ليلى فتاة جميلة في ريعان شبابها ، مبتهجة يافعة تمشي على رؤوس أصابع رجليها وتتنقل كالفراشة من زهرة الى أخرى ، غير آبهة بأي خطر يمكن أن تصادفه .
و فوزي شاب أسمر لوحت الشمس وجنتيه مع عيون كالصقر حين ينظر . عندما غزا الحب قلبه كان في الثامنة عشر ربيعاً يتسرّق خطاه بين ربوع أراضيه علّه يرى فراشته بين الأزهار .
توالت الأيام بهيجة والليالي حالمة الى أن التهب الفؤاد شوقاً ووجداً ، فوعدها أن يتقدم لخطبتها وإعلان حبهما للملأ ، كان ذلك طبيعياً في زمن الزواج في سن مبكرة ، و فوزي لا يترك فرصة إلا ويهمس لليلى بباقة من الكلام الحالم الذي يؤجج مشاعرها ويذيبها في عالم ساحر تجهله ، وكان الأهل يعلمون أسرار القلوب وما تخفيه من نبض ووهج .
لاحظ الجيران تردد فوزي الى منزل ليلى ، و ظنوا أنه خطبها رسمياً ، ودفع الفضول أحدهم الى سؤال الأم " الدرويشة ": " مبروك! متى تمت الخطبة ؟ فوزي يزوركم يومياً ، وعقبال الفرحة الكبيرة ." وقع هذا الخبر كالصاعقة على رأس الأم التي لم يدر بخلدها لحظة أن حجارة مملكتها السعيدة يمكن أن تُخبئ أسراراً عنها ، و انتابتها وساوس و هواجس لأن ابنتها لم تخبرها بأن فوزي قد زارها في غيابهم و انشغالهم في أرضهم .
و عندما سألتها :" كيف دخل هذا الشاب دارنا في غيابنا ؟". احمرت وجنتاها واغرورقت عيناها ثم قالت :"لا أعلم كيف عرف انني بمفردي في المنزل ، لم استطع أن اقاومه و اتخلّص منه عندما قال لي : " بأنه يحبني وأنه سيتقدم لخطبتي و يريد الزواج بي ، وأنا كنت أبادله المشاعر نفسها ولا أعارضه بشيء." . راحت الأم تلطم خديها ، و تندب حظّها و حظ ابنتها ، ثم أخبرت الوالد . وقد كان هذا الوالد رجلاً عصامياً يكسب رزقه بكده و عرق جبينه و كان ميسور الحال يملك مساحات واسعة من الأراضي و معروف عنه بأنه ذو فطنة و فكاهة و يحب الناس ، كريم، طيب القلب و شجاع لا يهاب شيئاً ، كان مقصداً يساعد المحتاجين وينصر المظلومين ويبعث الراحة و الطمأنينة في نفس من يراه و يحادثه ، و لا تفارق البسمة وجهه ، و كانت ليلى ابنته الكبرى و مدللته .
قصد هذا الرجل ذو القلب الكبير بيت الشاب ليحمي بذور الحب من الغدر والتطفل و يسقيها من نبع الوعي و التفاهم ليضمن مستقبلاً أفضل لإبنته ....
لكنه ...... عاد مثقلاً بما لا يستطيع حمله ، متفاجئاً من شراسة بشر لم يعرفها يوماً ، كانت دموعه تنهمر بفعلٍ لا إرادي ، و يتعثّر عند كل خطوة و كأنه طفل يمشي لأول مرة . يسير على غير هدى ولا يعرف نهاية الطريق . غابت بسمته منذ ذلك اليوم و دخل نفقاً مجهولاً.
يتبع في الأسبوع القادم
لينا صياغة - 27-2-2021