سهيل حاطوم
تعد قرية حزم في محافظة السويداء جنوبي سورية والواقعة على لحف منطقة اللجاة البازلتية واحدة من البلدات القديمة جداً التي تزخز بالأوابد الأثرية التي تحكي قصة حضارات تعاقبت على المنطقة منذ الألف الثالث قبل الميلاد وكانت آهلة بالسكان لعهود طويلة خاصة خلال العهود النبطية واليونانية والرومانية والبيزنطية والغسانية وصولاً للعهود العربية الإسلامية.
وترتفع حزم عن سطح البحر نحو690 متراً وتشتهر ببيوتها القديمة المزخرفة والمبنية من الحجارة الرومانية المتينة التي ما يزال الناس يقطنونها بالإضافة إلى الأوابد الأثرية المنتشرة في كل أرجاء القرية من أبواب حجرية ضخمة وأقنية لجر المياه من وادي اللوا خلال فصلي الشتاء والربيع وصولاً إلى الآبار والبرك القديمة التي استخدمها الإنسان الذي سكن المنطقة لأغراض مختلفة ولري البساتين المجاورة للوادي والتي تروي حكايات أيام الخير الوفير الذي شهدته منطقة جنوب سورية في الأحقاب الماضية.
وبحسب الباحث في آثار المنطقة الدكتور علي أبو عساف فقد ذكرت قرية حزم في المراجع القديمة من قبل المؤرخين والرحالة والباحثين القدامى العرب منهم والأجانب لاحتوائها على أكبر باب حجري من البازلت حلس والذي يبلغ ارتفاعه 6ر2 متر ويتألف من مصراعين الأول منهما بعرض 17ر1 متر والثاني بعرض13ر1 متر ويعد واحداً من الأبواب الحجرية البازلتية الأضخم ليس في محافظة السويداء فقط بل على مستوى سورية.
ويوضح أبو عساف أن الباب المنحوت من حجر البازلت يعود للحقبة الرومانية وهو موجود حاليا في أحد البيوت الأثرية في القرية ويتوضع مقابله جدار كان يزينه قنطرة رائعة الجمال ولكنها سقطت بفعل العوامل الجوية المتتالية لافتا إلى أن القرية تتميز بحجارتها الرومانية المتينة والمتماسكة والمتوازنة التي تتشابه فيما بينها حيث تشتهر بيوتها القديمة بقناطرها وغرفها الكبيرة وككل البيوت الرومانية القديمة يوجد فيها أمكنة مخصصة للمواشي وإسطبلات ومعالف تمتاز بحجمها الكبير وحجارتها المزخرفة.
ويبين الباحث في آثار المنطقة أن قرية حزم لم تحمل اسماً تاريخياً قديما كبعض مدن وقرى المحافظة ولم يعثر ضمن الكتابات القديمة على تسمية قديمة لها إلا أنه من المحتمل أن يعثر الباحثون مستقبلاً سواء ضمن البلدة أو خارجها على تلك التسمية لذلك فإن اسمها الحالي حديث العهد كما أن الدراسات الأثرية شبه غائبة عن هذه القرية على الرغم من كثرة آثارها وتميزها وغناها بالكنوز التاريخية ما يستدعي المزيد من أعمال التنقيب فيها لإظهار أوابدها الحضارية بالإضافة إلى ضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام السياحي بها كونها تطل على منطقة تمتاز بأراضيها الصخرية الوعرة والتي هي غاية في الروعة والجمال إضافة إلى احتوائها على مختلف معالم التنوع الحيوي من طيور وحيوانات برية ونباتات طبية نادرة.
وفي نهاية القرن الثاني عشر الميلادي عام 572 هجرية أي في العهد الأيوبي حوّل السلطان الملك الناصر قرية حزم إلى وقف وأتى على ذكرها الباحث الأثري السويسري ج.ل.بركهاردت في كتابه "رحلات في سورية والأرض المقدسة" والتي حصلت بين عامي1810-1812 و كذلك الباحث الفرنسي الأب جوزيف ماسكال الذي أورد في عام 1994 معلومات عن باب حزم البازلتي قائلا.. لم أشاهد أبداً باباً حجرياً بهذه الضخامة في كل المنطقة كما تحدث ماسكال خلال وصفه لرحلاته في جبل العرب وخاصة في المنطقة الشمالية منه عن وجود منزل قديم وجميل في بلدة حزم.
وتحتوي قرية حزم على العديد من الطرق الرومانية القديمة التي قام بدراستها وتحليلها الباحث الفرنسي توما بوزو ونشر عنها دراسة تفصيلية ضمن مجلد حوران /آ/ عام1985حيث تحدث عن وجود طريق روماني مبلط يصل دمشق بالسويداء ثم بصرى ويمر قرب بلدة حزم محاذياً وادي اللوا وكان يستخدم لأغراض عسكرية وتجارية ويعتبر من طرق المواصلات الهامة.
ويوجد في حزم نحو ستين بئراً رومانياً لحفظ الماء كانت تشكل حتى وقت قريب المصدر الوحيد لمياه الشرب.ويقول رئيس دائرة آثار السويداء إن أراضي قرية حزم جزء من الأراضي الصخرية الوعرة لمنطقة اللجاة وفيها أشجار حراجية تمتد جذورها لآلاف السنين مثل البطم ووجد الأهالي معالم واضحة لعمل الإنسان فيها مثل زراعة الزيتون والتين ويحيط بالقرية العديد من الخرب الأثرية المهجورة والمنتشرة بالقرب منها والقرى المجاورة لها وخاصة في الجهتين الغربية والجنوبية ما يدل على وجود نشاط بشري كبير خلال العصور القديمة واستمر حتى العصور الحديثة بالإضافة إلى وجود ما يسمى بجورة الفحط التي تشكل أحد أهم المعالم الأثرية المحيطة بالقرية وهي عبارة عن حفرة عملاقة في الأرض يمكن النزول إليها بحذر شديد وجدرانها مبنية بشكل غير مستو وعلى مقربة منها يبرز حوش الشقيري المبني بحجارة رومانية قديمة جدا ويبعد عن حزم مسافة أربعة كيلومترات.
يشار إلى أن قرية حزم تبعد عن مدينة شهبا شمالاً نحو 32 كم وعلى بعد 50 كم من مدينة السويداء وعن دمشق جنوباً نحو 57كم.