الدرزية هي مجموع ثلاثة قيم أساسية: عقيدة روحية، وجماعة وتقاليد. العقيدة الروحية هي التوحيد والجماعة هم الموحّدون الذين يمارسون هذه العقيدة. ولا يمكن لهذه العقيدة أن تدرّس خارج الجماعة لأنها على حد سواء، الجماعة والعقيدة متّحدان منذ البداية.
والإيمان الدرزي كعقيدة روحية لها أصولها في الإسلام الفلسفي الباطني : " قل هو الله احد ". في الصوفية الإسلامية. والمعتقد التوحيدي الدرزي واحد من الطوائف الإسلامية الخمسة الاساسية : السنيّة والشيعيّة والاسماعيليّة والعلويّة والدرزية. وكجماعة، هي جزء من المجتمع العربي الكبير. والدرزية هي هذا الإتّحاد بين النظام الروحي والجماعة التي تطبّقه. ومن هذه الثنائية ، العقيدة – الجماعة، ولدت التقاليد الدرزية، منطلقة من عقيدة التوحيد ومنسوجة من الأحداث التاريخية والسياسية والإجتماعية والثقافية، التي عاشتها هذه الجماعة منذ البداية الى يومنا هذا. فالدرزية اذا هي النتيجة لتلك الوحدة المتفاعلة بين النظام الروحي والجماعة والتقليد. هذا الترافق يقوم على علاقة متبادلة للجماعة المتّحدة مع القيم التي تعيّن هويتها وتميّزها، بطريقة عيشها للحاضر وتبصُّرِها للمستقبل. بعض هذه القيم هي: العائلة، الأخلاق، التضامن، الكرم، الشجاعة والوطنية. ومجموع هذه القيم وغيرها يشكّل العرف الدرزي أو الدرزية.
العائلة هي الأساس الذي يبني عليها الدرزي حياته ومستقبله. والدرزي لا يتخلى عن أولاده أو المسنين. والعائلة بالنسبة له هي شرفه وقوّته. وبالنسبة للدرزي فهذا الأمر يتعدى العائلة القريبة (الأسرة). فالعمّات والاعمام والخالات والأخوال وأبناء العمّ والخال هم ايضا جزء من قلب العائلة، يستشارون ويشاركون، ويعطون ويتقبّلون المساعدة والدعم والمسؤلية. فمفهوم العائلة يصل الى أبناء العم والخال من الدرجة الثانية والثالثة ويضمّ جميع الّذين يحملون اسمها. وعندما يُسأل أحدهم الى أية عائلة ينتمي ، فهو يؤكد هويته بالإسم الأخير للعائلة الأساس. وطائفة الدروز كأخوّة هي أيضاً عائلة كبرى واحدة. فالدروز لم يمارسوا الزواج المختلط مع باقي الأعراق لألفيّة مضت. فأصبحوا عائلة كبيرة واحدة. "فمن هو ليس قريبي فهو قريب قريبي." هذا هو التعبير الصحيح الذي يتكرر باستمرار في هذه الجماعة.
يواكب الدرزي روابط عائلته بالأخلاق والمناقبية. تعدّد الزوجات لا وجود له في طائفة الدروز وبالرغم من شرعية الطلاق فممنوع عليهم الزواج من أكثر من امرأة في آن واحد ، أو أن يكون لهم علاقات عاطفية خارج الحياة الزوجية. فظاهرة الإبن اللاشرعي لا وجود لها في هذه الجماعة، وهذا المصطلح معروف من الدروز الذين يسافرون الى الدول الغربيّة. فالإخلاص والإحترام هما مصدرا وحدة العائلة. ولا يوجد أسرار شخصية في العائلة الدرزية. فكل ما يعرفه الرجل تعرفه زوجته أيضاً، والعكس صحيح. إنَّ المؤمن، وبصورة خاصة المتديِّن، يتبرّأ من الكذب والغش لأنهما يتعارضان مع مفهوم صدق اللسان، الفريضة الروحية الأولى والاهمّ في الإيمان الدرزي. والواقع أنّ الدرزي ينشأ في وسط غنيّ بالتضامن، والحماية ، والإستقرار، والثقة, مما يعكس النيّة ببناء شخصية من دون عقد، سهلة التكيّف، ومتعاونة وكريمة ومخلصة.
الدرزية هي وحدة و تضامن , فرديا كان او جماعي. والدرزي قادر على الشعور بأنه مصاحب، ومدعوم، وآمن وموثوق به داخل أي من الجماعات الدرزية في بقاع الأقاليم المختلفة. فالتضامن (حفظ الأخوان) كمسلك اجتماعي, هي ثاني اهم فريضة روحية للدروز. والتضامن أيضا هو جزء من حياتنا العامّة . والجماعة الدرزية في أي مكان اومنطقة تتلقى عند الضرورة, المساعدات غير المشروطة من جماعاتها في اماكن اخرى. فعندما هوجم دروز سوريا من قبل الأمبراطورية العثمانية والإستعمار الفرنسي، تلقّوا الدعم من دروز لبنان. وعندما جابه دروز لبنان هؤلاء وغيرهم من المعتدين في أوقات مختلفة، كانوا بواسل دروز سوريا يقفون الى جانب أخوانهم في لبنان. وفي الحرب العالمية الأولى، عندما عانى لبنان من أطول وأقسى نقص في الغذاء (المجاعة) في تاريخه، شكّل دروز سوريا القوافل، وقطعوا السهول، وتسلقوا الجبال وجازفوا بحياتهم لنقل القمح والمواد الغذائية الأخرى لأخوانهم في لبنان. والزائرون الكثر الذين قدموا الى جبال الدروز تأثروا بهذا التنظيم الإجتماعي الذي بالرغم من انّه لا تظهر عليه ملامح الثراء يحمي ويعيل الأيتام والأرامل والمعوقين والعجزة، ولا يوجد متسولين في جماعة الدروز. والتضامن الدرزي يمكن رؤيته على الأصعدة الإجتماعية والإنسانية، لكن الدروز فخورون أيضاً بتضامنهم الوطني.
وطنية الدروزمعروفة جيّدا والتاريخ هو الشاهد عليها. والتزام الدروز بالقضايا الوطنية للمجتمعات الصديقة يعتبر سندا تاريخيّا. لم يقبل الدروز يوما أي نقاش او مفاوضات على حساب حرّيتهم، واستقلالهم، وهويتهم العربية او حقهم في الدفاع عن عاداتهم وتقاليدهم مهما كان حجم العدو. لقد قاتلوا الصليبيين لمئتي سنة لمنع الإستعمار الأوروبي من وضع يده على الأمة العربية. وناضلوا لثلاثمئة سنة ضد الإستعمار التركي العثماني كي يحفظوا حريتهم واستقلالهم. وقاتلوا ضد الإستعمار الفرنسي خلال العقود الأولى للقرن الماضي في سبيل حرية واستقلال كلّ البقاع العربية. والمقاتلون الدروز تطوّعوا في الجيش العربي في الحرب الفلسطينية عام 1948. وكان الدروز أول من دعم الثورة العربية الهاشمية لطرد الأتراك بعد أربعة قرون من الإحتلال. والثورة السورية الكبرى وسلطان باشا الأطرش على رأسها أربكت الجيش الفرنسي الإستعماري وهزمته عسكرياً وحطمت معناوياته باعتراف قادته الكبار.
وكرَّس سلطان نضاله لتحرير الأرض وتوحيد العالم العربي في أمة واحدة. وكان الدروز أشد المدافعين حماسة لثورة القائد العربي العظيم جمال عبد الناصر ومشروعه القومي لتحرير العالم العربي من النفوذ الإمبريالي الغربي وتوحيده في أمة واحدة وإعادة حقوق الشعب الفلسطيني في الأرض المغتصبة من قبل الصهيونية اليهودية،. وفي كانون اول من عام 1958 ايّد الوحدة بين مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة، المحاولة الأولى لوحدة العرب في الأزمنة الحديثة. والدروز في مرتفعات الجولان، الأرض السورية المغتصبة من قبل إسرائيل، واجهوا ضمَّ هذه المنطقة, وعندما فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، رُفِضَت وأُحْرِقَت الوثائق أمام العدو، وتمسكوا بولائهم للهوية العربية السورية. والأقلية الدرزية في فلسطين، الواعية لتاريخها ولحضارتها العربية والمدعومة من القائد الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، تقاوم التهديد الإسرائيلي المستمرّ الرّامي الى فصلها عن بيئتها وثقافتها العربية. والدروز في لبنان، تحت قيادة الشهيد كمال حنبلاط وابنه ووريثه وليد جنبلاط اضطرّوا لمقاومة وقتال، بين عام 1974 و 1991، المؤامرة الدولية التي كانت مدعومة من الأحزاب الداخلية الرجعية لفصل لبنان عن محيطه العربي وتقسيمه الى دويلات صغيرة بهدف إنهاء الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. كان كمال جنبلاط مؤسس وقائد الجبهة الوطنية اللبنانية وقد اغتيل بقصد تصفية المقاومة اللبنانية كما والفلسطينية المدعومة من الجبهة الوطنية. والمعلم كمال جنبلاط يعتبر شهيد القضية الفلسطينية وقضايا كل الشعوب التي تناضل في سبيل الحرية والإستقلال. وحديثاً دعم دروز لبنان بشكل ساحق القائد وليد جنبلاط في انطلاقته لإعادة بناء الوحدة الداخلية اللبنانية التي دمّرتها سبعة عشر عاماً من الحرب الأهلية. ووليد جنبلاط، ببادرة وطنية ووحدوية عظيمة الدلالة، مدَّ يده للذين كانوا، قبل وقت قصير، أعداءه، وذلك كي يضع نهاية لتاريخ من المجابهات التي بدأت منذ مئة وخمسين عاما.
تاريخ الدروز في الحرب او السلم هو سلسلة من النضالات للإرتقاء بالعروبة. ومع أنَّ هذه المواضيع تنتمي الى التاريخ السياسي للدروز والمنطقة، فعلينا هنا التأكيد بأن مشاركة الجماعات الدرزية في هذه الأحداث كانت، في معظم الحالات، حاسمة نظراً لجهوزيتهم العالية في القتال والحس الوطني الرفيع وروح التفاني التي يتسم بها الدروز.
وطنية الدروز وتضامنهم يظهران أيضاً في السلم وفي النضال السياسي والإجتماعي. لقد شكّل الدروز جزءاً من أكثرية الأحزاب والحركات السياسية الوطنية والوحدوية والتقدمية. ويعتبر الدروز بمثابة أقلية عسكرية والمجموعة الاكثر تسيّسا بالمنطقة . فهم أول من يندمج في الحركات السياسية وينقلون اليها حماسهم الوطني وعزمهم النضالي ليصبحوا موجّهوها وقادتها .
كرم الدروز وضيافتهم معترف بهما من القريب والبعيد ومن كلّ من عايشهم في السرّاء والضرّاء كما وفي الحرب او السلم . والدرزي لا يضع حدوداً لكرمه. لقد قال أحد الكتّاب الأوروبيين اللذين عرفوا الجماعة عن كثب: "إنَّ كرم الدروز يتخطّى مظاهر اللطافة لأنه يمارس بالأعمال وليس بالكلام فقط." . وبلدات الدروز لا تحوي عموماً على فنادق ولكن الضيف يستطيع دائماً أن يجد الحفاوة والضيافة في موطن الدروز. وفي سوريا توجد في بلدات الدروز بيوت للضيوف تسمّى المضافة في متناول الزائر، وتموَّل بواسطة الجماعة أو بواسطة أشخاص ميسورين. والضيف لا يشعر فقط بأنه معتنى به جيداً في المضافة، لكنّه أيضاً يشعر بالترحيب والمصاحبة من ألاهالي . وهناك امثولة تقول عن العرف الدرزي:
(يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت ربُّ المنزل)
الشجاعة والبطولة عند الدروز معترف بها من قبل أصدقائهم ومن قبل الذين، في وقت ما، كانوا أعداءهم. فمحبتهم للحرية والإستقلال، والتقيُّد بعقيدتهم الروحية وأعرافهم وتقاليدهم, ووطنيتهم وحسّهم التضامني الراسخ في شخصيتهم , كل هذه الصفات جعلت من الدروز "الأقلية المقاتلة" في الشرق الأوسط. لقد تحدّى الدروز قوات عالمية كالإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر حتى هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. ثم الإستعمار الفرنسي بآلته العسكرية الهائلة، ولم تتمكّن ايّا من هاتين القوتين من اخضاعهم او السيطرة عليهم لا في الجبل الدرزي السوري ولا في الجبل الدرزي اللبناني. وفي إحدى المعارك عام 1925 ، وبينما كانوا مسلحين بالسيوف وباسلحة بدائية تحت قيادة البطل العربي الدرزي سلطان باشا الأطرش أبادوا كتيبة للجيش الفرنسي المجهَّز في ذلك العصر بأحدث الأسلحة، بما فيها الدبابات والطائرات المقاتلة وعشرة الآف جندي مدرَّب في الحرب العالمية الأولى التي كانت قد انتهت حديثاً بالرغم من ان ابطال الجبل الثائر لم يتجاوزوا الفي مقاتل. هذه هي المعركة -الاسطورة معركة المزرعة المعترف بها في سجلات التاريخ بأنها أعظم معركة بطولية للتحرير تخاض من قبل أي شعب وبأي زمن. الدروز كانوا الأوائل في مواجهة الصليبيين، تلك الجيوش الأوروبية التي غزت العالم العربي في القرن الحادي عشر تحت ذريعة حماية الأمكنة الدينية في الأرض المقدّسة، لكن النية الحقيقية كانت السيطرة والاستعمار لمنطقة غنية واستراتيجية. هذه المجابهة الأولى كانت باسم العروبة والإسلام ووضعت النموذج لكل النضالات التي تلت والتي لم تتوقف منذ ذلك الحين
تاريخ الدروز ممتلئ بالأحداث الرائعة التي هي مفخرة للأجيال الحاضرة والآتية لأن في كل بلدة وفي كل شجرة نسب عائلية هنالك أبطال وشهداء بأساطيرهم وذكرياتهم. افتخار الدروز بابطالهم لا ينتهي عند الشجاعة والتفاني بل يتعداها الى الأخلاق والمناقبية المطبوعة أيضاً في معاركهم. فالدرزي لا يلتفّ ضد الأطفال، والنساء، والعجزة لأعدائه، وفي حالات عديدة يقدم لهم الإسعاف والحماية. ويقول المؤرخ الأميركي روبرت برنتون بتز (Robert Brenton Betts) مدير مركز البحوث الأميركي في مصر في كتابه "الدروز": "وراء هكذا مظهر خارجي للضيافة المفهوم العربي الأصيل للمروءة، ذلك المبدأ الهادي للشهامة وفضيلة الفروسية، والحسّ بالشرف التي تحكم السلوك الدرزي." ويضيف أنه: "...أن تكون درزياً هو أن تكون الوريث لألف سنة من التاريخ المشرِّف، ولتقليد مرفوض فيه أن تستسلم تحت الضغط الخارجي للأزمنة المتغيّرة."
هذه القيم التي ميَّزتهم أعطت الدروز لقب (بنو معروف) الشعب الشهم والودود. والدرزية بهذا المعنى تمثل القيم العربية الأصيلة، التي صقلها الدروز عبر التاريخ، وعظّمت بالعقيدة الروحية للتوحيد، ومُجِّدَت بالتاريخ المتألق المعروف لدى الجميع .
رياض حسن
فنزويلا