السويداء- سهيل حاطوم- 26 - 3 - 2022
يعتبر الأمير فخر الدين المعني الثاني (1635- 1572م) أهم ولاة المشرق العربي في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادين، وأشهر أمراء بلاد الشام عموماً وأعظم شخصية وطنية عرفها لبنان في ذلك العهد بحسب العديد من المؤرخين.
وشملت إمارة فخر الدين لبنان كله ومعظم سورية وفلسطين وشرقي الأردن وبنى قلعة قرب حلب وقلعة ثانية في أنطاكية وثالثة في تدمر مازالت تعرف باسمه، ولقبّه السلطان سليم الأول بـ "سلطان البر" وأطلق عليه لقب "أمير عربستان" أي أمير بلاد العرب، غير أن فخر الدين المعني الثاني كان يفضّل أن يُلقّب بأمير جبل لبنان وصيدا والجليل.
بعد مقتل والده الأمير "قرقماز" على يد والي مصر إبراهيم باشا عام 1854 م ،عاش الأمير فخر الدين بعيداً عن عيون أعداء والده في كنف خاله الذي كان يقيم في بلدة عبيه، حيث تلقى دراسته وتدرّب على طرق الحكم واطلع على أوضاع البلاد وميول الناس وأحوالهم، وكان لوالدته "نسب" الفضل الكبير في إعداده وتنمية خصال الصبر والشجاعة والعزم في نفسه، وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره تسلّم زمام الحكم من خاله وتولى إمارة أبيه وأجداده عام 1590 م.
عُرف عن الأمير فخر الدين بأنه كان سياسياً بارزاً واستطاع أن يتوسع بإمارته لتشمل معظم سورية الكبرى ويحصل على اعتراف الإمبراطورية العثمانية بسيادته على كل هذه الأراضي رغم أنها كانت في أوج قوتها، وعقد صلات ود وتحالفات سياسية وعسكرية وتجارية مع دوقية توسكانا ومع إسبانيا، وازدهرت البلاد في فترة حكمه، وتطورت أعمال التجارة مع أوروبا والدول المجاورة.
وقد أثارت تصرفات الأمير فخر الدين الاستقلالية العثمانيين وجعلتهم يرون فيه أميراً خطيراً عليهم، فتم تكليف والي دمشق بمهاجمته والقضاء عليه، لكنه لجأ إلى دوقية توسكانا حليفته بعد أن سلّم أخاه الأمور وجعله وصياً على ابنه، حيث أمضى زهاء خمس سنوات ( 1618-1613 م) في إيطاليا.
وقد سعى إليه ملوك الغرب الأوروبي لعقد اتفاقيات معه، ثم استطاع أعوان فخر الدين في العاصمة العثمانية، وأهله في دمشق، إصلاح الأمور بينه وبين الامبراطورية العثمانية فعاد عام 1618م مصطحباً معه عدداً من المهندسين لبناء القلاع وصنع الذخائر.
لم يتنازل فخر الدين في الأعوام السبعة عشر الأخيرة من عمره عن مشروعاته في توسيع المناطق الخاضعة لسيطرته، فهزم خصمه القوي ابن سينا، واستولى على حصن عكار وجبل الترون، وسعى للسيطرة على مناطق جبلة واللاذقية وبشري وعكار، وانتصر على والي دمشق وعلى أمير البقاع ابن حرفوش، وثبت قدمه في بعلبك والبقاع ونابلس وعجلون وسواها، ووقع في حروب مع أحمد بن طرباي أمير اللجون وبشير الغزاوي أسير سنجق عجلون وحسن بن أحمد رضوان أمير غزة.
وبلغ فخر الدين ذروة قوته عندما تلقى عام 1624م فرماناً من العاصمة بمنحه ولاية عربستان، من حدود حلب إلى حدود العريش، مع لقب سلطان البر، وبدا أشبه بملك مستقل على معظم بلاد الشام جنوبي حلب، لكن الدولة العثمانية عادت فرأت في فخر الدين أميراً خطيراً، وكلّفت والي دمشق قتاله، فاضطر إلى اللجوء إلى قلعة شقيف، وطلب العون من أمير توسكانا، إلا أن الأسطول العثماني ضرب الحصار على الساحل ومنع وصول المساعدة إليه فاستسلم، وأرسل مع أولاده إلى العاصمة العثمانية حيث نفذ فيه حكم الإعدام.
ويذكر الشيخ أحمد الخالدي الصفدي كاتب سيرة فخر الدين المعني الثاني عنه أنه كان" كان سليم الصدر، صافى السريرة، متواضعاً، بشوشاً، مهاباً، جليلاً، ذا عطاء جليل، قوى العزيمة، شديد الحزم، حسن التدبير، يعطف على الغنى ويحنو على الفقير، في حلبة الطعان عبوساً، هيوشاً، حليماً عند الغضب، ما سُمعَت عنه ومنه كلمة فاحشة قط، يصغي إلى المظلوم فينصفه من ظالمه ويرثي لحاله، فيكون له خير راحم".
إنه فخر الدين المعني الثاني ، الذى امتدت إمارته من العريش المصرية جنوباً إلى كيليكيا السورية شمالاً، وفي عصر ذروة قوة إمبراطورية آل عثمان.