الدكتور خضر الحلبي
3 - 8 -2021
إستأنف الشباب اللبناني السفر عند إنتهاء الحرب العالمية بحثاً عن مجالات العمل والثروة، وبدأوا بتحويل الأموال لإعالة أهلهم وقد بدأت تمتد مرحلة الهجرة الحديثة، منذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 وصولاً إلى إعلان الجمهوريّة اللبنانيّة عام 1926 ومن ثم إستقلال لبنان في العام 1943 وانتهاء الإنتداب الفرنسي على لبنان، أما في العام 1975 بدأت حرب الآخرين على أرض لبنان والتي أدت إلى مقتل نحو "100000" لبناني، وجرح أكثر من ربع مليون، وتهجير أكثر من "800000" ولأسباب سياسية وأمنيّة وإجتماعيّة واقتصاديّة عديدة، لا تزال حركة الهجرة ناشطة وتتزايد تدريجيّاً حتى اليوم، حيث ظهرت أرقام مخيفة تقول بأن لبنان احتل المرتبة 113 بين 144 دولة في ظاهرة هجرة الادمغة، وأن 53% من المهاجرين هم من الاطباء و المهندسين وأصحاب المهارات و 44% هم من الجامعيين حسب مصادر صحيفة اللواء في بتاريخ 23 حزيران 2021، واللافت في الأمر أن دائرة الاحصاء المركزي منذ عام 2009 حددت نسبة غالبية المهاجرين الذين هم من حملة الشهادات الجامعية ب 44.4 % من مجمل المهاجرين حيث كانت وجهتهم لا سيما بعد العام 2004 (39.2% قصدوا البلدان العربية، و 20% الى كل من اوروبا واميركا، و 12.1% الى افريقيا، و 7.6% الى استراليا) حسب دراسة احصائية لجامعة القديس يوسف تناولت خريجيها بين 2005 و2008، مما يشير أن هجرة الأدمغة كانت ولازالت بتزايد مستمر دون اكتراث الحكومات لهذه الظاهرة الخطيرة كما انهم لم يتخذوا أي اجراء للحد منها ودعمها للنهوض بالاقتصاد الذي استمر بالانهيار الى يومنا هذا ليصبح المواطن يقف "طوابير" أمام مبنى الامن العام ليستحصل على جواز سفر كي يغادر الوطن الى ان وصل الى عدد ال 7000 جواز سفر يوميا.
ان أول سبب يدعو الى الهجرة هو الفقر فكان المورد الأساسي في لبنان "الزراعة" التي بقيت عاجزة عن تأمين الإنتاج المطلوب لعدة أسباب أهمها ضيق الأراضي الزراعية، وجهل الفلاح للطرق الزراعية المتطورة، والإقطاع المتسلّط والصعوبات في تصريف الإنتاج... الخ. لتأتي "الصناعة" التي اقتصرت على الأعمال العائلية الصغيرة والبسيطة وعلى الأشغال اليدوية والحرفية كغـزل الحرير والدباغة بالاضافة الى صناعة الصابون والتقطير والزيت...الخ.
ولقد تحول قسم من اللبنانيين الى "التجارة" التي ترتبط بموقع البلاد الجغرافي والطبيعي ولا يمكن الإعتماد عليه ولا يوجد مواد كافية للتجارة، هذا ما ما دفع بالكثير الى الهجرة هذا فضلا عن الأسباب السياسية والاجتماعية والدينية. أن وضع لبنان يتجه إلى مزيد من التأزم حيث يوجد العديد من الآثار الناتجة عن الهجرة التي تنعكس آثاره على اقتصاد كل من البلد المضيف والبلد المرسل حيث انها تلعب دورا مهما في تحسين الوضع الاقتصادي للدولة المضيفة، وتوفر أسواق عمل، وعلى الرغم من ذلك يمكن أن يؤدي ارتفاع أعداد المهاجرين ايضا فيها إلى زيادة الضغط على الخدمات العامة كالتعليم، وانخفاض في الأجور خاصة أجور عمال البلد الأصليين ذوي الخبرة المنخفضة وتؤثرعلى لبنان بتقليل تكلفة العمالة في البلد المرسل، أما اثاره على الصحة فقد تؤدي الهجرة إلى انتقال بعض الأمراض المعدية من المهاجرين إلى مواطني البلد المضيف، ويمكن أن يعاني بعض المهاجرين من أمراض تحتاج إلى رعاية صحية، مما يزيد الضغط على الخدمات الصحية في البلد، ويمكن أن تؤثر الهجرة في البلد الذي غادره المهاجرون.
وقد تؤثر الهجرة ايضا بملء الوظائف الشاغرة، وخاصة الوظائف التي لا تحظى بشعبية كبيرة و توفير العمالة الماهرة وذوي الخبرات كالممرضات، والمعلمين والاستفادة من العمال الشباب مما يساهم في تحقيق الأرباح لميزانية الدولة وجذب رواد الأعمال المحتملون إلى البلد الجديد زيادة التنوع الثقافي وارتفاع تكاليف السكن والإيجار بسبب زيادة عدد السكان في منطقة محددة ووجود التنافر الاجتماعي الذي قد يحدث بسبب الهجرة السريعة وتهديد الهوية الوطنية، وتهديد الأمن القومي الناتج عن الهجرة غير الشرعية أو الإرهاب.
وقد يكون الجواب في حلول يعتبرها كثيرون بعيدة المنال خصوصاً ان سبب الهجرة يعود الى عاملين سياسي وامني واقتصادي ليسوا دوما تحت السيطرة لكن هذا لا يمنع طرح البعض منها كإنشاء وزارة التخطيط والتكنولوجيا تضم اختصاصيين محليين ودوليين، تطوير التعليم، زيادة الاستثمارات التي تخلق فرص عمل للشباب، تكثيف الجهود والتواصل مع المغتربين واستعادة ثقتهم بالسياسة اللبنانية، تطبيق القوانين واحترام الانسان وحقوقه، ووضع السياسات الآيلة للنهوض بالموارد البشرية عامة في مجالات السكان، والعمالة، والبطالة، والصحة والتعليم... الخ.
السياسات الفاسدة في لبنان لم تكترث يوما الى هذا الخزان الاقتصادي الكبير، ولم تسعى ابدا الى أي مبارة قد تجعل من الأدمغة اللبنانية يثقون بسياسة بلدهم وتطلعات الساسة لانشاء شراكات عملية بين الأدمغة ورؤوس الأموال للنهوض في لبنان اقتصاديا واخراجه الى العالمية ويصبح اقتصاده منتجا وليس ريعيا، وكما ان تطبيق القوانين واحترام حقوق الانسان يضمن بقاء الأدمغة والمستثمرين في لبنان وكذلك تقديم المساعدات والقروض لهم ايضا لتطوير أفكارهم سيساهم كثيرا على تشجيع الفكر اللبناني للانتاج...وغيرهم الكثير من الخطط التي ستعيد الثقة للبنانين المغتربين والمقيمين للاستثمار وتحافظ على هذا الخزان الفكري الذي استفاد منه الغرب واصبح انتاج الفكر اللبناني سلعا يستهلكها اللبنانيون تحت تسميات الدول المضيفة.