الدكتور غابي بجاني خبير اقتصادي ومالي أستاذ محاضر في الجامعة
8 - 8 -2021
برأيكم ما هي الأسباب المباشرة التي أوصلتنا الى الانهيار الاقتصادي؟
برأينا ان السبب المباشر للعجز ،هو العجز المتواصل بموازنة الدولة اللبنانية، مثال الدولة تقرر صرف 100 تصرف 130 الفرق 30 من اين يتم تأمينهم هنا الدولة تضطر ان تستدين ، كيف تستدين الدولة تقوم بإصدار سندات خزينة من قبل وزارة المالية وهذه السندات كانت قبلا بالليرة اللبنانية ولاحقا أصبحت بالدولار وهذا ما جعل الدين العام يتزايد فعندما يكون هناك صرف دون إنتاجية أي عندما تقوم الدولة بالاستدانة من اجل دفع مستحقات أجور او تنفيذ مشاريع قد تكون وهمية وتطلب أموال ويتم تنظيم هذه السندات من اجل الحصول على الأموال دون ان يتم الإنتاج فكله يصب في هدر المال العام ، وكل هذه الالية تؤدي والاساس الذي اوصلنا الى هذا ما نحن عليه تزايد في الدين العام و اوصلنا الى الانهيار الاقتصادي.
هل هناك خطة إنقاذية واصلاحية للحد من الانهيار الكلي للاقتصاد اللبناني؟
طبعاً هناك الكثير من الخطط الموجودة ولاننسى ان الاقتصاد اللبناني هو اقتصاد غير ضخم وصغير بمعنى ان اقتصاد Apple و Micrisoft اكثر بكثير من الاقتصاد اللبناني ، إن إصلاح الاقتصاد اللبناني عملية ليست بصعبة ومستحيلة ما ينقصنا هو النية الحسنة التي يجب توافرها وهي للأسف مفقودة لسبب وتحتاج الى قرار سياسي و القرار السياسي اليوم غير موجود، ولكن على الصعيد العملي في حال اردنا ان نتكلم من الناحية الاقتصادية والمالية واكاديمياً أكيد هناك الكثير من الحلول ، أنا شخصيا لدي خطة مهمة جداً حاولت أن أطرحها على جهات عدة منذ اكثر سنة ونصف تقريبا ولكنها لم تلق أي تجاوب للأسف بسبب الوضع السياسي معقد .
من بإعتقادكم مسؤول عن سوء إدارة الودائع؟
المسؤول الأول عن سوء إدارة الودائع طبعاً هم المسؤولين عن القطاع المصرفي اللبناني والاهم من ذلك يجب أن نرى "Banking system" في لبنان كما يقولون موجود تحت إشراف ما يسمى البنك المركزي اللبناني هو المشرف على القطاع المصرفي والهيئات الرقابية هي أيضا مسؤولة بصفتها "لجنة الرقابة على المصارف" هي اكثر المسؤولين بشكل مباشر وانا أحملها المسؤولية بشكل مباشر فهذه اللجنة كانت ترى الأمور كيف تسير والى ما آلت إليه وخصوصا أخر 4 و5 سنوات أي منذ أن بدأت الهندسات المالية منذ " 2016 تقريبا ، أنا برأي ان المسؤولية الكبرى تقع على لجنة الرقابة على المصارف هذا الموضوع ويمكن أن نتكلم بشكل مفصل عنه ونؤكد المسؤولين على الرقابة لم يقوموا بواجبهم أبداً وهناك أهمال وتقصير وأكيد بالإضافة الى الضعوطات السياسية وضعوطات الحاكم البنك المركزي الذي هو المسؤول الأكثر فعالية بالنسبة للقطاع المصرفي وهناك علامة إستفهام لجهة إداؤه ، المسؤول الكبير على ضياع الودائع هي لجنة الرقابة على المصارف والتي لم تتخذ الإجراءات اللازمة لان من واجباتها وصميم عملها هو الحفاظ على الودائع في المصارف اللبنانية.
هل تلعب البنوك اللبنانية دور سلبي في الانهيار المالي في الشرق الأوسط؟
بالنسبة للبنوك اللبنانية في لبنان لم تقم بالدور كما يجب أي تنمية الاقتصاد بشكل عام، إذا أردنا ان نبين الأسباب الأساسية لوجود المصارف هي تمويل الاقتصاد ،هذا يعني أذا المصارف تقوم بواجبها بشكل سليم وصحيح وعلى اكمل وجه وتمول الاقتصاد، فهذا يعني ان حجم الاقتصاد يكبر ويتطور بطريقة موازية مع حجم المصارف ، ولكن في لبنان من خلال ارقام صغيرة، يمكننا أن نؤكد ان المصارف لم تقم بواجبها كما يجب وهنا نقصد لبنان عندما نجد ان الرساميل للمصارف اللبنانية سنة 1993 - 1992 من بعد الحرب اللبنانية الاهلية لا تتعدى 200 مليون دولار ونجد اليوم هذه الرساميل وتعدت حوالي 20 مليار دولار، بعملية مفارقة بسيطة نجد ان الرساميل القطاع المصرفي قد تطورت أي حجم القطاع المصرفي قد ارتفع 100 مرة او مئة ضعف من 1993 لغاية 2019 بينما الناتج القومي في لبنان، كان آنذاك حوالي 5 ل 6 مليار إرتفع ل 50 ل 55 مليار ارتفع عشر اضعاف، بمقارنة بسيطة ان حجم المصارف أكبر بعشر اضعاف من حجم الاقتصاد اللبناني، مما يعني بالمختصر ان المصارف لم تقم بدورها كما يجب ، اذا انها نميت اسرع من الاقتصاد بينما دور المصارف هو لتنمية الاقتصاد.
ما هو تفسيركم التلاعب بسعر صرف الدولارفي السوق السوداء وما هي الإجراءات الواجب إتباعها؟
بالنسبة لسعر صرف الدولار في السوق السوداء ، طبعاً ان السوق السوداء وجدت لان السوق الرسمي لم يعكس فعلاً قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية لانهم أعتمدوا تثبيت سعرالصرف وبالنهاية لم يتمكنوا من السيطرة عليها ولم يتمكنوا من ضبطها وهذه المشكلة بدأت منذ السنتين اذ أن سعر الصرف الدولار على أساس 1500 ليرة لم تصمد ، وهي خطأ كبيرمن الأساس عندما تم أعتمادها منذ 1997 وهذا موضوع آخر ، ان الظروف التي طرقت والتي أدت إلى هذا الفلتان وخلق السوق السوداء سببها الرئيسي تزايد الكتلة النقدية في لبنان، فهذه الكتلة بالليرة اللبنانية ، بمعنى ان الدولة اللبنانية كان لديها إلتزامات واستحقاقات كل آخر شهر، الدولة لم تكن لديها نقود لتسديد تلك الالتزامات ( معاشات موظفين الدولة وغيرها ...) كانت تطلب من خلال وزير المالية للبنك المركزي ليتصرف، البنك الذي يقوم بطباعة الأوراق النقدية يزيد من الكتلة النقدية، وعندما تزيد الكتلة النقدية كبيرة في لبنان، فرضنا تاجر يبيع سلعة معينة كان بقيمة عشرة ألالف ليرة كانت قيمتها 5 او 6 دولار تقريبا عندما أقوم اريد ان اجلب غيرها سوف ادفع بالدولار وليس بالليرة اللبنانية، هنا وتهافت وطلب متزايد على الدولار الأميركي بمعنى كب ليرات لبناني في السوق واللجوء الى شراء الدولار، خلق السوق السوداء لان السلطة النقدية البنك المركزي أصر على الحفاظ السعر الرسمي على تثبيت سعر الصرف على أساس سعرالرسمي 1500ليرة ووهذا الشيء خاطئ وكان من الاجدر ترك الأمور تجري بطريقة طبيعية كما حصل سنة 1983 و 1984 كان سعر الصرف غير ثابت عكس حركة الاقتصاد في لبنان اما اليوم على حركة الاقتصاد في لبنان هناك انهيارات كثيرة انهيارات لليرة اللبنانية وهناك طلب للعملة الأجنبية ، وهنا الدولار يعكس هذا الشيء ،فعندما يعمد الى تثبيت عنوة سعر صرف الدولار على أساس السعر الرسمي 1500 وهنا الخطأ من هنا نشأت سوق الامر الواقع سعر سوق السوداء ، للأسف فهنا الامر غير طبيعي ، الحل يجب ان تتخذ بعض الاجراءات يجب ان نعيد تعديل بسعر الصرف الرسمي بمعنى عندما تم رفع السعر في بعض المعاملات عند المصارف الى 3900، يصبح الوضع الطبيعي عندنا لا يعود لدينا اكثر من سعر صرف الدولار ويتوحد سعر الصرف ويستقر كما كان من 1983 الى 1991.
متى بإعتقادتكم ان المودعين سيستردون أموالهم؟
برأي عندما يتم إعادة وضع هيكلية للمصارف اللبنانية عندها نصبح في موقع ثابت ، أي إما أبيض أو اسود، حالياً إن وضع المصارف في موقع رمادي يعني ان وضعها غير معروف في حال كانت مفلسة ام لا، نعطي مثال: لدي إيداع بمصرف بقيمة 1000$ منذ 4 او 5 سنوات أردت ان أسحب هذا المبلغ يعمد البنك بدفعهم بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف المعتمد 3900 ليرة مقابل الدولار، نحن هنا أمام وضع رمادي ،لاني انا كمودع وضعت اموالي بالدولارالاميركي إستنادا لقانون"النقد والتسليف" يجب ان يتم دفعهم بالدولار الاميركي ، هنا المصرف يعمد إلى إيجاد فتاوى اوألية ليدفع للمودعين بالليرة اللبنانية وهنا المودع المضطر لقبض تلك الأموال ورغم تلك الخسارة ومن جهة أخرى المصرف يتحرر من الأعباء الموجودة عليه، في نهاية المطاف سوف يتم إعادة هيكلية للمصارف ، لماذا ؟ لان بالنهاية سوف نصل إلى مرحلة يكون اما البنك مفلس او غير مفلس، فإذا كان مفلس يتم تصفية الاموال والممتلكات والموجودات لرئيس مجلس الإدارة والأعضاء ،ومن هذه التصفية يتم دفع أموال المودعين واذا لم يكن البنك مفلس ولم ينقطع عن دفع أموال المودعين يستمر ، عمليا ً لكي نصل إلى إعادة هيكلية المصارف فإننا نحتاج هنا لقرار سياسي . وكلنا نترقب في هذه المرحلة الى ما سيؤول له الوضع السياسي في حال تم تأليف حكومة او لا، وفي حال أتت حكومة فاعلة يجب ان تضع من ضمن أولوياتها إصلاح القطاع المصرفي في لبنان، وتضع الهيكلية اللازمة و الفاعلة وبالتالي بوقتها يمكن عندئذ للناس ان تستعيد ودائعها.
ازمة المصارف سوف تبقى الى حين أعادة هيكلة المصارف، وهذه برأينا لا يمكن ان تحدث إلا بقرار سياسي، وهنا في حال اصبح لدينا حكومة جدية ، اصبحنا نتكلم هنا عن حل نهائي للازمة اللبنانية ومن هنا يمكن ان نقول ان مشكلة المصارف تنحل .
ماهو موقفكم من تعميم 158؟وماذا تنصح المودعين؟
انا صراحة لا ثقة لدي بهذه التعاميم ، انا انصح المودعين بعدم التوقيع ، لانها تخبئ نوايا سيئة، كل هذه التعاميم تحمل نوايا سيئة، الا اذا كان وضع المودع مأساوي وهناك ضرورة سحب أمواله ، ولكن في مطلق الأحوال انا ليس لدي ثقة بهذه التعاميم.
ما مدى تأثير إنخفاض الاحتياطات الأجنبية؟
التأثير يكون عند فقدان الودائع ، مبدئياً الاحتياط الالزامي يكون نسبة معينة ، عندما يقوم المودع بوضع كمية من المال يقوم البنك بإخذ نسبة من المال حاليا كانت حوالي 15% يضع هذه النسبة بالبنك المركزي على صفربالمية كضمانة من البنك للبنك المركزي، كي يتمكن البنك المركزي في حال تعسر هذا البنك من ان يدفع هذه جزء للمواطنين لاصحاب هذه الودائع، اذا استعملنا هذا الاحتياط الالزامي يعني اذا البنك اتعسر نهائيا لم يعد من الممكن البنك المركزي يقدمه لصاحب الوديعة، فالانعكاسات تكون سلبية للمودع طبعا، لذلك يجب عدم المس بالاحتياطي الموجود.
هل ستستعيد المصارف ثقة المودعين بها؟
أكيد الامور واضحة ،لا ثقة، لان المصارف اللبنانية لم تتعامل مع المودعيين بطريقة محترفة .
انا من الأشخاص الذين يدربون القطاع المصرفي منذ 2009 وانا أعطي دورات تدريبية للقطاع المصرفي وأعلم جيدا نقاط الضغف الكبيرة ، المصارف اللبنانية لم تتعاملة مع أصحاب الودائع بطريقة محترفة بل كانت تتعامل بطريقة شعبوية اكثر ما هي محترفة، جاءت الأمور الناس أعطت ثقة كبيرة للمصارف في بادىء الامر خاب امل الموديعين بشكل عام خلال هذه السنوات الأخيرة لان المصارف تعاملت مع المودعين بطريقة غير أخلاقية وانا برأي وللأسف فقدنا الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني وهذه الثقة التي بُنيت منذ أوائل الستينات القرن الماضي يعني 1960 -1962 والتي اكتسبتها المصارف إقليميأً ولاحقاً دولية ، ولكن هذه الثقة ذهبت ، حتى لم يعد اللبناني يضع أمواله في المصارف الا بحدود حاجته للمعيشة في لبنان، اليوم حتى المودعين اللبنانين الذي يعملون ولديهم اشغال في الخارج لم يعد منهم يودعون أي من اموالهم في المصارف اللبنانية او إدخالها الى لبنان اذا يوماً ما تم التعافي من هذه الازمة لن يدخلوا من الأموال سوى حاجتهم وسيبقى الجزء الأكبر منها في الخارج .
للأسف هذه هي الخسارة الكبرى وانا برأي تحتاج الى عمل إحترافي كبير لاعادة جزء من هذه الثقة ولكن للأسف أيضا ان القيمين على المصارف اللبنانية اشخاص لا يهمهم الا مصلحتهم الشخصية دليل على ذلك انهم استفادوا من هذه المرحلة بشكل كبيروجنوا أموال طائلة وتلك الأموال أصبحت خارج لبنان ...
على أمل يوما ما ان يصبح لدينا دولة في لبنان...ان يتم أعادة وهيكلة جدية من حكومة تعلم جيداً ماذا تعمل وذلك من إجبار وإلزام أصحاب المصارف وأعضاء مجالس الإدارة إعادة أموالهم المهربة الى الخارج ونتصور انه يمكننا ان نعيد جزء كبير من أموال الى المودعين..
تتشكر مجلة " Opine Digest " الالكترونية الدكتورغابي بجاني على هذه المعلومات القيمة ونتمنى له دوام التوفيق النجاح.