لينا صياغة
بثّت مزامير داوود أجمل الألحان ، أطربت العصافير فشدت مزقزقةً فرحةً مغتبطة فإذا بالصيّادين يردّونها قتيلة .
تلقّتها الزّهرات ، سكرت على أغصانها فتراقصت وأرسلت عبيرها في الأرجاء ممتنّة فإذا ببعضهم يدوسها وآخر يقصف سيقانها وآخر يتركها عطشة فتذبل و تموت .. قلّة من الناس انتبهوا لجمالها واهتموا بها وحموها .
أما الأشجار كانت تتعانق مع السّماء تهمس للنّسمات بأن تزيدها من تلك الألحان لتتغلغل بين أوراقها باعثةً فيها التّجدد لذرّاتها ، والإصرار لمواجهة الطّقس ومتغيراته، وبكلّ بساطةٍ يأتي أحدهم وينهي حياتها كأنّها لم تكن يوماً .
أما من بُشِّرَ من البَشر بتلك النّغمات توسّعت آفاقه وكبرت أحلامه فراح ساعياً للأعمال الصّالحة وبناء مستقبلٍ واعد لكنّ أحلامه تلاشت في وطنٍ لا وطن فيه ، وبقي سائلا ً كيف أصنع قدري؟ أين أجد الرّاحة ؟ أين أحقّق طموحاتي ؟ من يلمّ بقدراتي ؟ …ثم تتّجه أنظاره خارج هذا الوطن لاهثاً لتحقيق ذاته.
أما الصّبية التي نمت خلاياها على تلك النّغمات السّاحرة ، كرسّت حياتها في سبيل العطاء ونشر الوعي فيه ولكلّ مُريدٍ كما عملت دون كللٍ منذ نعومة أظافرها لخلق فرص عملٍ ومساندة المرأة في مجتمع همّش دورها ووجودها ولتحسّن الوضع الأسري والاجتماعي لبنات جنسها ، فإذا بها تُحارب من قبل كلّ جاهلٍ حسداً وغيرةً منها .
هكذا يُكرّم الشّرفاء ، هكذا يُردُّ المعروف ؟ لقد انطبق القول الشّائع : (يا من تعمل المعروف لغير أهله)
لهذا ترزح أوطاننا تحت عبودية الجهل والظّلم لأنّنا نقتل كلّ جميل ، ونسقط من في العُلا ونرفع من في الدُنى . نعم يا داوود اعتذر منك باسمهم لأنّ آذانهم صمّت عن نغمات مزاميرك التي تبعث التّجديد في عروق العارفين ، و سهواً عن حقيقة النّغمة بأنها نعمة .