سماحة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى شيخ التضحيات الكبرى قد لا يكرّره التاريخ - الجزء الأول


الشيخ المؤرخ مكرم المصري - 19 - 8 - 2022


*نشأته:

 وُلد سماحة شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى سنة ١٩٥٧ في بلدة شانيه قضاء عاليه محافظة جبل لبنان. حصل على اجازة في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية العام ١٩٨٠، وفي العام ٢٠١١ حصل على شهادة الماجستير في العلاقات الإسلامية المسيحية من جامعة القديس يوسف قبل أن ينال شهادة الدكتوراه في العلوم الدينية بتاريخ ١٤ كانون الأول ٢٠١٥ من الجامعة نفسها في موضوع "الحوار الاسلامي المسيحي في لبنان رؤية الموحدين الدروز" بدرجة جيد جداً مع توصية بالنشر.


*حياته العملية والعلمية:

 قبل استلام سماحة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى منصب مشيخة العقل كان يشغل عدة مهام اجتماعية وتربوية وثقافية أوصلته الى ما هو عليه اليوم من شهرة ومحبة شعبه وأخوانه له. فقدّ كان أميناً عاماً لمؤسسة العرفان التوحيدية، ورئيساً للجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين (الدروز) في لبنان لمدة ثلاثة دورات متتالية، وعضواً في الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي وفي ملتقى الأديان والثقافات للحوار والتنمية، كذلك كانت له عدّة مشاركات في نشاطات اجتماعية وثقافية ومنتديات للعديد من الهيئات الحوارية والتربوية والثقافية والاجتماعية، كما كان عضواً مؤسساً في اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان، وهو أديب وشاعر وله عدة مؤلفات._ من قناعاته الثابتة "الحوار هو السبيل الارقى لتحقيق السلام".


*حياته بين العام ١٩٧٥ والعام ١٩٩١:

لطالما تميز سماحة شيخ العقل الدكتور سامي ابي المنى بشجاعته وعنفوانه. كان سلاحه في الحرب اللبنانية القلم والكلمة الحرة والشعر وكذلك حمل مع أخوانه السلاح للدفاع عن الأرض والعرض والدين أول خطاب أطلقه في يوم العرفان العام ١٩٧٦ بحضور سماحة شيخ العقل محمد أبو شقرا قال فيه:

يا سهل أجدادي لواك موحَّدُ

الدهر يحكي والأصالة تشهد

رفعت يمينك شعلةً عربيةً 

أهدى ضياها للأنام موحدُ….
وقد اندمج سماحة الشيخ محمد أبو شقرا في الشعر مع الشيخ سامي ابي المنى وأكمل بعض ابياتها وكأنه هو القائل:

يا أمتي هل جاوزت ابيات شعري حدها

هل تهت فيما أنشد

هل بالغت كلماتي فردٍ منتمي

لعشيرة الّا الوفى لا يقصد.
عندها صرخ سماحة الشيخ محمد أبو شقرا: لا لا ، بصوتٍ قويٍّ هزّ الحضور بقوته وجبروته، وكان سماحة الشيخ سامي ابي المنى يريد أن يقول بشعره ايضاً:

 لا لا.لا لا

 فمجد الشعب حقاً في العلى 

والإسم من فلك الثريا أبعدُ.


وأكمل سماحة الشيخ سامي ابي المنى بشعره قائلاً:

نحن الدروز بأمسنا 

وبيومناجند الحقيقة نحن 

فليأتِ الغدُ



بالنسبة لسماحة شيخ العقل الشعر هو تعبير ادبي فهو عبارة عن مكنون متواجد في داخل الإنسان يتولد نتيجة ظروف التي عاشها والتي تفاعل معها في الظروف الدينية مع المشايخ الأفاضل واللقاءات الدينية والسهرات الجامعة والتمسك بالعقيدة الدينية والتراث الديني والمشايخ الأجلاء والسلف الصالح، والحياة الاجتماعية والأوضاع الحياتية التي يعيشها الإنسان، وأيضاً في أيام الحرب الأهلية التي عاشها سماحته للدفاع عن الكرامة والأرض والعرض والدين، وكذلك يعتبر سماحة الشيخ أنّ وليد بك رمز من رموز الطائفة المعروفية فمنذ العام ١٩٧٧ وحتى اليوم هو حامل لواء الدفاع عن الطائفة المعروفية، ومن الأقدار أنه عندما كان يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد اغتيال المعلم الشهيد كمال بك جنبلاط. سار بمسيرة الدفاع عن كرامة الطائفة ممتشقاً السلاح للدفاع عن أرضه وكرامة طائفته وقد ألف عدة أشعار حركت العزيمة والقدرة في نفوس الرجال ما زالت في عقولنا راسخة حتى اليوم ابرزها نشيد:

سلام الشباب سلام الرجال 

سلام الرفاق رفاق القتال

هتافاً يردد صوت البنين

ليببقى ويرقى ويحيا كمال


ففي هذه المرحلة الحرجة التي مرت على لبنان عموماً وعلى الجبل خصوصاً كان أبناء العشيرة المعروفية كلهم مناضلين ومقاومين، ولكن كل شخص في اختصاصه، فكما الجندي كان يمتشق سلاحه ليطلق النار بغزارة على عدوه كان سماحة الشيخ يمتشق قلمه ليكتب أجمل الكلمات الثورية ويلقيها على أبناء العشيرة المعروفية ليحثهم للدفاع عن أرضهم وعرضهم.

 بدأ مسيرته التربوية في مؤسسة العرفان التوحيدية فور تخرجه من الثانوية العامة، ولكن بسبب الحرب وتوقف التعليم تحولت مدرسة العرفان إلى شبه ثكنة عسكرية والى مستوصف لنجدة الجرحى وكان سماحته وزملاؤه من بين المساعدين في مداواة الجرحى، فكان يصل ليله بنهاره تاركاً عائلته الصغرى في المنزل وهو متواجد دائماً في الخطوط الأمامية في عزّ الأزمة التي كانت تصيب لبنان. 

نظم عدة قصائد شعرية أبرزها

:قصيدة المختارة في ذكرى المعلم الشهيد في ١٦ أذار ١٩٨١ بحضور وليد بك وعدد كبير من بني معروف الأفاضل:

ألقاك في الذكرى وقلبيَ موجعُ

وعيون ذاكرتي بصمتٍ تدمعُ

الشعب كل الشعب جاءك والهاً

وأنا ابن شعبك مهجتي تتلوعُ

في الشرق أعمدة جبال تصدعت

قلبي الرقيق فكيف لا يتصدعُ

وأيضاً كان دائماً هدفه في الشعر أن يزرع المحبة والحوار وكيف لا وهو من حصل على شهادة الدكتوراة في الحوار الإسلامي المسيحي في ما بعد، وهو القائل في الذكرى نفسها:
يا أهل لبنان الحبيب تهيّبوا

لبناننا أنفاسه تتقطعُ

السلم في الإسلام أروع مطلبٍ

والحب في الإنجيل سرٌّ مبدعُ

عودوا لنحيا بالصفاء أحبةً

فالدين دين الله لا يتوزعُ.


عندها هبت الناس وعلت اصوات التشجيع والتحية لسماحته، ومن بين الحاضرين كان رئيس حزب السوري القومي الاجتماعي انعام رعد وهو مسيحي الهوية نهض عند انتهاء سماحته من القاء الشعر وبدء بالتصفيق له واقفاً. 

بالرغم من دعمه للشباب وحثهم للدفاع عن أرضهم ولكنه كان دائماً يسعى كما اليوم للحوار ونشر التسامح والمحبة بين أطياف المجتمع.


*أثناء استلامه اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي

سطع نجم سماحة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى عندما استلم مهمة اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لثلاثة دورات متتالية، فأينما حلّ حلت البركة والنجاح، على الرغم من إعترافه بأنه لم يحقّق كل أهدافه وطموحاته في هذه اللجان التي مرّ بها على مرّ تلك السنين.



*ابرز إنجازاته: 

١- المساهمة كعضو في مجلس الادارة الى جانب سماحة الشيخ نعيم حسن والمجلس المذهبي وعلى الاخص اللجنة الدينية في تأسيس كلية الأمير السيد(ق) في عبيه، وكذلك في تطوير ورفع شأن مجلة الضحى

٢- تكريم عد من المثقفين والمؤرخين الموحّدين على مساحة الوطن والخارج. بينهم تكريم الدكتور سامي مكارم والدكتور عباس ابو صالح والدكتور حسن البعيني وعدد من زملائهم المؤرخين، وقد أقام حفلة تكريم في بلدة عاليه والأونيسكو عن روح الشاعر الموحد الفلسطينيّ سميح القاسم، وهو شاعر عربي قلّ نظيره وقد نشر عنه كتاباً جمع فيه بعض مؤلفاته وما قيل عن سميح القاسم ووزع مجاناً عن روحه.

٣- تكريم الفنان والمؤلف الموسيقي جمال أبو الحسن والفنان سليمان الباشا والفنان جهاد الاطرش والفنان عفيف شيا

٤- اقام حفل تكريم لشعراء الزجل الجدد من أبناء بني معروف بحضور نقيب الشعراء والشاعر المعروفي طليع حمدان. وقد ألقى في هذه المناسبة قصيدة زجلية عن بني معروف.

٥- اقام عدة ندوات ثقافية ودينية من وادي التيم الى كافة قرى الجبل وبالتعاون احياناً مع اللجنة الدينية إيماناً منه بأن الثقافة هي متداخلة مع الدين والتاريخ والمجتمع والفكر.


*ما كان يطمح له ولم يستطع تحقيقه

١- إنشاء مركز دراسات وأبحاث ومكتبة كبرى مجانية تساعد المثقفين على نجاح أبحاثهم ودراساتهم.
٢- انشاء حركة ثقافية على مساحة الوطن من وادي التيم وصولا الى كافة القرى الجبلية
٣- تأسيس لجنة لتكريم فنانين ومبدعين ومثقفين موحدين أكانوا رجال دين أو زمنين شعراء أو مؤلفين أو رسامين ونحاتين وذلك لحثهم على تطوير أنفسهم لرفع شأن الطائفة بالمحافل الخارجية.
٤- نشر الثقافة الدينية على مساحة الوطن فقد كان ومازال يطمح لتأسيس عدة أفرع لجامعة الأمير السيد(ق) في كافة المناطق الجبلية.


*شيخاً صابراً مؤمناً بالرضى والتسليم


1_ امتحانه الأول وخسارة والده.

هل يوجد اصعب من فقدان الأب؟ وهو في عز الشباب. 

فقد سماحة الشيخ والده ومعلمه الشعر والأدب والفصاحة والمرجلة والقوة في عز شبابه، صبر على وفاته متمسكاً بالتوحيد والرضى والتسليم، والده الشهيد الشيخ الطاهر الديان الشيخ أبو كمال نايف ابي المنى. مواليد شانية، العام ١٩٢٧ إستشهد في ١٦ كانون الثاني ١٩٨٤ عن عمر ٥٧ عاماً عند إقامته واجبه الديني. أثناء اقامته الصلاة على شهداء من بلدة مجدلبعنا سقطت عدة قذائف على المحلة المذكورة أدت الى استشهاده على الفور. كان المرحوم الشيخ أبو كمال شيخاً مثقفاً أديباً ضليعاً في اللغة العربية وأدابها وشعرها فقد كان معلم صاحب السماحة الشعر يعلمه إلقاءه ويصححه له لغوياً، كذلك كان سائس مجلس شانيه، فقد إشتهر بأمانته وصدقه واصطحاب الشباب الى المجلس لسماع الوعظ الدين وتاب على يديه عدد كبير من مشايخ الجرد. كذلك كان الشيخ أبو كمال شيخ الصلح والصالح كما اسماه سماحة الشيخ محمد أبو شقرا الذي أوكله أكثر من مرة بمهمات صلح، وكان اذا سمع ان اثنين على خلاف يذهب سيراً على الاقدام كي يصالحهما.

 المصدر : اللقاء المعروفي   Www.banimaarouf.news

يتبع في الجزء الثاني