ما في على الكلام رباط...

           د. ليلى أبو شقرا السبت ٤ تشرين الثاني ٢٠٢٣ 

هبطت علينا التكنولوجيا ومنابرها المختلفة من الغرب، لتكون علينا نعمة ونقمة. فهي نعمة في مدِّ الجسور بين البشر، ونقمة في أنَّ منابرها التي تخلو من مقص الرقيب تسمح لكلِّ من يسعى إلى كسب شهرة، أو ريِّ حقدٍ قديم، أو توليد زوبعة لتحقيق عدد من المشاهدات تسمح له أنْ يكون هو حديث الناس، بغض النظر عن بُعد كلامه عن العدل والحقيقة.


الرقيب هو الضمير والنفس والعقل والحكمة واليقين. 

ولكنَّ بعض النشوى يُبيح كلَّ المحظورات! والصور والسكوب وحب الظهور يبيح كل المحظورات! مع أنَّ اللسان هو ما يميّز الإنسان!

اللسان ينطق عمّا في هذه النفس من خبايا، وإنْ تجمّل أو تمسكن أو حتى جرّح وأهان؛ فاللسان صورة عن السريرة والجَنان يكشفان نفسيهما في خبايا معاني الكلمات وبين السطور أمام كلِّ من يملك نعمة البصيرة.

 ولذلك كان صدق اللسان إلى جانب حفظ الإخوان مبدأين أساسين في المسلك التوحيدي.

ولكنْ، كثيرون اليوم يصرخون مدّعين السهر على مصالح الموحدين، ويصرخون «يا لغيرة الدين»، وهم في كلامهم الذي لا ينقُد بل ينتقد، بعيدون عن قيم التوحيد ومبادئه.
والفرق بين النقد والانتقاد كبير. ففي الأول تبيان للإيجابيات كما للسلبيات من أجل تحسين البناء، أمّا في الثاني، فلا شيء سوى إرادة الهدم والتجريح لأسباب كامنة في نفس يعقوب الذي ينتقد.
يعقوب يوجه سهامه النارية من دون دليل؛ إذ ما على الكلام إلاَّ أن يصيب عاطفة المتلقّي من دون بقية الجوارح. لا تهمه الدلائل ولا البراهين ولا صحة المعلومات، بل نشوى الانفعال التي تسمح للخبر أنْ يلوكَه الناسُ باِسمه ليل نهار مالئين به وقتهم... ألا تستحي يا يعقوب؟!
للأسف أنَّ يعقوب هذا إنَّما يكتب بشكلٍ يدَّعي الحرص على الموحدين ومالهم ومصالحهم، وهو يخالف في الشكل والمضمون أخلاق التوحيد، وقيمه، وصدق اللسان الذي يقوم عليه كما حفظ الإخوان. ألا يستحي يعقوب؟!
ألا يستحي أن يتهم ولا يُقيم الحجة؟! أهذا هو المعروف أن يتهم من دون بيان؟!

مهما أتاكم من خبر فتبيّنوه، فكيف إذا كان هو صاحب الخبر؟! 

بكل الأحوال، لا عتب على من ينتظر الفرصة ليوجه السهام من دون أن يتبيّن المرمى!
سهام يعقوب تصوّب على من استحى ولم يمت، مَنْ بدأ بالعمل يحاول إحداث الفرق، والنهوض بالمؤسسات، وحشد الطاقات، وتصويب المسارات. 

سهام يعقوب تصوّب على من يصغي لمعاناة الأرامل والمحتاجين، ولصرخة أم وحرقة أب لمجرّد التصويب؛ لأنَّ يعقوب سيوجّه سهامه كيفما كان الحال: إنْ عملوا، سيدلو بدلو اتهاماته لهم بالسرقة وغياب الحياء؛ وإنْ لم يعملوا، سيدلو كذلك بدلو اتهاماته لهم بالقعود وتجاهل ما يعاني منه الناس...
إنَّ التجني حمل ثقيل على صاحبه، والتشفّي إثم كبير ينعكس سلبًا على صاحبه، ورمي الاتهامات كالأرز يُنثر في الهواء جريمة؛ وللأسف تشهدُ البيئة التوحيدية مؤخرًا أصواتًا كثيرة ترفع نبرتَها مدّعيةً الحرص على مصالح الموحدين، والمؤسسات التوحيدية، والتمسك بالتوحيد، وهي تنتهج في أسلوبها وكلامها ما يخالف التوحيد وأخلاقه ومبادئه في الشكل والمضمون.
النقد ضروري للاِرتقاء بالإنسان والعمل، ولكن التجريح ورمي الاتهامات أمر يشين صاحبه أولاً.
ليست الأعمال بالنيات فحسب، فالأسلوب هو الرجل، والكلام بيّنة على النيّة... فلتعمل يا يعقوب على الخير الذي تنتظره من الآخرين، وتكون أنت المثال في ما تسطره من مآخذ عليهم، ولا تنقل الخبر قبل أنْ تتبين خيط الحقيقة فيه من خيط الافتراء، وبارك العمل الذي فيه فلاح الجماعة ومصلحتها، وليكن كلامك على المنابر منارة ارتقاء بأي عمل، ابتداءً بالندوات إلى المعارض على أنواعها من الرسم إلى المنتجات القروية، تجمع من أجلها الطاقات الإعلامية والفنية والفعاليات الاجتماعية والسياسية، وتكتب عنها بعيدًا عن خبايا النوايا...
اكتب يا يعقوب بعيدًا عن خبايا النوايا، وانقل أخبار المنابر بعيدًا عن خبايا النوايا. فالخبايا غياهب للحياء قاتلة، وحب الظهور رمال متحركة، والنُّصح والنقد لا يكون إلاَّ بالعدل والإنصاف والصدق.
كلما ذُكر يعقوب يقولون «فالج لا تعالج»... ولكن لا شيء عصيٌّ على مغيّر الأحوال...
كنْ العين الساهرة على حُسن سير المؤسسات التي تُعنى بالموحدين وتعنيهم بكونِك العين الساهرة الناطقة بمبادئ عقيدتهم، وصدق ألسنتهم، وأخلاق مسلكهم، ونقاء سرائرهم، لتكون أنت لهم المثل الصالح والقُدوة... فالله على كل شيء شهيد.
على أملِ أن يستفيق يعقوب الأمس والحاضر...

 على أمل...
على أمل أن يكون «فالج بس تْعالج!» ويكون«الكلام صار إله رباط!» لأن «اللي استحوا ما ماتوا»...