العبودية الحديثة اشكالها وأسبابها مع المحامية موهانا اسحاق

7- 2- 2023 

 المحامية موهانا  إسحاق - رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة لقسم مناهضة الاتجار بالبشر في منظمة "كفى".

 بحسب دراسة منظمة " Walk free" الأسترالية عن آخر خمس سنوات، هناك حوالي 458  مليون شخص تقريباً يتعرضون للعبودية بأشكالها المختلفة  ، أي أن جزءاً مهما من سكان العالم يواجهون ما يعرف بالعبودية المعاصرة.

 العبودية مفهوم قديم بدأ منذ العصور والحضارات القديمة ، إذ أن بين واحد من أربعة منهم أطفال و71% فتيات ونساء،  وان بين كل نساء العالم هناك نسبة كبيرة من الإناث على مستوى العالم تعيش في ظل العبودية الحديثة.

 بالإضافة إلى ذلك ، هناك  99٪ من الضحايا في صناعة الجنس التجاري هم من النساء. التقديرات العالمية للعبودية الحديثة، تنص على أن 58٪ من الضحايا في القطاعات الأخرى هم من النساء أيضًا. وبالتالي ، من الواضح أن النساء يتأثرن بشكل غير متناسب بهذه المشكلة. مما  يظهر من ذلك عدم المساواة بين الجنسين والتمييز الناشئ عن التوقعات المختلفة المفروضة على البنات من قبل المجتمع الذي يساهم بأعلى معدل انتشار العبودية الحديثة. ولكن هذا لا يعني أن الرجال والفتيان لم يسلموا أيضاً كضحايا العبودية الحديثة. إذ أنه يتم الاتجار بعدد كبير من الرجال بنسبة (21٪) والفتيان بنسبة (7٪) للعمل القسري في  المجال الزراعي والبناء والصناعي. كما  أنه من  الثابت  أن غالبية ضحايا استئصال الأعضاء البشرية هم من الذكور.

 في محور هذا الموضوع  الذي تخطى حدود الجغرافيا ، أسئلة وجهتها مجلة الرأي الآخر الالكترونية " Opine Digestللمتخصصة والناشطة الحقوقية والقانونية، والخبيرة في شؤون حقوق الانسان وقضايا العنف وحقوق المرأة والطفل وسجون وأحداث واللاجئين منذ أكثر من عشرين سنة في منظمات حقوقية مختلفة  المحامية  موهانا إسحاق، وهي حالياً تشغل منصب رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة لقسم مناهضة الاتجار بالبشر في منظمة "كفى". 

  • ماهي العبودية التقليدية ؟ وما الفرق بينها وبين العبودية المعاصرة؟
  • بالنسبة للعبودية التقليدية عرفها التاريخ منذ آلاف السنين حيث كنا نجد أشخاص يتم بيعهم على أنهم  سلع وأشياء من أشخاص آخرين ، بحيث  الأشخاص المباعة والمصنفين على أنهم "أشياء" ويتم إستخدامهم  تحت إمرة وتصرف المشتري على كافة الصعد ويعيد بيعهم وإستخدامهم وإستعمالهم كأنهم "أشياء" .
  • طبعاً، حماية للكرامة الإنسانية وبعد النضال الطويل بخصوص مكافحة العبودية تم إلغاء موضوع بيع الأشخاص وهذا المفهوم هو العبودية التقليدية، ولكن خلال القرن الحالي لاحظت الدول أن هناك عبودية من نوع ثانٍ تم تسميتها بالعبودية الحديثة أو المقنعة وهي تقع على أشخاص ولكن بصور مختلفة وأشكال مختلفة وهي جريمة "الاتجار بالبشر" وتسمى في كل التقاريرالدولية تحت مسمى "العبودية الحديثة" .

  • ما هي أشكالها ؟ 
  • أما بالنسبة لأشكالها وهنا نقصد أشكال العبودية المعاصرة أو الحديثة ،  نود أولاً أن نعرف ما هي هذه الجريمة ولماذا نطلق عليها عبودية،  العبودية الحديثة أو الاتجار بالبشر، هي تقع على الأشخاص بعدة أشكال، ممكن أن تتعلق بالموضوع الجنسي او الاستغلال الجنسي،  طبعاً أن كل أنواع الاتجار بالبشر قائمة على  موضوع "الاستغلال"، بمعنى إستغلال أشخاص هم بحالة ضعف بسبب إكراه أو بسبب عنف  بحيث يتم السيطرة عليهم وإستغلالهم من خلال عدة أوجه ، وأكثر وجه متعارف عليه ومتداول مفهومه في العالم هو" الاستغلال الجنسي"، 70% ممن يتم إستغلالهم هن من الفتيات والنساء والاستغلال الجنسي من أكثر صوره كموضوع الدعارة أو إلاستغلال الشخصي لهن على أساس جنسي . وثاني شكل من الاتجار بالبشر هو الاستغلال القسري في العمل و يقوم على إكراه الأشخاص القيام بالعمل ولا يكون لديهم حقوق العمال ويعملون جبراً وقسراً ولا يكون  لديهم خيارات فسخ العقد وهم يخضعون لما يسمى" لعبودية الدين" بالإضافة إلى أسباب أخرى تجبرهم على القيام بالعمل.
  • أكثر صورة للعمل القسري المنتشرة في العالم ولبنان هي عاملات في الخدمة المنزلية اللواتي يعملن بنظام الكفالة حيث يتم إحتجاز أوراقهن تحت يد صاحب العمل ويتم التحكم  بحقوقهن ، بحرياتهن وتحركاتهن و حقهن في التنقل بما في ذلك حقوقهن الشخصية الخاصة كحق الزواج والانجاب وغيرها… والأكثر من ذلك  يتم التحكم بنوعية أكلهن وملبسهن ، إذ أن صاحب العمل يتحكم بفسخه للعقد مع إمكانية  فسخ العقد لمصلحة شخص آخر ويتنازل عن العاملة لمصلحة آخر وهنا العاملة مجبرة للعمل حتى لو كان "بالمبدأ " لديها حق الفسخ ولكن ليس لديها إمكانيه فعلية للفسخ في ظل نظام  "الكفالة" لان العقد يتحكم به صاحب العمل وهو يحدد مصير العاملة ولهذا  يسمى العمل  القسري .
  • ثالث شكل من أشكال العبودية هو"الاتجار بالبشر" و "بيع الأعضاء البشرية".
  • ورابع شكل من أشكال العبودية هو تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة والتسول وهنا استغلال الاحداث في هذا الاطار.

  • ما هو دوركم في  مكافحة أشكال العبودية وماهي الحلول للتصدي لها؟
  • بالنسبة لمنظمة " كفى" ، فهي تهتم بمناهضة كل أشكال الاستغلال والعنف التي تقع  على النساء ولدينا قسم خاص بمناهضة الاتجار بالبشر وبشكلين من الاستغلال الذي يقع على النساء لجهة الاستغلال الجنسي والاستغلال في العمل وخاصة العمل القسري.
  • فنحن كمنظمة نعمل على تغيير الأنظمة والقوانيين والممارسات التي تؤدي إلى حالات الاستغلال مثلاً في موضوع العمل المنزلي ، كما  نسعى إلى تغيير أو وضع القوانين التي  تمنع وتلغي نظام الكفالة لأنه يشكل وجه من وجوه الاستغلال ، ويساعد على وجود حالاته وأسبابه ،وهذا ما تسعى إليه  منظمة "كفى" عبر الضغط على الوزارات والمراجع المعنية .
  • كما نعمل على التوعية الذهنية للأشخاص ونعمل على التدريبات مع قوى الأمن، وإجراء لقاءات مع أصحاب العمل المعنيين  للتوعية على هذه الإشكالية بالإضافة  إلى تنظيم  تدريبات ولقاءات مع القانونين والقضاء المختص للتوعية و لضبط هذا النوع من الجرائم ، كما اننا كمنظمة نقدم خدمات للضحايا ضمن الأطر المقبولة أو ضمن إمكانياتنا ، كما نستقبلهم  في مكان خاص لإيواء ضحايا الاستغلال الجنسي والاستغلال في العمل ، ونقدم لهم  خدمات على عدة صعد من الخدمات القانونية والنفسية والطبية وغيرها…

  • ماهي الأسباب التي ساهمت في تطور العبودية بمفهومها المعاصر؟

  • إن العبودية  المعاصرة بمفهوم  جريمة الاتجار بالبشر تعتبر  ثالث أكبر جريمة في العالم  بعد تجارة الأسلحة وتجارة المخدرات. ونحن  هنا نتكلم  من حيث المردود المالي الذي تدرها جريمة الاتجار بالبشر ومن هنا إن الأسباب المباشرة لوجود الإستغلال الجنسي هي الأرباح التجارية الكبيرة من وراء هذه الجريمة وخاصة أنها تقع على أشخاص بمعنى لا تكاليف ولا أعباء ولا مصاريف بل هو إستغلال  النساء بالدعارة مباشرة هو إستغلال للمراة، وهو ربح صافي من جراء إستغلالهن. كما  إن الذي يساهم في إرتفاع  الجريمة من ناحية الضحايا هو وجود حالات النزاعات المسلحة ، الفقر،  إذ كلما زادت الأسباب من هذا النوع في دول معينة ترتفع حالات الأشخاص " الضحايا المحتملة " الذين يتواجدون في وضع  هش  وبالتالي يصبحون عرضة أكثر من غيرهم و خاضعين للاستغلال من قبل المتاجرين والذين يستغلونهم من أجل الأرباح المالية.


  • بصفتكم متخصصة بشؤون قسم الاتجار بالبشر في منظمة "كفى " أين دور منظمة  " كفى" وموقف القضاء لهذه الجهة ؟
  •  
  •  ربطاً مع إجابة السؤال الثاني ،  فإن دور المنظمات بشكل عام وليس فقط منظمة "كفى" وكل منظمة تعنى بمكافحة جرائم  الاتجار بالبشر والتي تعنى بهذا المجال  يقتصر دورهم  على إرساء الواجب التوعوي والتوجيهي  في المجتمع وخاصة "للضحايا المحتملين"  لمنعهم من الوقوع  في مثل هكذا نوع من الجرائم والتوعية عليها وعلى أساليب المتاجرين وعلى كل الأسباب المؤدية إليها.
  • ومن جهة أخرى، دورنا كمنظمات مختصة الضغط على الدولة وعلى المؤسسات الرسمية وعلى والوزارات المعنية وعلى المجلس النيابي لوضع التشريعات لتنفيذ القوانين الموجودة ولتطويرها ، بالإضافة إلى  توعية القوى الأمنية لجهة ضبط هذه الجريمة ومنع وقوعها وهذا ما سبق وتطرقت إليه في الإجابات السابقة من خلال التدريبات ولا يمكننا أن  ننسى أهمية دور القضاء الأساسي في إصدار الاحكام الحازمة لردع هذه الجريمة.

  • كلمة أخيرة؟  
  • في كلمتنا  الأخيرة   نود أن نلفت النظر ، أنه  كلما إزداد الفقر وتردت الأوضاع الاقتصادية وتفاقمت ، وازدادت الحروب والنزاعات في العالم ، ارتفعت حتماً نسبة ضحايا الإستغلال لأنه سوف يؤدي إلى ارتفاع نسبة الحالات الهشة  والتي تكون عرضة للاستغلال أكثر من غيرها ، وبالتالي نتمنى أن تتوجه المجتمعات أكثر إلى حماية الانسان وعلى وضع القوانين الصارمة وتفعليها وتنفيذها  التي تحمي الضحايا  وتحد من عملية أستغلالهم ، كما يجب على الدول  وضع كل ما يلزم من تحسين أوضاعها للمنع والحد من  حالات الاستغلال أو تسهيل وجودها.