"العكوب"...... وما أدراك ما العكوب


لندن - د. فاروق مؤيد القاسم -  27 - 3 - 2022


هذه الأيام في بلادنا العريقة، موسم " العكوب" أو السلبين، بثقافة أهل شمال سوريا، في بداية شهر آذار مارس من كل عام ، اعتاد الناسُ على الذهاب الى الحقول البعيدة خلف الوديان وبين الصخور للبحث عن العكوب والهندباء والرشاد والفطور والكُزبرة والقرص عنّا والقرويص والكُرّاث ولسان الثور والحُمّيض ، وغيرها من النباتات البريّة،،،، 

ما زلت أذكر تلك الطفولة بحذافيرها، عندما كانت والدتي الغالية تذهب باكرا ًمع نساء الحارة مجموعات كبيرة الى السهول في ما يُعرف ُ ب " التسلّيق " وتعود كل واحدة ٍ منهنَّ ب " شَقَبان " على ظهرها وسطل بيدها ، وكلاهما ممتلئان بالعكوب وغيره مما ذُكر ....

 يا سقى اللهُ كم كانت أيام بسيطة ،، كلها أمان وسلام ، كانت النسوة تذهب الى الحقول دون خوف او اي قلق،، فيما اليوم لا تستطيع المرأة ُ داخل القرية زيارة جارتها إلا بمرافقة ابنها أو زوجها ، بسبب قلّة الأمان ،،،،
تلك المواسم لم تكن مقصورة على النساء فحسب، بل كان الشباب والصبية أيضاً يذهبون الى البراري ، وأذكر أنني ذهبت وأخي سعود مع أولاد الحارة مرارا ومرارا ومعنا " الكشفيّة " وهي سكين عريض وحاد ، مع " العبّوة " وهي قطعة معدنية عريضة وحادة من الأسفل بداخلها عصا بطول عصا المعول، كنا نغرزها بالأرض الحمراء بجانب صُمخ العكوب للأسفل ، حيث يتم قضم جذره من الأسفل، بعمق حوالي 25 سم تقريبا ونقوم بإزالة أشواكه من الأعلى، ونضعه في الشنطة أو الكيس ، وهو ذو فائدة صحيّة عجيبة، يؤكل ُ نيّئاً ومطبوخاً... 

إذ عندما كنا نعود من السهول، كانت والدتي أم فيصل حفظها اللهُ تقوم ب خلط البيض مع الطحين وتجبل صُمخ العكوب بهما وتقليه بالزيت، في ما يُعرف ُ ب " عِجّة العكوب، أو تقوم بفرمه وقليه بالزيت مع البصل، وتسمّى أكلة " المسبّحة " وطبعا تختلف تسمية هذه الوجبات من منطقة لأُخرى، لكن طُرق تحضيره واحدة، ولم أنس َ " الشكوة " وهي قربة لبن الشنيني ، ما يُعرف ب لبن" العيران " الذي كنّا نشربه مع وجبات العكوب النادرة...


أذكر آخر مرّة بحياتي ذهبت فيها الى الحقول في مثل هذه الأيام كان قبل حوالي أربعين عاماً ، أنا وأخي سعود، إذ توجهنا شرقاً نحو أرض بضيعتنا تُدعى" رُجم الخبز " ومنها الى الشمال الغربي أرض قرية السجن، ومنها نحو أرض قرية الطيرة، ومنها غربا نحو أرض قرية صمّا الهنيدات ، وهناك وجدنا أفعى عند المساء ، رأسُها بين الصخور ، وباقي جسدها على صخرة هائلة... أذكر أن أخي سعود هُرع لقتلها ب " العبّوة " الحادة، حيث أراد ان يقطعها نصفين وهي مُلقاة على صخرة ملساء، فأوقفته فوراً، وقلت له يا أخي، هذه أفعى، اذا قطعناها نصفين، ستدخل في كعرها ، وستعيش، لكنها في ما بعد ستنتقم، دعها وشأنها، واتركنا نعود الى أهلنا سالمين....

عدنا حاملين شقبانات العكوب والرشاد البرّي من بين الصخور، والكزبرة، ووصلنا بداية الظلام، واستقبلتنا والدتي الغالية بخوف شديد، بعد رحلة والله لا أبالغ إذا قلت بإننا قطعنا فيها مشيّاً أكثر من ثلاثين كيلو متراً..


والآن ، يشهد ُ الله، أشعر بأن هذا كان قبل ألف عام ، او منذ قصة أهل الكهف، نحن الذين عاصرنا زمنين مختلفين تماما بكل شيء، زمن الدراسة على ضوء السراج ، وزمن الإنترنت والفضاء المفتوح!!!

هـــل تُســـــــتعاد أيامُنا بوادي الخليج وليالينا 

أو يُستفاد من النسيم الأريج مسك دارينا

 أو هل يكاد حسن المكان البهيج أن يحيينا

 روض أظله دوح عليه أنيق مورق الأفنان.