بقلم: الأديبة المحامية شذا غالب التقي
لا يمكنك أن تبعد قلبك من أن يهفو إلى لوحاته الخلاقة، لوحات الفنان التشكيلي عامر الخطيب، فتراها بعين روحك وكأنها مستمدة من فيض نور متصل لا ينتهي.
يصعب أن تمر أمام لوحاته دون أن تتنفس عبق الحنين المزروع في عمق الذاكرة، فيعود بك الزمان لتسمع ضحكات الصبيان حول جدتهم ينتظرون الخبز الطازج وكأنك تشتمّ معهم رائحة الهدوء والأمان والاستقرار وكأنه ينقلك إلى سحر الأمان المرتبط بالعائلة والطفولة.
هناك حيث يحتفظ المرء بقصص أيقونات من البطولة في عمق ذاكرته فإذا بك تراه يستحضرها بريشته فتقف أمام أعماله وكأنك تستشعر أنفاس الأبطال وأرواحهم الفريدة والتي بعد مرور كل هذه السنوات لا زالت حاضرة بقوة وتأثير... فيضعك عامر وجهاً لوجه أمامهم؛ أمام لوحاته التي تحمل الرهبة... والاحترام لشخوص من فيها وكأنها تنطق...!!؟
تلامس روحك تلك الألوان المستمدة من فيض سماوي خلّاق يجسدها لك حالة كونيّة تجعلك هائماً فيها وتجد خيالك يسبح فيها ويستشعرها فتسمع حكاية لا نهاية لها... عن رحلة روحانية ملهمة محركها الحب... هذا الهدوء الذي ينبع من شخصية فناننا وهو بأنامله وألوانه يحيك هالة من نور بحروف تحمل أسرار الحياة في تكوينها... فكل ما في هذا الكون يسير بدورة متكاملة وبدقة متناهية أساسه ميزان كوني يحكم منظومة الحياة...
إن الحياة التي يسكبها بألوانه... نتأملها وكأننا نسمع صوت تمايل السنابل مع هبةِ تسبيحةِ البركة في صبح ندي... نرى سمرة وجهه وهو يحتضن سنابله وكأنه يحتضن أحلامه الغاليات بكفين من تعبٍ وبصمةٍ من فرح...
لا زلنا نحتفظ بتفاصيل ماضينا في ذاكرتنا ولكنها تفاصيل منسيّة في خبايا فلك الذاكرة على مساحات لونية زرقاء داكنة... ومتدرجة... يعيد استحضارها عامر الخطيب لتشدك تلك المساحة بألوان ذهبية منهمرة عليها وكأنها تتحدث عن إلهامٍ ما... ومن اللحظة التي يدخل فيها النور لهذه الذاكرة يوقظ فينا عنفوان الرجولة... والتقاليد والعادات.. ويعيدنا لبيئتنا ولأصولنا التي تربينا وتربى عليها أجدادنا وكأننا أمام لحظة من خيال لنتحول مع لوحته إلى حقيقة تخرج من الإطار الذي وضعناها به فنراها فينا... ويسرح الخيال مع رائحة المضافة والهيل والقهوة العربية المرة.
من منا لم يسمع من الجدات عن لقائهن على منهل الماء... فالماء جنة وحياة الإنسان... والأنثى خاصة بطبيعتها وطبعها الميال إلى الاجتماع على نافورة الماء في حالة من الفرح والإحساس بروح الحياة وهي تحمل جرتها...
أما عن لوحاته (البورتريه) فترى شخوصه المجسدة تحمل في تفاصيلها روحاً ناطقة كماء شلالٍ لا متناهٍ من المحبة والثقة في أدق التفاصيل المشبعة بالعنفوان والعفوية والانسياب.
وأخيراً عندما تراقب لوحات الفنان عامر الخطيب تجد أن شغله الشاغل توثيق تراث الأجداد بكل تفاصيله وكأنه منذ ولادته يحمل في روحه عبء حفظ التراث كرسالة ثقافية فكرية روحية تجعلك تقف وجهاً لوجه أمام ماضيك الذي لطالما سمعتَ الآباء والأجداد يحدثوك لتكتمل الصورة في ذاكرتك... وكأن التراث وسير الأولين معرشة في دمه وخياله وذاكرته البصرية يود لو يجسد كل تفصيل صغير أو كبير ويود لو يبعث فيها من روحه لتنطق أعماله الفنية وتحدث كل متلقٍ متأمل لها بما قد جرى...