عادات وتقاليد


          طفلةٌ أنا، تناديني فتياتُ الحَي .
          اِنتظرْن،أسرِّحُ شعري، أُمسِّدُ الثَّوبَ الجديدَ.
( ما أبهى ثوبي! خاطَته لي خالتي .بنفسجيّةً كانَتِ "البلوزة". أتذكرينَ ؟ بنطالُها أبيضُ . كذا أرادَتْهُ لي أنيقًا حلوًا .)
أصرَّت أمّي الحبيبةُ يومَها أن تلبسَني حذاءً جديدًا، ابتاعَتْهُ من متجرٍ بضائعُهُ ثمينةٌ. أيضًا أَحببْتُهُ كثيرًا .
كنتُ طفلةً ؛فاكتفيْتُ بزهرةٍ كدبّوس ٍعلى شعرِي .
"يا أحلى بابا ، رفيقاتي عم بتنادي ". اِبتسمَ ،وبعثرَ أناملَهُ على شعرِي بتحنانٍ. وبقبلةٍ على الجبينِ وبعضِ نقودٍ في الكفِّ أكرمَنِي.
كنتُ طفلة ً....تأنَّقْت، ورافقْتُ مَن تنادَينَ، وجلْنا الحيَّ والمنازلَ ندقُّ الابوابَ شوقًا لمباسمَ و مناهلَ. فندخلُ،ونجلسُ... " كلّ عيد وانتو بخير " وقبلةً على الخدَّينِ من وجوهٍ شاخَتْ لَرُبَّ،ولكنْ مُحِبَّة. نبادلُهُم التبَّسمَ ،نتهامسُ ،وبعضَ نقودٍ أكفُّنا تنتظرُ. نخطِّطُ ...لِنقصدَ الاثرياءَ أوَّلًا؛ فالعيدُ فرحٌ، وفرحُ الصِّغارِ نقودٌ ،حينَها ما كانَتْ تتجاوزُ اللِّيرتينِ.
ما أجمل َالعيدَ، ونحنُ صغارٌ. اِنتهَتْ جولتُنا "خَشخَشِت " النُّقودُ في جيبتِنا. اِطمأنَّ البالُ. فَلنتوجَّهُ أيَّتها الفتياتُ الى الدُّكَّانِ. هناكَ سنبتاعُ ونبتاعً " جبال النّار" ،،الاسهم النّاريّة " ، " الحَصيرة" ، "السّنانير" ستمتلىءُ الأكياسُ نجومًا وتلوينًا .
فنأخذُ النُّقودَ بفرح ٍ...لا نحسبُ كمْ سندفعُ ،وكمْ سيبقَى .فاليومَ لا تُدَّخرُ النُّقودُ. أشهرٌ مضَت ،ونحنُ ندَّخِرُ المالَ. نجتمعُ ...نتبارَى ....مَن اِبتاع الأجملَ منها...نشعلُها ...ونفرُّ لِتنطلقَ كصاروخ فضائيٍّ في سماءِ دنيانا. اُنظرُوا... . ترتفعُ الأَعناقُ نحوَ السَّماءِ دهشةً وعِبارات....وبعد .أَحدُهُم سيعرضُ ما حوَتْه ُعلبتُهُ مِن أَلوانٍ....جبلُ النَّارِ يشتعلُ.....نتحلّقُ حولَهُ....مهرجانٌ من ألوان. تتدافعُ كلماتُ الدَّهشةِ ،فيأتي أحدُ الفتيانِ وبجبلِ نارٍ أَحدثَ يرفقُنا...فيعلُو التَّصفيقُ صياحًا وفرحًا.
ما أجملَكَ أيُّها العيدُ وأنا طفلةٌ ...اَستيقظُ صباحًا أُقبِّلُ أًمي.أُقبِّلُ أبِي. أَتمنَّى لهُما الصِّحَّةَ ،وأَن يبقيَا بقربِي كي يجملَ العيدُ. تأتي جدَّتي ،فتحتضنُ الخاصرةَ والجيبَ. نتابعُ التَّرحيبَ .حانَ وقتُ الغداءِ ؛نأكلُ ..نضحكُ...نتبادلُ الهدايا ،فنضحكُ مجددًا ونضحكُ.
ما أَجملَك أيُّها العيدُ يومَ كنتُ صغيرةً، نرقصُ كلَّما هبَّ نسيمٌ. نتدلَّلُ بأشياءَ ليسَتْ ثمينةً. نستقبلُ الضُّيوفَ، نقدِّمُ لهُمُ ما لذَّ وطابَ من دوائرِ الكعكِ،والمعمولِ...وهنا يحتاجونَ الاستشارةَ ..السّمينةُ بتمرٍ، والمُنتفخة ُبجوزٍ، والمسدَّسةُ بفستقٍ.
بعدَها تُقدَّمُ القهوةُ ...حلوةً كانَتِ القهوةُ....كلُّ يومِ العيدِ يشربُها حلوةً وسُكَّر زيادة.
يتبادلونَ المُنى. فللاعزبِ .. " نفرح منك "، " قبل عيد الجاي نشفلك عروس "، " تفرحي من الصبية ..." لوالدة الصبيّة، " نقشعلك عريس " لمن زفّ وبالأرز رشّ، " يرجعو الغيّاب بخير" لِمن هاجرَ من أَبنائِهِ لخيرٍ، " يديم الوِفق " ،...ومُنى من شفاهِ المحبَّةِ لا تكلُّ ولا تنتهِي. ما أَجملَ العيدَ حينَ كنت ُطفلةً ! أَوَ ليسَ العيدُ طفلةً مُحِبَّة ً، وتسامحًا، وفرحًا، ولطفًا؟
أَخذَتنِي المُخيِّلةُ ذا المساءِ إلى ذاكرةِ الطّفولةِ، حيثُ كانَ الفرحُ، حيثُ كانَ الاطمئنانُ، حيثُ كانَتِ المَحبَّة ُ الحقيقيِّة ُعنوانًا لِقصَّةٍ.
أَعادَه اللهُ خيرًا ،مودَّة، صحَّةً، عافية، حُبًّا ،بحبوحةً، سلامًا ،تسامحًا ،اعتدالًا، واكثر... معايدتي إِلى الحبِّ المقيمِ و المُهاجرِ، إِلى الورقِ المسطَّرِ ، إلى أكفِّ القلمِ وأناملِ الرَّسم ِ...نحتًا أو عزفًا، إلى سيِّداتٍ تطهو،سيداتٍ تغدُو نحوَ عملٍ، إِلى مقاعدِ الصِّدفة وهدايَا جاءَتْني كتبًا وعطرًا، إِلى مساحاتِ السَّهرِ الَّتي مساءً بها أُكرمْتُ، إِلى وجوهٍ كريمةٍ بمعرفتِها اغتنَيتُ،الى أخِي المُهاجِرِ... .
أَعادَهُ اللهُ خيرًا، ومحبةً، وسلامًا، وبركةً لوطنِي الحزينِ، للتُّرابِ الحزينِ، للمطرِ الباكِي، للأخضرِ الشَّاحبِ،لقلوبٍ تستعطفُ العيدَ هدأةً لنفوسٍ؛ علَّ مِن آلامِها تُشفى أو تستكينُ.

ربِّي،اِبقنِي باسمةَ القلبِ ،ضاحكةَ الجبينِ .اِبقنِي للسَّطرِ حبرًا وللَّيلِ قمرًا . اِبقنِي ما أَودُّهُ، ولو تجاوزْتُ ما تجاوزْتُهُ من سنينٍ.


سناء شجاع