نقد رواية الكاتبة د. صونيا الاشقر / بقلم د. هشام محفوظ



بين الحتمية الاجتماعية ورغبة التحرر: قراءة نقدية لرواية "أريد الطلاق" لصونيا الأشقربقلم: د. هشام محفوظ


تُمثل الرواية فضاءً دلاليًا مفتوحًا لإعادة التفكير في القيم المجتمعية السائدة، وخاصة فيما يتعلق بمسألة حرية المرأة في اتخاذ قراراتها المصيرية. إن رواية "أريد الطلاق" للكاتبة صونيا الأشقر لا تقتصر على تقديم حكاية ذات طابع فردي، بل تتجاوز ذلك إلى مساءلة البنى الاجتماعية والثقافية التي تفرض على المرأة خيارات محدودة بين الامتثال أو المواجهة.تحاول هذه الدراسة قراءة الرواية من خلال تحليل بنيتها السردية، وديناميكية الشخصيات، والتقنيات اللغوية والأسلوبية، مع التركيز على أبعادها الفلسفية والاجتماعية والنفسية، انطلاقًا من المفارقة الجوهرية بين فكرة "اللعبة" و"القدر"، حيث تتحول الحياة الزوجية إلى ساحة صراع بين الإرادة الفردية والقيود المفروضة على المرأة.
البنية السردية وديناميكية الشخصيات
سرد متشابك زمنيًا
تعتمد الرواية على بنية زمنية متداخلة، إذ تتنقل السردية بين الماضي والحاضر، فتُعيد البطلة – "ندى" – استحضار ذكريات الطفولة والمراحل المختلفة التي أوصلتها إلى اتخاذ قرار الطلاق.هذه التقنية السردية تخلق نوعًا من الحنين النوستالجي الممزوج بالألم والندم، حيث تشكل رموز الطفولة مثل "المنزل الطفولي" و*"الكرسي الساحر"* استعارات دالة على رغبتها في العودة إلى لحظة البراءة الأولى، في محاولة منها للهروب من قسوة الواقع.
التحولات النفسية للشخصية
ندى ليست شخصية نمطية تتخذ قرار الطلاق بسهولة، بل تخوض صراعًا داخليًا حادًا بين خوفها من الوحدة ورغبتها في التحرر.علاقتها بشخصيات الرواية مثل داني، وسامي، وليلى، والعائلة تعكس محاولاتها المستمرة للبحث عن الأمان النفسي، لكنها تدرك مع الوقت أن هذا الأمان لا يتحقق في ظل القيود الاجتماعية المفروضة عليها.تتحرك الرواية بين مشاعر الضعف والقوة، الحيرة واليقين، التردد والحسم، مما يجعل من ندى شخصية ديناميكية تعكس واقع المرأة العربية في صراعها من أجل تحقيق ذاتها.
المرأة بين العادات والتحديث
تُبرز الرواية صورة المرأة داخل مجتمع عربي يُقيدها بمنظومة أخلاقية واجتماعية تُعيق استقلالها، مما يجعل قرار الطلاق محفوفًا بالمخاطر.تعاني البطلة من رفض المجتمع لها كامرأة مطلقة، وتتعرض لضغوط عائلية تُحاول إعادتها إلى القالب التقليدي للمرأة الخاضعة.في هذا السياق، تطرح الرواية تساؤلات حول:
إلى أي مدى يمكن للمرأة كسر القيود المفروضة عليها؟
هل يُنظر إلى الطلاق كحق للمرأة، أم كوصمة اجتماعية تلاحقها؟
كيف تتجلى الازدواجية الثقافية بين حقوق المرأة المعلنة، والواقع الذي يُنكرها عليها؟
البنية اللغوية والأسلوب الفني
التكرار والتضاد
تعتمد الكاتبة على التكرار والتضاد لخلق إيقاع سردي يعكس حالة التأرجح بين:
الحزن والفرح،
الطفولة والنضج،
الحب والفقدان.

هذا الأسلوب يمنح النص طابعًا موسيقيًا داخليًا، يُحاكي الحيرة التي تعيشها البطلة.
التعدد الصوتي (الباختيني)
لا تقتصر الحوارية في الرواية على أصوات الشخصيات فقط، بل تمتد إلى حوارٍ بين النصوص والقيم الاجتماعية.ندى ليست وحدها من تتحدث، بل هناك أصوات أخرى تتحكم في مصيرها، مثل:
صوت المجتمع،
صوت الذكريات،
صوت القيم المترسخة،
مما يخلق صراعًا داخليًا وخارجيًا يضاعف من تعقيد التجربة السردية.
الصورة البلاغية والرمزية
تمتلئ الرواية بالصور البلاغية والرمزية، التي تمنح السرد أبعادًا دلالية أعمق، مثل:
استخدام الطفولة كرمز للبراءة الضائعة.
المنزل الطفولي كرمز للهوية والانتماء.
المرايا كاستعارة للذات المتشظية
هذه الرموز تكشف عن تأزم العلاقة بين الماضي والحاضر، بين الحلم والواقع، وبين الأمل والخذلان.
دلالة العنوان "أريد الطلاق"
يأتي العنوان بصيغة مباشرة توحي بالحسم والوضوح، لكنه في الوقت نفسه يعكس مأزقًا نفسيًا واجتماعيًا."أريد الطلاق" ليس مجرد طلب قانوني، بل هو احتجاج وجودي ضد القهر المجتمعي، وسؤال مفتوح حول:
قدرة المرأة على تقرير مصيرها،
حدود الحرية في مجتمع يفرض عليها قيودًا غير مرئية،
التناقض بين القانون والواقع
العنوان يُشكل صرخة ضد سلطة اجتماعية تُحاول قولبة المرأة داخل أدوار محددة مسبقًا، مما يجعله عنوانًا إشكاليًا يعكس أزمة أعمق من مجرد قرار فردي بالطلاق.
الخاتمة: قراءة الرواية كوثيقة اجتماعية
رواية "أريد الطلاق" ليست مجرد نص أدبي، بل هي مرآة تعكس أزمة المرأة العربية في ظل تقاليد تُكبلها وتضعها أمام خيارين كلاهما مر:إما البقاء في زواج خانق،أو مواجهة مجتمع لا يتقبل حريتها بسهولة.
تبرز الرواية كيف أن قرار الطلاق لا يُمثل مجرد موقف شخصي، بل هو فعل مقاومة ضد منظومة اجتماعية تُحاول تقييد المرأة، حتى عندما تُقرر الانفصال عن زواج غير مُرضٍ.
بعبارة أخيرة: تُشكل رواية "أريد الطلاق" للكاتبة صونيا الأشقر نموذجًا للأدب الذي يتجاوز حدود السرد التقليدي، ليصبح نصًا إشكاليًا يطرح تساؤلات جوهرية حول حرية المرأة، والقيود الاجتماعية، وإشكالية الاختيار في عالم يُمارس الوصاية عليها.في النهاية، ندى ليست مجرد شخصية روائية، بل هي صوت لكل امرأة تبحث عن ذاتها وسط معادلات مجتمعية غير عادلة