أشجار لبنان ترتعد خوفا وغاباته تبكي حزنا على حالها

ايمان أبو شاهين يوسف - 29- 7- 2023

 طالعني منشور سياحي بإعلانه التراثي الذي يقول:

 "ست غابات ساحرة الجمال، يجب زيارتها في لبنان" 

ثمّ تكلّم عن التنوع البيئي الموجود في هذه الغابات. وعن المواقع الخضراء المميزة التي تجعل المرء يعيش لحظات فرح وهدوء وهو يتأمل بأحضان هذه الطبيعة الخلابة. 

وبعدها بدأ السرد: 

غابة الأرز حدث الجبة: التي تعتبر اجمل غابات لبنان والشرق الأوسط. قديما وبسبب كثافة اشجارها ما كانت الشمس تستطيع اختراقها. ومن اهم اشجارها الأرز، اللزاب، الصنوبر، العفص، القطلب، الغار، الحور، السنديان والمحلب. 

غابة بولونيا المتن: وهي أيضا من اجمل غابات لبنان، ولشدة نضارة خضرتها تحسب انك خارج لبنان. اشجارها باسقة الطول وهي مسكن للعديد من الطيور والحشرات. 

غابة بكاسين- جزين: وهي ليست من اجمل غابات لبنان وحسب، بل من اجمل غابات العالم. تتميّز بكثافة أشجار الصنوبر المصفوفة على شكل لوحة فنيّة ساحرة تجذب اليها كل من يراها. 

غابة ارز جاج – جرود جبيل: تعتبر هذه الغابة من اقدم المحميات الطبيعية في لبنان. وقديما كان الفراعنة يأخذون الخشب من ارزها ليبنوا به معابدهم ومقابرهم. وهذه الغابة عظيمة بمعالمها وبجمالها وبتنوعها البيئي. 

غابة العذر- فنيدق- عكار: لا يمكن وصف سحر هذه الغابة، وخاصة في فصل الخريف حيث ان اوراقها تلبس لون الأرض لتشارك الطبيعة حزنها.

 غابة الأرز- الباروك – الشوف: هذه الغابة مصنفة محمية وهي خلاصة عن كل جمال لبنان وخصوصا مشهد غياب الشمس، وتنوع الطيور فيها. اما صغار أشجار الأرز فيها، فإنها تنتصب بقامتها الشامخة على رأس قمم جبل الباروك لتحاكي الشمس نهارا وتسامر القمر والنجوم ليلا. 

ما ان انتهيت من قراءة هذا المنشور حتى سمعت نواح الغابات يتصاعد، وأشجارها ترتعد خوفا وقلقا، ودقات قلبها تسمع كقرع الطبول. 

رحت افتش بين تقارير الصحف والمواقع الالكترونية عن تفسير لذلك فطالعني خبر:

  لبنان شهد أواخر حزيران حتى 12 آب – 2022 اندلاع موجة حرائق كبيرة بمختلف مناطق البلاد. طاولت غابات عكار(شمالا) ومناطق في جنوب البلاد وشرقها. واستمرّت لأيام بعد خروجها عن السيطرة في ظلّ ضعف الإمكانيات لإخمادها. 

تكررت هذه الحرائق لثلاث سنوات متعاقبة وفي كل سنة تكون الخسائر اشد حدّة واكثر اتساعا. وهذا العام 2023 بدأ المشهد يعيد نفسه. فقد اندلعت الحرائق باكرا وضربت اجمل الغابات في لبنان. 

 وكما قال مدير برنامج " الأراضي والموارد الطبيعية" بمعهد الدراسات البيئية في إحدى الجامعات اللبنانية الدكتور جورج متري، ان نسبة الغابات في لبنان هي 13% من المساحة العامة، أي 1300 كم مربع من مساحة البلاد الاجمالية (10452كلم مربع). 

 ونسبة الأراضي الحرجية حيث الاشجار غير المرتفعة والاقلّ كثافة فهي 11 بالمئة من مساحة لبنان، أي 1100كلم مربع. 

وقال: ان نسبة الحرائق في السنوات الثلاث الأخيرة زادت بشكل كبير بحيث ان المعدل السنوي 1000 هكتار، وأضاف ان العام 2019 احترق 3000 هكتار أي 3 مرات اكثر من المعدّل السنوي وعام 2020 احترق 7000 هكتار أي 7 مرات من المعدل السنوي.

 وتابع: حتى أواخر تموز 2021 اصبح مشتعلا اكثر من 12000 هكتار. وعكار وحدها خسرت في حرائق عام 2020-2021 حوالي 14% من مساحة غاباتها. 

وكشف رئيس مجلس إدارة مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية (حكومي) ميشال افرام" الخسائر في لبنان ضخمة جدا وأكبر مما يقدّر" 

واهم الخسائر البيئية: 

 - مساحات كبيرة من الأشجار المعمرة. 

- نفق عدد كبير من حيوانات الغابات. 

- خسارة الطيور التي تعيش ضمن الغابات والاحراج.

 - تصحّر التربة.

 - انجراف التربة.

 وفي تقرير آخر تصدّرت مشاكل أخرى تهدد المناطق الخضراء من لبنان. 

- التمدد العمراني على حساب الأراضي الزراعية. (خصوصا الساحل اللبناني المغطى بالبنايات التي حجبت عن المارة على الطريق الساحلي رؤية البحر).

 - الأسمدة الكيماوية ومبيدات الحشرات وتنقية المياه بمادة الكلور كلها تفسد التربة وتقتل النبتات كما وتتسرب الى المياه الجوفية. 

- تصحّر التربة بسبب قطع الأشجار والحرائق والمواد الكيماوية في الادوية الزراعية والمبيدات يسبب انخفاض في المياه الجوفية. 

- انجراف التربة بسبب الحرائق، وقطع الأشجار، واعمال المرامل، والمقالع، والكسارات.

 - عدم جدية مؤسسات الرقابة في حماية الغابات والاحراج... 

- إعطاء رخص بناء على حساب أراض زراعية. 

- التهاون في إعطاء رخص للمقالع والكسارات التي تضر بالبيئة. 

اهمال أصحاب الأراضي الخاصة والممتلكات العامة (مشاعات بلدية ومشاعات دولة) في متابعة الأراضي وابقائها في حالة صحية جيدة عبر تقليم اشجارها وإزالة اليباس عنها ومن حولها كل الأعشاب اليابسة لإحيائها وابعاد خطر الحرائق عنها. 

- عدم الوعي الاجتماعي بأهمية الحفاظ على البيئة السليمة وبالتالي على الأشجار التي بدورها تحافظ على الثروة المائية، والتنوع البيولوجي، والهواء الغني بالأوكسجين. 

- تقصير الدولة في القيام بحملات توعية بيئة عبر الاعلام ومن خلال الجمعيات والمدارس.

 - تقصير الدولة بتجهيز وتوسيع ملاك الدفاع المدني للقيام بواجباته كما يجب وعدم تجهيز الجيش بما يلزم من معدات لمكافحة الحرائق.

 - قطع أشجار الغابات العشوائي والجائر لاستعماله عوض المازوت في المدافئ في فصل الشتاء.. 

انتهيت من قراءة المقالات والصحف ونظرت الى أشجار غاباتنا واحراجنا فرايتها منحنية الظهر شاردة الذهن متناثرة الأوراق، حزينة الهيئة، باكية العين، تماما كالأم الثكلى التي فقدت وحيدها. 

خجلت منها خجلا كبيرا، لأني شعرت بخسارتها وانكسارها، وهي لطالما تغنّى بها الشعراء ونظموا اجمل القصائد مدحا بجمالها ونضارة لونها الأخضر، وسحرها وبهاء منظرها، وانسيابها الرائع على امتداد الوطن.  ومنهم لامارتين الذي قال اجمل الشعر بوادي حمانا.

واليوم وبسبب الجرائم التي ترتكب بحقها أصبحت كالعجوز الشمطاء التي لا يوجد في رأسها الا بعض الشعيرات المتباعدة. ناهيك عن جفاف ارضها كجفاف وجه تلك العجوز. وانجراف اتربتها كتساقط اسنان العجوز. وسواد حلتها كسواد ثياب العجوز التي سئمت الحياة وراحت تنتظر اجلها.

رفعت رأسي ووجدتني اخاطب دولتي والمواطنين لأنقل لهم هذه المعاناة وما يعقبها من مآسي واحزان، خاصة ان طبيعة لبنان لا تؤثر على الداخل اللبناني وحسب. بل هي مرتبطة جيولوجيا في المنطقة برمّتها. أي بفلسطين والأردن، وسوريا. وهي خزان الماء لهذه المنطقة واي جفاف او تصحّر يصيبها فهو حكما سيطال كل هذه المنطقة. والمعلوم ان الحروب القادمة بين دول هذه المنطقة سوف تكون حروب الماء.

والماء لا يضمن وجوده إلاّ الأشجار. خاصة اللزاب الذي يحرس قمم لبنان، لأنه يعيش على ارتفاعات في اعلى الجبال ويعمّر اكثر من غيره وهو صلب ولا ينكسر بفعل الثلوج، بل يغطي الثلوج ويطيل مدة ذوبانها مما يساعد على تخمر الأرض وامتصاص المياه التي تغني المياه الجوفية.

 لهذا فإن وجود الأشجار امر ضروري جدا للطبيعة واستراتيجي بالنسبة للمنطقة.  

 إذن ما هو الحلّ؟؟؟ 

عام 2009 اقر مجلس الوزراء وثيقة تحمل اسم الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان، لكنها لم تعط اية نتيجة ملموسة.  لذا نرى ان الحل يجب ان يكون جذريا وقائيا قبل ان يكون علاجيا. ثم يجب ان يأخذ طابع الجدية والاستمرارية في التطبيق. 

ولهذا: 

 -على الدولة محاسبة المخالفين والسهر على تطبيق القوانين التي تتعلق بموضوع البيئة وخصوصا الغابات في لبنان. 

- على البلديات القيام بشكل جدّي بمهامها البيئية ومحاسبة المخالفين. مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع حدوث الحرائق كإقامة مناطق فاصلة تمنع وصول الحرائق الى المناطق الحرجية. ومراقبة أماكن التنزه وتخصيص مواقع بعيدة عن الأشجار والاعشاب اليابسة لإشعال نار المواقد ثم التأكد من اخمادها. 

وأيضا من المستحسن زرع أشجار الحور والصفصاف على جنبات الطرقات وواجهات البلدات والقرى من اجل ان تقف سدا في وجه الرياح. كما وتضفي منظرا جميلا وهواء منعشا على المكان. 

- على الدولة اصدار قانون يعاقب كل صاحب ملك يهمل ارضه ولا يقوم بتقليم الأشجار ورفع الأعشاب اليابسة من بين الأشجار والمساحات الزراعية ومساعدة المزارع على تحويلها الى سماد للأرض.

 - على البلديات وخصوصا التي تمتلك موازنة كبيرة شراء معدات لإطفاء الحرائق.

 - على الدولة تمكين الدفاع المدني من توسيع ملاكه وشراء المعدات الضرورية للقيام بواجباته.

 - على وزارة الزراعة مراقبة الادوية والاسمدة الزراعية التي يستعملها المزارعون في زراعتهم.

 - على الدولة القيام بحملات توعية حول كل ما يتعلّق بالبيئة وخصوصا الحرائق. مع التشديد على أهمية دور الشجرة في الحفاظ على التوازن البيئي وخصوصا على الثروة المائية والهواء النقي.

 - على المؤسسات الأمنية المسؤولة التشدّد في تطبيق القوانين البيئية وخصوصا مع كل من يقطع الأشجار وبالأخص التجار والمجرمين الذين يعتدون على ارزاق الآخرين. 

- على الدولة التشدّد في إعطاء رخص المقالع والكسارات.

 - على الدولة ومؤسسات المجتمع المدني القيام بحملات تشجير على طول مساحة لبنان وتأمين الشتول للمواطنين بأسعار رمزية.

 - توسيع ملاك مآمير الاحراج لكي يصبح قادرا على العمل في كل المناطق اللبنانية بأريحية وفعالية مشهودة. 

-على الجمعيات المحلية القيام بدورها على المستوى البيئي، وخصوصا على مستوى التوعية الاجتماعية وحملات النظافة والتشجير.

 -على الدولة والبلديات فتح طرقات زراعية تؤمن الوصول لسيارات الدفاع المدني في حال حصول الحرائق. 

-على الجميع دولة وجمعيات ومواطنين، مسؤولية القيام بأعمال وقائية لعدم حدوث الحرائق. 

-على البلديات تشجيع المواطنين على زراعة فسحات الأرض بجانب بيوتهم بالعشب الأخضر واشجار الزينة لإضافة اللون الأخضر والسلامة البيئية على المناطق اللبنانية إسوة بالدول المتحضرة. 

وفي النهاية على كل مواطن ان يمارس مواطنيته ويقوم بواجباته في الحفاظ على سلامة البيئة وجمال الطبيعة من خلال المحافظة على أشجار لبنان وسلامة غاباته واحراجه ونظافة مياهه الحلوة والبحرية. 

ولنرفع شعار:" لنعمل يدا واحدة لأجل لبنان الأخضر". 

هنا رأيت الأشجار ترفع رأسها وكأن هما ازيل عن كاهلها. ابتسمت لي مطمئنة وعاودت اشراقها ونضارة اخضرارها وراحت من جديد تنشر الهواء النقي والنسيم العليل.

 المراجع 

- مقال الحرائق تغزو لبنان - موقع النشرة الالكتروني.

- مقال للسنة الثانية على التوالي ... النيران تلتهم الغابات في لبنان – باسل الخطيب – بيروت – سكاي نيوز عربية.

- مقال لبنان شهد أواخر يونيو الماضي، اندلاع موجة حرائق كبيرة بمختلف مناطق البلاد. بيروت – ستيفاني راضي – الاناضول.

- وضع البيئة في لبنان- تموز- آب/يوليو- أغسطس 1998/ عدد 13 – مجلة البيئة والتنمية.

- مقال قطع الأشجار – ويكيبيديا. 

 - الجمعيات ملجأ المواطنين لحماية البيئة في لبنان – موقع الرصيف الالكتروني. 

- ست غابات ساحرة الجمال لازم تزورها هل الصيفية بلبنان – الموقع الإلكتروني - بيروت.