الكاتبة لينا صياغة
أثناء رحلة سفر جلست السيدة نوف بجواري تعارفنا وتحادثنا ، وفي سياق الحديث عندما علمت بأنني كاتبة طلبت مني تدوين قصتها التي أثرت فيّ بدورها وها أنا انقلها لكم كما وعدتها .
ترعرعت نوف في بيت ملؤه المحبة والإحترام شاركتها هذه النعمة شقيقتها رلا وأخوها ريان . كان جمال نوف و براءتها ملفت وما زالت ملامحها تخبر بذلك ، تعلق بها رامي إبن الجيران وراح يلاحقها ليوقعها بشباكه بادلته نفس المشاعر ، فكانت نظراته تبعث الدفء والغبطة معا في قلبها ليخفق وينبض في ضلوعها معلناً إستقبال تلك الموجات من عينيه لتصب في كيانها، تزوجت منه بعد فترة وكان حلم السعادة يحيط ببيتهما كعصفورين لا يتعبان من الزغردة والطيران ، مضت الأيام والسنون وبدأت التدخلات العائلية المحيطة تهدد هذا السلام بالزنّ والإلحاح على مسامعه بضرورة الإنجاب، بدأ الفتور بين الزوجين ولم تكتمل فرحة إم رامي الاّ بطلاقهما وتزويجه إحدى البنات من معارفها.
هكذا انتهت قصة الحب الذي ظنت نوف أنه لا ينتهي ، وكان ألمها مضاعفاً كونها شاهدة على خيبة أملها الذي ظنته يوماً سنداً .
أين ستذهب لتتجنب سماع ضحكات ونظرات زوجته التي كانت تتقصد فعلها لتغيضها ورامي يرمقها ليشعرها بفوزه كونه أصبح أباً بعد فترة وجيزة ؟، لم تستسلم نوف لدموعها قررت متابعة دراستها والعمل بعيداً عن تلك الذكريات، مرت الأيام مسرعة ونوف تسير ثابتة الخطوات تقدم لخطبتها شبان عديدين لكنها كانت ترفض خوفا من خيبة أخرى ، لكن القدر كان يخبئ أحداثاً لم تكن بالحسبان ، عملت نوف كمحاسبة في بنك لفتت نظر أحد العملاء فراح يتودّد لها ويفصح عن إعجابه بها ثم طلبها لتكون شريكة عمره ، كانت نوف واضحة لأقصى الحدود معه و قالت له بأنها تطلقت بسبب عدم إستطاعتها الإنجاب، فرد عليها : لا يهمني هذا الأمر يهمني شريكة عمر أنعم بجوارها و بصداقتها و بإهتمامها والأطفال لا يحددون العلاقة بالشريك والزواج الناجح ليس الغاية منه الأطفال إنما الإرتباط بالشريك المناسب الذي يشاركنا أفكارنا وتطلعاتنا وإهتماماتنا وحين نضع يدنا بيده نشعر بنبضاته ، كان ياسر شاباً وسيماً متعلماً متفهماً حنوناً، تعرف إلى أهلها وخطبها بعد أربع سنوات من طلاقها وكان هذا الخبر كالصاعقة على رامي الذي ظن بأنها ستبقى رهينة الأحزان و رهينة تخلفهم تزوجت نوف من ياسر و معه فتح باب عَطِر بأجواء الإحترام الذي وجدته في أفراد عائلته المثقفة والمحبة الواعية والحضن الدافئ وكانت المفاجأة الكبرى أن نوف أصبحت حاملاً بعد ثلاث سنوات رزقت بإبنتها ياسمين وبعد سنتين رزقت بماغي وماهر . أمّا عبرة رب العالمين حدثت أثناء زيارتها لبيت أهلها حين سمعوا صراخاً يصدر من بين الجيران الذي كان يحترق من جراء ماس كهربائي أودى بحياة ابناء رامي الإثنين و تشوه زوجته .
هكذا إنتهت قصة رامي.نظرت نوف الي والدموع تترقرق بعينيها و قالت لي :لقد أوجعني مصابهم ولم أتمنَ لهم يوماً سوءاً ، لكنني عرفت بقرارة نفسي أن دموعي التي ذرفتها في الخفاء هي التي أحرقتهم.والله سبحانه عوضني بزوج صالح وعائلة كريمة محبّة .وهذا جزاء المفتري ومن يعمل عملاً صالحاً يجزى به.