كيف تزرع مبادئ الحياة الفاضلة في روح الإنسان؟


 د. لور عبد الخالق الأعور

  لا شكّ أننا في حاجة ماسّة لها، لأنّها تعتبر الأساس في بناء المجتمعات، إنّها إكسير الحياة، هي التي تقوم عليها قراراتنا وأفعالنا، وتساعدنا في تحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ، وما هو مقبول وما هو غير مقبول. أقصد القيم! فما هي القيم وما أهميتها بالنسبة إلى الفرد والمجتمع؟ وكيف نظر الفلاسفة إليها؟

  هي تلك المبادئ أو المعايير التي توجّه سلوك الأفراد والمجتمعات، لأنها أساسٌ ضروريٌ لتحقيق الحياة، أقصد الحياة الفاضلة والسّعيدة، وذلك لا يتحقّق إلا حين يصبح الفرد واعيًا قادرًا على وضع قوانين وأنظمة يتبعها بعيدًا عن كلّ المغريات الحياتية وبعيدًا عمّا تفرضه أحيانًا المواقف. 

ولو عدنا إلى العصور القديمة لرأينا كم تغنّى الشعراء والأدباء بالقيم، ففي العصر الجاهلي كانت القيم تعتمد بشكل كبير على النّاحية الاجتماعية والأخلاقية وقد تمّ تبنّيها من قبل المجتمعات البدوية  واشتملت على العدل والإنصاف وإن كان ضمن الوحدة القبليّة، الصدق والوفاء، الشجاعة والكرم، العفاف والتقوى، الحبّ والاحترام.

 أما في العصر الإسلامي، فكانت القيم تشكل الأساس الأخلاقي والروحي للمجتمع، وتمّ التركيز على الاخلاق الحميدة والمحبة والتسامح والعدل والإنسانية وتجلّت بشكل واضح في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتركّزت القيم في العصر الأموي حول العدالة، الأخلاق، والتّقوى، ومن خلال تعزيز القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية في المجتمع تعزّزت العدالة والمساواة بين الناس.

 والقيم في العصر العباسي تركّزت على العلم والمعرفة في ظل الإزدهار العلمي والثقافي الكبير الذي حصل آنذاك. فكان العلماء والفلاسفة يتبادلون الأفكار ويبحثون عن المعرفة، ولو بحثنا عن القيم في عصر النهضة لوجدنا اهتمامًا كبيرًا بالإنسانية والتطور الفكري ما أثّر على القيم الاجتماعية والثقافية، وكانت القيم الأساسية تتمثل بالحرية الفكرية، والتطور الثقافي، والاهتمام بالإنسانية.

  لقد رأى بعض الفلاسفة كسقراط  أن القيم الحقيقية لا تأتي من خارج الإنسان بل من داخله، وأنّه على الإنسان كي يصل إلى المعرفة الحقيقية  يجب أن يقوم باستجواب النفس والتفكير العميق. فكان يقول " إعرف نفسك" وذلك كي يشجع النّاس للبحث عن القيم الداخلية.

  أمّا "أفلاطون" فقد رأى أن القيم مرتبطة بالعالم المثالي للأفكار، وحسب وجهة نظره، القيم مثل الحقّ والعدل والجمال، لا توجد إلّا في عالم الأفكار المثالي، وأنّه على الإنسان أن يسعى للوصول إلى هذا العالم من خلال التفكير الفلسفي.

  و"أرسطو" يرى أنّ القيم تأتي من التّجارب الإنسانيّة والممارسات اليومية ، وأكّد على أهمية الفضائل الأخلاقية كالشّجاعة والعدل والحكمة، وأن تحقيق السّعادة يتمّ من خلال العيش في توازن وتناغم مع هذه القيم.

  وعن رأي الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" حول القيم فهو يعتقد أن القيم الأخلاقية تعتمد وتقوم على الواجب والنيّة الجيدة وليس على النتائج، ويرى "كانط " أن القيم تتأسّس على الواجب الأخلاقي أي التصرف وفقًا لمبادئ يمكن تعميمها على المجتمع.

كذلك اعتبر الفلسوف الإنكليزي "جون ستيوارت" أنّ القيم تقاس بمدى الفائدة التي تحققها القيام، أي فكرة النفعيّة، وقال أن الفعل الجيّد هو الذي يحقّق أكبر قدر من السّعادة لأكبر قدر من النّاس.

   والأكيد أنّ القيم تتجلّى في تشكيل السّلوك الفردي والاجتماعي، وتوجيه الأفراد لاتخاذ قرارات صحيحة، وتعزيز التّماسك الاجتماعي والاحترام المتبادل، والعدل والإنصاف، والأخوّة والتّعاون، والاحترام والتقدير للنفس والآخرين مهما كان الآخر قريبًا أو بعيدًا، والصّدق والنّزاهة.

 ويعتبر "صدق اللسان" من القيم المركزية في الفلسفة والأخلاق، حيث يُعبر عن النزاهة والشجاعة الأخلاقية في قول الحقيقة، وهو أساس الثقة بين الأفراد. وبحسب "كانط" أنّ الصدق ضروري لأن الكذب يقوّض الثقة الأساسية التي تعتمد عليها العلاقات الإنسانية. ويضيف "ابن مسكويه" الفيلسوف الإسلامي، أنّ الصّدق يعبّر عن تطابق الأقوال مع الأفعال، مما يعزّز من صفاء الرّوح ويجعل الفرد مصدرًا للثقة.

لذا، فإن صدق اللسان يعدّ من أعلى القيم لأنه يُؤسّس للثقة والعدالة، ويشجّع على بناء علاقات إنسانيّة صادقة ومتينة.

    وتظل القيم حجر الأساس لأي مجتمع يسعى لتحقيق العدل والسّلام والتّناغم.