هيسم جادو أبو سعيد 23 - 2 - 2022
صدر كتاب "فنون… وخواطر أدبية" للأستاذ محمد طربيه عن دار اسكندرون عام 2011م. يتميز الكتاب بتنوع المواضيع المطروحة فيه تبعاً لتنوع الأجناس الأدبية التي تناولها، من الشعر إلى السيرة الذاتية مروراً بالرواية والمسرحية والمقالة، وصولاً إلى النقد الأدبي، مستمدّاً هذا التنوع من عنوان الكتاب الذي اختاره كاتبه – كما يبدو – لاحقاً لكتابة المواضيع المتناوَلة فيه، كونها كُتِبت بشكل متفرق ثم تمّ جمعها لتؤلف كتاباً، فجاء العنوان واسعاً ليشمل المواضيع المطروحة فيه.
وقد يكون هذا التنوع في المواضيع المطروحة، والتي يحتاج كلّ منها إلى دراسات مطوَّلة لإيفائه حقه، إضافة إلى كون بعض هذه الدراسات قد أُعِدت للمشاركة في مسابقة ما كما ينوّه الكاتب عند بعضها، سببين في الاختصار والتبسيط الذي نال هذه المواضيع، وجعل من الكتاب، كما أشار كاتبه، ذا طبيعة مدرسية أو تعليمية.
وهذا، بالتأكيد، ليس جانباً سلبياً ما دام المؤلف متيقظاً لهذا الأمر ومتعمداً له. فليس من الضروري أن يكون كل كتابٍ مطروحٍ للقراءة أكاديمياً وموجّهاً إلى مختصين في فرعه، لأن بعض القرّاء يرغبون في الاطلاع على موضوع ما لا علاقة له باختصاصهم، فيجدون في مثل هذا الكتاب المتنوِّع والمبسَّط متّسعاً يقرّبهم من موضوعه بدلاً من أن يصدّهم عنه وينفرهم منه بتعقيد مصطلحاته والجوانب الغامضة التي يتناولها دون توضيح، على اعتبار أن القارئ على دراية بها.
وربما كان هذا التنوع والتبسيط هو ما دفع الكاتب إلى تحقيق ميزة إضافية للكتاب، من خلال عرضه للمصطلحات المتعلقة بكل موضوع وشرحها وتوضيحها، مثل مقدمات منهجية في "جماليات القصيدة العربية"، وتوضيح معنى الرواية العربية والنزعة الإنسانية في "الرواية بين التقليدية والحداثة"، وتعريف المسرحية وعناصرها والتمييز بين المسرح الدرامي والمسرح الملحمي في "المسرحية في الأدبين الغربي والعربي"، أو من خلال تمييز المصطلحات من ما سواها من المصطلحات قريبة الدلالة والمعنى، كالتمييز بين الأدب وبين ما سواه من أصناف الكلام، وبين الشعر والنثر في "تداخل الأجناس الأدبية في الشعر السوري"، والتمييز بين عدد من أشكال الكتابة الشبيهة بأدب المذكّرات والسيرة الذاتية، والتمييز بين القصة والرواية وبين الجديد والحديث، وفي تمييز المقالة من غيرها كالخاطرة والبحث…
وانطلاقاً من هذه الرغبة في التبسيط والتوضيح، يكتفي الكاتب بعرض الأفكار دون مناقشتها أو معارضتها، ودون أن يقحم رأيه المتّفق أو المختلف مع كون نوع جديد من الكتابة مثلاً هو جنس أدبي جديد ومستقل، كالقصة القصيرة جداً أو قصيدة النثر، إلا إذا اعتبرنا قوله:
"فما هي الحدود الفاصلة بين هذه الأجناس أو الفنون الأدبية؟
وماندري ما يخبئه لنا المستقبل القريب أو البعيد من ولادة مسميات وأسماء أدبية جديدة، وما ستتمخض عنه قرائح الأدباء والشعراء والمنظّرين الأدبيين من أشكال أدبية مستحدثة وطريفة."
ص10-11 أقول: إلا إذا اعتبرنا مثل هذا القول استنكاراً لظهور مثل هذه الأجناس.
ومما يثير التساؤل في موضوع "جماليات القصيدة العربية ص17: إذا كان الكاتب يرجّح استعمال كلمة (مواصفة) بدل (جمالية)، كون هدفه كما أشار دراسة الصفات التي تجعل الجميل جميلاً، وليس البحث في ماهية الجمال، فما الذي منعه من استخدام هذا العنوان، وهو صاحب الموضوع والخيار في اختيار مصطلحاته، ليضطر في أكثر من موقع إلى وضع كلمة (مواصفات) بين قوسين بعد ورود كلمة "جماليات"؟! ولا أخفي اختلافي في الرأي مع الكاتب حول غياب النزعة الإنسانية عن الرواية العربية، وإن كان الأمر على الأغلب يتعلق باختلاف فهم المصطلح وأسلوب معالجته.
فالأزمات الخاصة بالوطن العربي والمتمثلة على حد قول الكاتب "بالاستعمار والفقر والتخلف والاستبداد والقمع والجهل وغياب الديمقراطية والتفاوت الاجتماعي وسيطرة المفاهيم الغيبية وأحلام الوحدة العربية والنضال القومي العربي وتحرر المرأة اجتماعياً واقتصادياً وضياع الأجيال وتمزقها الفكري والنفسي بين التراث والحداثة والانتماء… إلخ"
ص99 يمكن معالجتها من قِبَل الروائيين معالجة إنسانية تخرج بها من حدودها المكانية والزمانية الخاصة، فليس من الضروري، حسبما أرى، كي تكون الرواية إنسانية أن تغيب عنها القضايا المحلية أو المسميات المحلية مثل فلسطين وسورية في المثالين اللذين طرحهما الكاتب حول الأدباء الفلسطينيين وروايات حنا مينا.
ومما يؤخذ على الكتاب عدم التوثيق للاقتباسات والأفكار المنقولة في مواضع كثيرة، مثل شعر السياب ص19-21-30، وشعر بشار بن برد وأحمد عبد المعطي حجازي ص27، وشعر أدونيس ص31، وقول جبرا إبراهيم جبرا حول وجهي الحداثة وشعر صلاح عبد الصبور ص34، وشعر شوقي بغدادي 41، وعدم ذكر المراجع التي أخذ منها نماذج المقالات الذاتية والموضوعية والتي تمتزج فيها الذات بالموضوع، إضافة إلى عدم وضع قائمة للمراجع في نهاية الكتاب.