سيرة الفنان الكبير ناجي جبر (أبو عنتر)

 

نرجس عبيد - 8 - 3 - 2022

الفنان الكبير ناجي جبر (أبوعنتر):

وُلِدَ المرحوم ناجي جبر في مدينة شهبا التابعة لمحافظة السويداء عام 1940 في نهايات ستينات القرن العشرين في طائِفة المُوحدين الدروز، وترعرع في كنف عائلة عربية عريقة تتسم بالعادات والتقاليد الشرقية الاصيلة وذات تاريخ فني مميز وهام في الساحة السورية فهو شقيق الممثلين محمود جبر وهيثم جبر، وشقيق زوج الممثلة هيفاء واصف وعم الممثلتين ليلى جبر ومرح جبر. وقد كان شقيقه الأكبر محمود جبر جواز مروره الى عالم الفن فشارك مُنذُ بِداياتهِ في الكثير من العروض المسرحية مع اخوه الفنان محمود وفرقتهُ بِأعمالٍ عديدة منها صيّاد وصادوني وطارت البركة. لكنّه بالنهاية عُرف "بأبو عنتر".

 إلتحق ناجي جبر بنقابة الفنانين السوريين عام 1972، وتابع عملهُ مع نهاد قلعي وشريكَ نجاحاتهِ دريد لحام، وأطل بشخصية "أبو عنتر" في أعمال "غوار، وصح النوم". 


ابن جبل العرب الذي أصبح  قبضاي الدراما السورية

  انتحل أبوعنتر شخصيّة القبضاي بِمُسلسل صح النوم مع الفنان الكبير دُريد لحّام (غوّار الطوشي) وطوّر الشخصية على طريقتهِ، وفي تسعينيات القرن الماضي طوّر الشخصية مُجدداً مِن دور المشكلجي والبلطجي المُشاكِس إلى دور البطل الشعبي تحت مُسميات شعبية كانت مألوفة سابقا "وهي الزغرت والقبضاي (قبضاي الحارة) فاقتربت الشخصية من الناس أكثر، خصوصاً عندما قدمها في مسلسل "يوميات أبو عنتر" التي شكلت العودة الرسمية لشخصية "أبو عنتر" بفكره الجديد الذي يُمثِل الرجُل الشهم الكريم النفس والاخلاق والذي يُشكِل عمود أساسي في مجتمعهِ والذي يركُن إليهِ الافراد الآخرون ويلجؤون إليهِ لِيُدافِع عنْهُم ويسترِد حقوق المظلومين بيوميّات أبو عنتر.. 

وقد أضاف الملابس الشعبيّة المُحببة لِلجمهور كالصدّرية والشِروال لإظهارَ بُنيتهِ القوية وعضلاتهِ المفتولة وكتبَ جُملة "يا باطل" كوشمة على ذراعهِ، كتعبير عن حالة الجهوزية والاستعداد الغاضبة والمستنكرة لِلدفاع عن المظلُوم وإِعلاء صوت الحق في أي ظرف زمان أو أي ظرف مكان. وكانَ يلعب هذين الدورين بِطريقة كوميدية مُضحِكة وبِأسلوب عفوي شعبي مُنبثِق مِن كُل بيت في الحارة، أسلوب ديناميكي يخرُج مِن القلب ويدخُل إلى القلب وبنفس الوقت قريب من طريقة تفكير وفهم كل طبقات المجتمع فكان قريب مِن كُلّ أفراد المُجتمع البُسطاء لإنهُ كان يُشبِهَهُم ويُعبِّر عنهُم ومِن جِهة أخرى كان يُشكِّل حالة جذب مُلفِتة لِلنظر بِطِرازِها القديم ومُحببة جِداً لِدى أفراد المُجتمع مِن الطبقة المرتفعة وقد رافقتهُ هذهِ الشخصية طيلة حياتهِ وحرمتهُ مِن لعِب بعض الادوار بالدراما والكوميديا التي كان يتمنى أن يؤديها ليكتشف مواهب جديدة في فنَّهِ، لكنه رضي بقسمته. 

عودة أبو عنتر للتعاون مع غوار الطوشي..

 بعد غياب سنوات بالتعامل مع دريد لحام، استعان الاخير بأبو عنتر في مسلسله "عودة غوار" الذي تم تقديمه عام 1998، وظهر بشخصية أبو عنتر، وظهرت الشخصية أقرب الى الطيبة من البلطجة، واستطاع من خلال هذا العمل أن يأخذ المساحة الكبرى له مع "غوار"، فبدا دور "أبو عنتر" أكبر وأعمق من أدواره مع لحام السابقة. ومن أجمل التفاصيل التي ذكرتها قصة هذا المسلسل حالةَ الصداقة الفريدة من نوعها والمميزة جداً بين الفنانين الثلاثة ناجي جبر ودريد لحام وحسام تحسين بيك ووفائهم لبعضهم البعض طوال عمرهم الطويل واحتفالهم بيوم الصداقة السنوي في مشهد مؤثر جداً يُعبِّر عن الحجم الكبير الذي يلعبهُ الصديق بوجودهِ بحياة صديقهِ كصديق بحجم وطن.

 بعد "عودة غوار" قرر ناجي جبر هِجرة شخصية "ابو عنتر" نهائياً، وعدم العودة اليها، لكن المخرجين والمنتجين اعادوه اليها من حيث لا يدري حيث شارك بالعديد من الأعمال وظهر فيها بشخصية "القبضاي" لكن تحت مسميات أخرى بعيدة عن أبو عنتر، فأطل جبر بشخصية القبضاي في "أيام شامية" و"الخوالي" لبسام الملا، ومع سيف الدين سبيعي "أولاد القيمرية". 

أما مع المخرج علاء الدين كوكش في مسلسل "أهل الراية" فإنتقل جبر من شخصية القبضاي الى مرحلة الزهد والتصوُّف بشخصية نمر، فخرج كلياً من شخصية أبو عنتر، وأظهر قدرة تمثيلية كبيرة جداً كانت محتجزة داخل تلك الشخصية الأسطورية ولم يستطع تفجيرها الا آخر أيامه. آخر أعمال ناجي جبر كانت مسلسل "بيت جدي" وجسد فيه شخصية "أبو راشد" وهو بائع حلويات. 

تزوج الممثل السوري الراحل ناجي جبر عام 1984 وأنجب أربعة أولاد وتوفي بسرطان الرئة بآذار 2009 عن عمر ٦٩ عاماً شاركَ خِلالها بِأكثر مِن ثلاثين فيلماً وخمسين مسلسلاً وعشرات المسرحيات. ومِن الجدير بِالذكر أنهُ كان مِن ذوي الأيادي البيضاء، وقضىَ حياتهُ في مُساعدة المُحتاجين والفُقراء حيثُ قام بِأعمال خيرية عديدة وعاش مُحترماً محبوباً بين أهلهِ وجمهورهِ طيلةَ حياتهِ فمَن منّا لا تُداعِب ذاكِرتهُ الطفولية أدوارهُ الكوميدية المهضومة وأغنياتهُ الساخرة الناقدة ولا يتذكر عنترياتهُ؟ رحِمهُ الله وأسكنهُ فسيح جنانهِ.