لا حدود. كلّ شيء، كلّ شيء في أفق الكتابة الشعرية والنثريّة، كلّ شيء في عالم التّخيّل الادبي قابل ليكون المنعطف، والخريف حيث الرّبيع، والرّبيع حيث الشّتاء . باختصار شديد اللّغة العربيّة بالنّسبة لي هي وطني المعلّق في ارجاء السّماء، ودفتري الّذي ألقى معه الرّجاء، والصّدى الّذي يبقيني لحياة .
Opine Digest :هل تعتقدين أن اللّغة العربيّة بدأت تفقد شعبيتها؟
سناء : لا أظن. سأجيب عن سؤالكِ بسؤال. ألا تلحظين، كما الجميع، أن اللّغة صدى لمزيج نرى ونلتمس فيه الفكر، العاطفة، الخيال، والاسلوب؛ وهي أربع صفات مولودة،حُكمًا، مع الإنسان. إذًا اللّغة صدى لإنسان، والإنسان مرادف للغّة، إنّما الأمور قد تكون على تقارب وتنافر بين حين وآخر بناءً على معطيات ومجريات لواقع ما . رغم الألفية الثّالثة، وما تأتّى منها وعنها، غير أنّ المنابر الزجليّة ما زالت تصدح على منابر العادات والتّقاليد، وها هي أقلام اليافعين تكتب المقالة الأدبيّة والقصيدة الوجدانيّة، وها هي الاجتهادات قائمة وجارية، على قدم وساق، في سبيل إيقاظها وإبقائها وإحيائها بدءًا من مقاعد الدّراسة، وإن اختلف الأمر نسبةً بين مدرسة تولي اللّغة الأجنبيّة حصّة الأسد، ظنًّا منها بظنّ ومدرسة تعنى باللغة العربية . والكلام يكثر ويطول في هذا الصّدد ..
Opine Digest : برأيكِ كيف نعيد ثقافة اللّغة العربيّة إلى مجدها؟
سناء : جميل سؤالك. كيف نعيد ثقافة اللّغة...؟ نعيدُها مع الإصلاح الإعلامي والتّربوي والثّقافي، وأعني بذلك الهرم بأعلاه، أي وزارات الثّقافة، التّربية، الإعلام، واكثر فالمجتمع المؤسّساتي بجمعيّاته وروابطه، وهيئاته النّاشطة ليكونوا الخطوة المُكمّلة الفاعلة المنتجة المثمرة في سبيل ما يطمح إليه سؤالك إجابةً وفعلًا، لا شعارات آفلة . وهنا اشير، كوني منتسبة لمؤسسات ثقافيّة ناشطة لا تتجاوز أنامل الكفّ عددًا، شاركت بالعديد من مسابقات على صعيد لبنان مدارس ومجتمعا، مسابقات طمأنت بنتائجها هذا القلق الضّاج فينا حبًّا وائتمانًا على وطن الهويّة، وهويّة اللّغة . نعيدها بالصّحافة المكتوبة، بالمسلسلات اللّبنانيّة المعتمدة اللّغة الفصيحة المبسّطة، بتكثيف اشكال التّحفيز، بمذيع يحسن، بل يجيد تناول اللّغة العربيّة اختيارًا وإعرابًا، بأغنيّة تصون ما أورثتنا إياه اللّغة أغنية " أعطني النّاي وغنِّ، بيروت سّتّ الدّنيا، إنّي خيّرتك فاختاري، سنرجع يومًا، إنّي اخترتك يا وطني..، أحِنُّ إلى خبز أُمّي، وأكثر ...
Opine Digest : ما هي أهمّ الانجازات لسناء شجاع؟
سناء : ما أقلّها، وما أجملها! سبق وقلت تعليقًا لمناسبة في قصر الاونيسكو- بيروت، إنّ رحلتي مع المذياع لم تبلغِ السّبع سنوات بعد، لكنّها بلغت من سفوح الجبال أخضرَها ليحتضنها ذرى الجبال ساعدًا، ويصفّق لها الموج استحسانًا. سناء شجاع اكاديميًّا مجازة باللّغة العربيّة،
مهنيًّا: أستاذة تعليم ثانوي، مدقّقة لغويّة لكلّ مَن يطرق بابي ثقةً وحرصًا، اجتماعيًّا: ناشطة إجتماعيّة في عدّة جمعيّات وروابط أهليّة؛ هَمّها الأوّل والأجدى بناء إنسان معافى لمجتمع يتعافى.
ثقافيًّا: تناداني المنبر لمرّات عديدة كَعريفة حفل... بدءًا من المكتبة الوطنيّة - بعقلين، مرورًا بمنابر الأرياف، جمعيّة الطّفل السّعيد -عاليه، فضيعتي الّتي احببتُها فأكرمتني قيمةً وتقديرًا عبر رابطة سيّدات عين عنوب الخيريّة، ومدرسة القرية الرّسميّة حيث إطلالتي المِنبريّة الأولى الّتي أعتزّ بها وأفتخر، فمنتدى شواطئ الادب، فالثّانويّة الّتي أدرّس بها حاليًّا، وصولًا لدار النّدوة- الحمرا، وقصر الأونيسكو حضورًا، إضافة إلى كلمات من فَيضِ قلمي توزّعت على مساحة وطن شمالًا، ساحلًا، كبدًا. أضيف إلى ما ورد في مجال الإنجازات الثّقافيّة الادبيّة مقابلات صحافيّة في مجلّات إلكترونيّة لبنانيّة- عربيّة مع اهل القلم والإعلام، مَن لهم باع في العمل الصّحافي حيث أرقى المقابلات وأجداها، ونشر نصوص ومقالات أدبيّة من نثرِ يدي في مجلّات لبنانيّة، عربيّة، عالميّة.
هنا إسمحي لي ان اتقدّم بجزيل الامتنان لهذه الأقلام الّتي رأت في سناء شجاع ما تستحقّه لتكون، وما أكثرهم . مع الإشارة لمقابلة تلفزيونيّة شاءت الصّدف لاجتهاد أن تكون، بالتّنسيق مع إدارة مجلّة الرّأي الآخر " Opine Digest".
إجتماعيّا: ما شئتُ أن أكون الكلمة أبدًا، بل حرصتُ ان أكون النّسمة حيث الاختناق، في ظلّ ما مرّ به مجتمعي من ضيق؛ فكنت ما قدّرني الله عليه .
Opine Digest : أحب الكتابات او المؤلّفات على قلبك؟
سناء : كتبت الحبّ، الوطن، الأمومة، الرّجل ، المرأة، القِيَم الاجتماعيّة. كتبت عن " سنا " وتعريفها للنّثر وللشّعر حسب رؤيتي الخاصّة وعلاقتها بكلّ منهما، عن غايتنا من الوجود محكوم بشهقة وزفرة. كتبت عن السّفن المَنسيّة على مراسٍ مهجورة. كتبتُ عن أنا . كتبتُ الغزل والهجاء. كتبتُ لمقامات دينيّة وسياسيّة وتربويّة. كتبتُ نصوصًا حواريّة. عن الملح والسّكر، عن بيروت، عن النّملة وحبّها الأوّل، عن زرافة، وحَيِّنا، عن كل الشّهور والفصول بماديّتها ورمزيّتها. كتبتُ عن اللّيل والنّهار ، عن كلّ ما في هذا المجتمع المحلّي والكَوني من طباق وتقابل. كتبت عن البخل والإثراء. كما كتبت القليل الجميل باللّغة المحكية. وكلّها...لم تنل نصيبًا من الطّباعة الورقيّة بعد، بل نالتِ الاستحسان لأزدان بأهل الحسان فكرًا وثقافة.
فسناء شجاع لا وطن لها فيما تكتبه، لا حدود في تخيّلاتها.. عابرة بلا نزاع، مضيافة لترحاب. لا تدمن السّجائر وتحتسي الكؤوس، لكنها تعيش في كينونة من ثمالةٍ وضباب. فترى الأشياء بأمّ الحواس بعيدًا عن ماديّتها، لتصوغها كما تهوى، وليحبّها الآخر قراءةً وروحًا .
Opine Digest : كلمة أخيرة لنختم حديثنا الفكري؟
سناء : إضافتي الاخيرة انتِ وكلّ مَن سيقرأني لأكون النّبضة الباسمة الحالمة الهادئة الصّاخبة الّتي ابحث عنها رغم ضجيج النّبضات. أشكرك، وأشكر مبادرتك لمعرفة سناء شجاع الإنسانة والجبين، ناثرة على أسطر الوِداد بعضًا من حلم يدي وشعر الوِداد، ناشدة :
شاعرٌ مَيْتٌ أنا
أتقبلينَ بي ...زوجًا لكِ ؟
على جدار الكعبة وبابل المعلّقة
على قمة إيفيل وضفّة دجلةَ
علّقت قصائدي تُحفةً مُطَيِّبة
وعلى الاطلال وفي عكاظ،
حيث البلاط مدحتُ سلاطين مُعَرَّشة
من الشعراء صادفت المعري والمتنبي
وحسّان كم جالسته أُنسًا لدربِي
لكنّي مَيتٌ سيّدتي
مذ دخلت دارتكِ
وعوضا من درعٍ... تصدّى
أمسيتِ نزفَ خاطرتي
شاعرٌ مَيتٌ... انا
لكنك زاد محبرتي فهلّا قلت أهلًا ،
فأنا لنزفِك ضبطٌ
تحذفين الجوازم
تعيدين الضمّ إليّ بعد تسكين ؟
هل تجرؤين على نَشدي..
بموشحات الأندلس
علّ تعود غرناطة حمراء ليست بالقصرِ؟
وعلّ الفرات لدفقٍ... يتفلّتُ عن السطرِ
فيضجّ النّخيل أثمارا
والنّيل يضجّ سُمّار
اوالأهرام، إن هرمت ، تقول: هاتِني أشعارا
فقولي بأهلا ، وإن وهِنتُ
ميتٌ أنا...
فاقطري في العين نورًا
اقطري ...كي أكون ما وددتُ .
وفي لقاءات فكرية أخرى......