الشيخ المؤرخ مكرم المصري - 24 - 8 - 2022
٢_ شيخاً صابراً مؤمناً بالرضى والتسليم
* هل هناك أصعب من فقدان الإبن؟
_ امتحانه الثاني وخسارة فلذة كبده. صبر سماحة الشيخ صبر أيوب على فقدان فلذة كبده وهو في ريعان شبابه. وكان دائماً يقول بالرضى والتسليم.. الله جاب الله أخذ.
كان المرحوم الشيخ ريبال شيخاً موحداً سليل أعيان بني معروف الأفاضل، ولد في ٧ تشرين الأول ١٩٩٢. تلقى دروسه في مدرسة العرفان وثانويتها من صفوف الروضة حتى نهاية المرحلة الثانوية. نال الشهادة الجامعية في إدارة الأعمال من جامعة NDU دير القمر.
عمل لدى أخيه ريان في شركة SENSI في دبي، وكان دائماً يقول أنه ينوي العودة والإستقرار في بلدته بجانب عائلته وبجانب والده سماحة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى لكي يكون اقرب الى اخوانه الموحدين وسنداً ومعيناً لوالده في المستقبل، ولكن علامات المرض بدت عليه بوضوح منذ مطلع العام ٢٠١٦، ممّا اضطرّه للعودة الى لبنان في نهاية العام.
اكتشف في ١٣/١/٢٠١٧ أن المرحوم الشيخ ريبال مصاب بمرض خبيث صبر على مرضه وتشجع بأمر الله وقدره، فكان سماحة الشيخ له الأب والأخ والطبيب والرفيق والمعين، صبر على مرض ولده وكان من الداخل يعاني ويتألم ولكن كان يظهر لولده بمظهر القوي كي يشجعه على السيطرة والتغلب على مرضه، اصطحبه الى أهم واكبر المستشفيات في لبنان كي يؤمن له العلاج المناسب ولكن أمر الله حكم بنقل روحه من جسده صباح الخميس في ١٩ نيسان ٢٠١٨ الساعة التاسعة الّا ربع صباحاً عن عمر خمسة وعشرين عاماً.
أقيم مأتمه في بلدة شانيه، بتاريخ ٢٠ نيسان ٢٠١٨ بمشاركة الآلاف من كبار المشايخ والشخصيات الرسمية والدينية ووسط موج من العمائم والمناديل البيضاء النقية ودموع الكبار والصغار، حيث وقف سماحة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى وقفة المؤمن الشجاع والقى كلمة رثاء لوالده سوف تبقى في الذاكرة الى آخر يوم من عمرنا ومطلعها:
حكم القضا والحكم فينا سيدُ
نرضى كما رضي الأمير السيدُ
الموت حقٌ والحياةُ تواصلٌ
والعمر يمضي والمدى يتجددُ
وبعد الرثاء ألقى سماحة شيخ العقل آنذاك الشيخ نعيم حسن كلمة موجزة وشهادة معبرة، ثم أم الصلاة ووري الجسد الثرى من قبل الأقرباء وأهالي البلدة.
أ- التضحية الكبرى واستلامه مهمة مشيخة العقل.
قبل انتهاء ولاية سماحة الشيخ نعيم حسن، قام سماحته بتوجيه دعوة في ١٠ آب ٢٠٢١ لإنتخاب شيخ عقل جديد وقد فتح باب الترشيح من ٣٠ أب حتى ١٠ أيلول، وبعد انتهاء المُدّة لم يُسجل سوى طلب واحد وهو طلب ترشيح الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، وعليه فقد أُعلن من ١٠ أيلول عن فوزه بالتزكية خلفاً للشيخ نعيم حسن. غير أن إعلان فوزه بشكلٍ رسمي بقي حتّى ٣٠ أيلول حيث أعلن المجلس المذهبي للطائفة في جلسته العامة عن فوز سماحة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى بالمنصب، وذلك بحضور رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط واعضاء المجلس وعدد من المشايخ وأعيان البلاد.
ولكن ما لا يعرفه أغلبية الموحدين في لبنان أن سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين (الدروز) الدكتور سامي ابي المنى لم يكن ساعياً رغبة لاستلام هذا المنصب فقد طُرح اسمه كمرشح محتمل عام ٢٠٠٦ لكنه كان مشجعاً ترشيح سماحة الشيخ نعيم حسن، وكانت جريدة الديار قد نشرت في عنوان لها: مشيخة العقل على نارٍ حامية والشيخ سامي ابي المنى الأوفر حظاً. ولكن في ذلك الوقت تحاشى المنصب، وحتى في هذه الدورة عام ٢٠٢١ كان غير ساعٍ لفكرة الترشح وكان يقول دوماً أعان الله من يستلم هذا الموقع فإذا أرضى السياسيبن قدّ لا يرضي عدداً من المشايخ، وإن أرضى فريقا قدّ ينقم عليه الفريق الأخر ولم يكن يعلم ان هذا الموقع سيؤول إليه بحكم التضحية الكبرى. لكن عندما دقّ ناقوس الخطر في إمكانية أن يؤول منصب مشيخة العقل الى الفراغ، والفراغ في مقام مشيخة العقل يعني الكثير من الأزمات، منها أن الموحدين في الإغتراب قد يحرموا من أدنى حقوقهم كحقهم بالزواج الديني عن طريق كتابة الكتاب (عقد الزواج)فلا يمكن لأحد في الخارج أن يقوم بكتابة كتاب وتسجيله دون موافقة شيخ العقل، أما بالنسبة للداخل فكيف ستتمكن الأخوات الملتزمات من إصدار بطاقة الهوية لهن (بالصورة الخاصة) والتي هي حق وطني أساسي لا يمكن التنازل عنه، إضافة الى ذلك فمن سيكون النظير لرؤساء الطوائف الأخرى وممثلاً للطائفة أمام جميع الجهات الرسمية والوطنية التاريخية لهذه الأسباب ولأخرى قد يطول فيها الشرح سلك سماحته درب التضحية الكبرى وذلك من خلال ترشحه وفقاً لرغبة العدد الاكبر من زملائه في المجلس المذهبي على الرغم من أنه كان على يقين من ان اسهم الإنتقاد والتهم ستطاله وان مجيئه قدّ يزعج البعض لكنه فضل المصلحة العامة للطائفة على مصلحته ومصلحة عائلته مؤمناً بأن القدر قد ساقه ليسخر علمه ومعارفه وعلاقاته المحلية والدولية لخدمة هذه الطائفة وهو واجب وحق له وباب من أبواب التضحية، فبنظره مقام مشيخة العقل له أبعاد دينية واجتماعية وعلمية وسياسية ووطنية بامتياز بالإضافة الى الموضوع الديني. فشيخ العقل هو ممثل للطائفة بكل المحافل الوطنية والدولية وعليه ان يمثلها بأفضل تمثيل، وأن يكون على دراية بمصلحة الطائفة واصطفافاتها السياسية، فهدفه الأول والأخير كان وسيبقى لم الشمل الموحدين الزمانيين والروحانيين تحتى عباءة مشيخة العقل ودار الطائفة في فردان.
وبرأيي المتواضع ضحى سماحة الشيخ منذ استلامه مشيخة العقل بأغلى شيء عنده وهو تأليف وتنظيم الشعر فكان ينتظر بفارغ الصدر التقاعد من مؤسسة العرفان التوحيدية التي لا تقلّ شأناً عن مشيخة العقل والتي تمثل الطائفة على مساحة الوطن، لكي يتفرغ للكتابة وللتأليف وإعادة تنقيح أشعاره فهو يملك كنزاً كبيراً من الأشعار الدينية والأدبية المكتوبة كان ينتظر لكي يتفرغ لتنقيحها ونشرها ولكن اليوم لم يعد يملك الوقت الكافي للإطلاع عليها، وأيضاً ابعدته مشيخة العقل عن منزله وعائلته ومجالسة إبنه المسافر وباقي أفراد عائلته. كذلك ضحى سماحة الشيخ بالعديد من المشاركات التي كانت تنسجم وتطلعاته وتسبب له الراحة وهي المؤتمرات الدولية والمحلية والحوارية بين الأديان، ومنابر الشعر والثقافة التي فقدته ولكنه سيظل بجانب اهل الفكر وداعماً لهم في كافة المجالات.
فنقلاً عن أحد المقربين من سماحته فإنه في كثير من الأحيان يَغْمُض جفن سماحته من شدة التعب وهو يتحامل على نفسه محاولاً الردّ على كل من يتواصل مستغلاً الوقت الذي يحتاجه للإنتقال من دار الطائفة الى دارته مردداً عبارة "الله يقدرنا ونخدم الطائفة" فخطاب العرفان الأخير سيبقى في أذهاننا لأخر يوم من عمرنا عندما قال:
الدار داري ولي نبضٌ هنا وفمُ.
ولي ولاءٌ ولي عهدٌ ولي قسمُ.
عمامتي الحقُ والتوحيدُ منطلقي.
عباءتي الأرزُ والمعروفُ والقيمُ.
للقومِ عقلٌ وشيخُ العقلِ خادمُهم.
وللزعامةِ دارٌ روحها الكرمُ.
وبعد إعلان الفوز توافد الى بلدته شانيه وإلى دار الطائفة في فردان بيروت عدد كبير من الشخصيات اللبنانية للمباركة له بحصوله على المنصب منهم رؤساء الطوائف ومُمثل عن كل من رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل عون ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي إضافة لوفودٍ عدّة من المجالس الدينية في الجهورية اللبنانية وعدد من رؤساء الحكومات والوزراء والنواب الحاليين والسابقين والسفراء والاصدقاء.
ب- ماذا حقق إنجازات منذ استلامه مشيخة العقل وحتى اليوم ؟....
يتبع في الجزء الثالث