الشيخ مكرم المصري - 8 - 2 - 2022
من العائلات الدرزية التي لعبت دوراً مهماً في لبنان الحديث عائلة آل جنبلاط، وأكثر من إشتهر في هذه العائلة هو الشيخ بشير جنبلاط، الملقب "بعمود السما". هو الشيخ بشير بن قاسم بن علي بن رباح مواليد بعذران الشوف 1775م والمتوفي 1825م، تربّى في دار أجداده لأبيه، التي كانت مقرًا لزعامة الدّروز القديمة. وكانت الزعامة الجنبلاطية مقسومة في ذلك الوقت الى قسمين، قسم في بعدران بزعامة الشيخ قاسم والد الشيخ بشير، وقسم في المختارة بزعامة الشيخ نجم عم الشيخ بشير.
وقد حصل صراع بين القسمين وأخذ كل فريق يشدّ الى جهة، حتى اقتنع الفريقان أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وعلى أحد الفريقين التنحي عن الساحة، وكان السبق للشيخ بشير وأخيه حسن أولاد الشيخ قاسم، ففي نيسان 1793م، هجم الشيخ بشير وأخوه حسن على أولاد عمهما نجم وقتلاهما في المختارة، وهكذا انفرد الشيخ بشير بزعامة آل جنبلاط. وقد لجأ الى جبل الدروز لفترة، واستطاع أن يغري أحمد باشا الجزر، فعينه أميراً على الشوف.
ثبت الشيخ بشير جنبللاط الأمير بشير الشهابي في حكم إمارة جبل لبنان، فكان الشيخ بشير جنبلاط الزعيم الثري القوي الواسع النفوذ، يقف الى جانب الأمير بشير الشهابي يسانده ويشد أزره بماله ورجاله. وكان الأمير بشير الشهابي في البداية لا يتخذ أي قرار ولا يقدم على أي خطوة مهمة إلا بمشورة حليفه الجنبلاطي اعترافاً بفضله واعتماداً على زعامته وماله وراية رجاله. وفي تلك الفترة زار المنطقة الرحّالة السويسري بيركهات، وكتب قائلاً أن سلطة الأمير لا تعدو كونها مجرد ظل، أما السلطة الحقيقية فهي بيد الزعيم الدرزي الشيخ بشير جنبلاط، وكان الناس يرددون القول " الصيت لأبو سعدى أي الأمير بشير شهابي، والفعل لأخوه عدلا – الشيخ بشير جنبلاط".
كان الشيخ بشير جنبلاط قد ورث أموالاً طائلة من والده، ومن والد زوجته الذي مات بدون عقب من الأولاد الذكور، وقد إستطاع أن يستخدم هذه الأموال في فرض هيبته السياسية ونفوذه عند حكام المنطقة مثل بشير الشهابي والجزار. مع الوقت، زاد نفوذ الأمير بشير الشهابي، فتحالف مع محمد باشا ومع عبدالله باشا، وكان الأمير بشير قد استخدم الدروز في القضاء على قسم من الدروز، فتعاون مع الشيخ بشير جنبلاط على القضاء على النكديين والإرسلانين والعماديين والملكيين، وهنا جاء دورالجنبلاطيين والعائلات الدرزية الموالية لهم للقضاء عليهم، فقرر الشيخ بشير جنبلاط الصمود وعدم الأستسلام، وجمع الشيخ بشير جنبلاط جيشاً زاد عن خمسة الاف مقاتل، وأخذ يستعد للقتال فخشي الأمير بشير عواقب الأمر، وأخذ يتهيأ للهرب وبعث يستنجد بمحمد علي باشا و عبدالله باشا.
هجمت جنود الشيخ بشير جنبلاط، وتظاهر الأمير بشير بأنه يتقهقر، وأيقن الشيخ بشير جنبلاط أنه كسب المعركة فسرح جنوده وعاد كل المحاربين الى بيوتهم، وكانت هذه خدعة من الأمير بشير وفي هذه الأثناء وصلته النجدات من كل الأجزاء، فألقى القبض على الشيخ بشير جنبلاط بخدعة دنيئة، وأرسله مع ولديه سليم وقاسم والشيخ علي العماد الى عكا. طلب الأمير بشير الشهابي ناكر الجميل من عبدالله باشا أعدام الشيخ بشير، لكن الأخير احترم الشيخ بشير وسمح له التجول خارج السجن، ولمّا رأى الأمير بشير الشهابي ذلك طلب تدخل مجمد علي باشا، فضغط على عبدالله باشا ونفذ حكم الإعدام بالشيخ بشير والشيخ علي العماد.
كان الشيخ بشير مؤمناً متديناً متسامحاً وقد لقب بعمود السماء لقوته وبأسه، وكان شعاره " لا يموت المرء إلا حين تأتي ساعته" ففي لحظة إعدامه إنقطع الحبل عن رقبته مرتين ونجح في المرة الثالثة وقام الشيخ مرزوق معدي بنقل جثته مع زميله ودفنهم في يركا.