الشيخ الأستاذ مكرم المصري - 4 - 3 - 2022
مُني العرب بأكبر هزيمة في تاريخهم الحديث في الخامس من حزيران 1967، أدت خسارة ما تبقى من فلسطين إلى إتخاذ القرارالتاريخي بحمل السلاح لتحرير أرضهم .
أسّس العرب ما يعرف بمنظمة تحرير فلسطين قبل حرب حزيران بثلاثة أعوام أي عام 1964، وقد خرجت هذه المنظم عن سيطرتهم بعد هذه الهزيمة النكراء، إهتزت أسطورة عبد الناصر وولدت أسطورة جديدة وهي أسطورة الفدائيين وياسر عرفات، وعلى حدّ قول"جوني عبده" في برنامج وثائقي الحرب اللبنانية، أن قبل هزيمة العرب "كان كل العرب يتمنون أن يأخذوا صورة مع عبد الناصر أم بعد ولادة منظمة التحرير وأسطورة الفدائيين أصبح عبدالناصر يتمنى أن يأخذ صورة مع ياسر عرفات".
في البداية اتخذت منظمة التحرير مقرّاً لها في الأردن ولكن بدأت تزاول نشاطها من جنوب لبنان الذي كان في أوج ازدهاره. بعد نهاية عهد فؤاد شهاب انتخب الرئيس شارل الحلو المحسوب على النهج الشهابي. وكان عهد فؤاد شهاب اشتهر بعهد "المكتب الثاني أي عهد مخابارات الجيش". كثرت الإتقادات في عهد شارل الحلو الذي عرف "بالحكم البوليسي". كانت مخيمات اللاجئين الفلسطينين في لبنان قد تأسست مع بدء النزوح الفلسطين عام 1948، وفي الستينيات كانت المخابرات الجيش اللبناني تسيطر على المخيمات سيطرةً كاملةً، شعر الفلسطينيون أنها وصلت إلى درجة الظلم.
بدأ لبنان يدفع ثمن العمليات المنطلقة من أراضيه، وفي 28 كانون الأول عام 1968 شن العدو الإسرائيلي أول عدوان على مطار بيروت الدولي، فدمرت ثلاثة عشر طائرة مدنية كانت متوقفة في مدرج المطار، وأكثر من ذلك فقد أجبرت ركاب إحدى الطائرات على نزول منها لكي يتمكنوا من تفجيريها، وأعلنت إسرائيل أن العملية جاءت كرد على العملية التي قامت بها منظمة التحرير على طائرة اسرائيلية المتوقفة في مطار أثينا وإتهمت الفلسطينيون أنهم قدموا للعملية من لبنان.
رغم كل ما حدث للبنان ولمطاره بقي قسم كبير من اللبنانين وعلى رأسهم كمال جنبلاط يؤيدون الموقف الفلسطيني، وفي هذه المرحلة كان العالم يشهد موجة قوة لليساريين وكان لبنان من تلك البلاد وقد شهدنا اضطرابات داخلية ولكن لا دخل للفلسطينين بها . بدأت الدعوات للمظاهرات من قبل كمال جنبلاط واليسار تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تكررت التظاهرات في كل البلاد ليسقط فيها شهداء، عرفت بالصراع الطبقي وكان على رئس تلك المظاهرات كمال جنبلاط ورفاقه.
كان هدف الفلسطينين تشريع وجودهم في لبنان وحقهم في ممارسة عملهم العسكري ويكون لهم قاعدة عسكرية بعيدة كل البعد عن الاشتباك مع اللبنانيين ويجعلهم يبتعدون عن أي خلاف مع أي طرف لبناني وقد تم ذلك في اتفاق القاهرة شرع الاتفاق حقوق الفلسطينين وسمح لهم المشاركة في العمل المسلح وتأمين حماية مخيماتهم وبدورهم أكدوا الفلسطينين بمحافظتهم على سيادة لبنان والتنسيق معهم في أي عملية امنية.
تألفت حكومة لبنانية جديدة ترأسها رشيد كرامي وكان في هذه الحكومة وزير الداخلية كمال جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي والداعم الأول للقضية الفلسطينية. وتمكن كمال جنبلاط من الاتفاق مع الفلسطينين الإلتزام بإتفاق القاهرة للمحافظة على الاستقرار الداخلي للبلاد.
حصلت مظاهرة لليسار فما كان من كمال جنبلاط الى أن نزل للأرض منفرداً حتى دون حرسه وكان على رئس المظاهرة جورج حاوي يحاولون النزول الى ساحة رياض الصلح، وقال جنبلاط لهم " يا رفاق اتفقنا على ان لا تنزلوا إلى المظاهرة في وسط المدينة إرجعوا لهناك" بحركة من أصبعه تحولت عشرات الألوف الى كورنيش المزرعة بدل من النزول الى رياض الصلح . وعلى حدّ قول جورج حاوي " لو حشدوا أنذاك خمسة الالف جندي لما استطاعوا إرجاعهم ".
إنغمس اللبنانيون بالقضية الفلسطينية بإرادتهم، وشهد عام 1970 أربعة أحداث كانت حاسمةً في تحديد اتجاه المشرق العربي، أمر الملك الأردني بسحق المنظمة الفلسطينية بعدما قوية شوكتهم في الأردن وأصبحوا ينافسونه في البلاد، رعى عبد الناصر مصالحةً فلسطينية أردنية في القاهرة بحضورعربي موسع ولكن توفي عبدالناصر بعد ساعاتٍ قليلة، وفي سوريا حصل إنقلاب بقياده حافظ الأسد ونور الدين الأتاسي، وفي لبنان إنتخب سليمان فرنجية المعروف في علاقته الوثيقة بالأسد رئيساً للبنان. وصل الرئيس فرنجية بفارق صوت واحد عن المرشح عن النهج الشهابي الياس سركيس، وكانت كلمة الفصل لكمال جنبلاط الذي اقترع بفارق الصوت لفرنجية وهذا القرار ندم عليه جنبلاط بعد سنوات قليلة.
وفي عام 1972 احتدم الصراع بين الفلسطينين والإسرائليين، وشهد هذا العام أول غزو إسرائيلي لجنوب لبنان للأقتصاص من الفدائيين خلف وراه دماراً وخراباً كبيراً، فكان الفلسطينيون والأسرائيليون يتبادلون إرسال العبوات المفخخة إلى المسؤولين من الطرفين.
استقال الرئيس صائب سلام ودبت الفوضى في كل لبنان وكثرت الإتهامات بالخروقات الأمنية، بعد المشاكل التي تعرض لها عناصر منظمة التحرير، أتت وفود عربية الى لبنان لوقف النزف كما أعلنت دول عربية مقاطعتها لبنان إقتصادياً وسياحياً إحتجاجاً على محاولة ضرب المقاومة االفلسطينة فتراجع فرنجية وتبنا موقف اخر عندها قل رئيس فرنجية ان المنظمة الفلسطينية تضرب فلسطين من لبنان وإسرائيل ترد عليهم ونحن لم نعد نتحمل ذلك ولم نستطيع الدفاع عنهم وبهذه الطريقة شرع للفلسطينين حمل السلاح للدفاع عن نفسهم.
بدأت الأحزاب اليمينية تدرب عناصرها وتستورد السلاح بمساعدة الجيش اللبناني، وحصل قرار بعد اجتماع كل القوى اليمينية على عرض بندقية للبيع مقابل 300 ليرة لبنانية مع كافة ذخيرتها وهم يشترونها بي 200 ليرة لبنانية وكل بيع ثلاث بندقيات يحصل الحزب على بندقية، وكانت تشتري الأحزاب بندقيتها من نوع كلاشنكوف من بلغاريا.
كان هناك عنوان أخر للأزمة بخلاف الموضوع الفلسطينين فقد بات اليسار لبناني يطرح بقوة قانون الإصلاح السياسي في البلاد، وكان على رأس المطالب إلغاء الطائفية السياسية والمناصفة في مقاعد مجلس النواب. وقف قادة المسيحين ضدّ مطالب الإصلاح هذه، بينما أيدها المسلمون عموماً و كمال جنبلاط واليسار اللبناني خصوصاً الذين رأوا في الفلسطينين حليفاً طبيعياً لهم.
في عام 1974 تكررت الأشتباكات بين الفلسطينين والكتائبين في الدكوانة حيث يقع مخيم اللاجئين الفلسطيين والمعروف"بتل الزعتر" وتعرض اللبنانيون من بينهم الشيخ بشير الجميل الى الكثير من المضيقات وابرزها على حد قول كريم بقردوني أن الشيخ بشير أوقف واقتيد الى داخل المخيمات ما اضطر الكتائبيين التواصل مع ياسر عرفات لإخراج بشير من داخل المخيمات.
وفي عام 1975حصل تطور خطير إحتوى أحد المظاهر الرئيسية للصراع في لبنان، عندما سارت تظاهرة لصيادي الأسماك في صيدا، كان المتظاهرون ينددون بمنح الحكومة اللبنانية لشركةٍ تدعى "بروتين" كان أكبر المساهمين فيها الرئيس الأسبق كميل شمعون بمنحها حقاً حصرياً لصيد الأسماك على طول الساحل اللبناني، رأئ للصيادين في ذلك تهديد للقمة عيشهم، وكان الجيش منتشراً في مدينة صيدا. حصل إطلاق نار أصيب خلالها زعيم التنظيم الشعبي "معروف السعد" وما لبث أن توفي بعد عدة أيام متأثراً بجراحه فإندلعت مظاهرات في صيدا وبيروت. وبعد شهرٍ واحدٍ كان الشيخ بيار الجميل يدشن كنيسة في عين الرمانة ذات الأغلبية المسيحية عندما أطلق مسلحون النار من سيارةٍ باتجاه الكنيسة فاستشهد شخصان من بينهم أحد مرافقي الجميل، وفي تلك الأثناء كان الفلسطينيون يحتفلون بعملية على إسرائيل وبعد ساعات قليلة مرت حافلة كانت تقل بعد من شارك في الإحتفال بمنطقة عين الرمانة التي كانت قد استنفرت وتمكنت من أطلاق النار على الحافلة فوقع قسم منهم قتلى وجرحى.
إندلعت الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975، وكالعادة أرسل العرب الأمين العام لجامعة الدول العربية محمود رياض لمحاولة تهدئة الوضع، ولكن لم يتمكن العرب من لجم إنفجار البركان، حمّل رئيس حزب الكتائب الفلسطينين مسؤولية انفجار الوضع ونفى مسؤولية حزبه إطلاق النار على الحافلة، بينما طالب كمال جنبلاط واليسار محاسبة الكتائب ودعى الحزب لتسليم المسؤولين عن إطلاق النارعلى الحافلة. استقال الوزراء من الطرفين وكانت البلاد شبه مشلولة، وطالب اليسار وكمال جنبلاط عزل الكتائب لتخفيف الإحتقان، ولكن دون جدوة. طرح رشيد كرامي كخلفٍ للرئيس لصلح، لكن الرئيس فرنجية فاجئ الجميع بتعين حكومة عسكرية برأسة العميد المتقاعد نور الدين الرفاعي، أيد اليمين وعارض كمال جنبلاط وريمون اده ما إضطرت الحكومة على الإستقالة بعد ثلاثة أيام تحت ضغط الشارع، وكلف كرامي بتشكيل الحكومة. أدت الإعتراضات المتبادلة على تسميت الوزراء الى إعاقة تشكيل الحكومة واستمر الإقتتال واحتج بالاعتصام في احد مساجد العاصمة السيد موسى الصدر مؤسس حركة امل. ولكن تمكن كرامي بعد شهر من المفاوضات من تشكيل الحكومة، وفي تشرين الثاني عقد اجتماع بين رشيد كرامي وياسر عرفات مع الموفد السوري الى لبنان عبدالحليم خدام، كانت سوريا تقوم بدور الوسيط في لبنان وكان هذا الاجتماع يدل على دخول لبنان مرحلة جديدة وأعلن كرامي في مؤتمر صحفي أن الامن والاستقرار عاد للبلاد. ولكن عادت الأمور وتدهورت وحمل قسم من الأطراف المسؤولية تدهور الأمور الى المنظمة الفلسطينية والحركة الوطنية. تجددت موجات العنف من جديد حول موضوع الإصلاحات السياسية فكان طلب اليسار الإصلاحات السياسية فوراً اما اليمين طالب وقف العنف ثم التكلم بالإصلاحات. لم تقتصر المحاولات للتوصل لحل من قبل العرب فقط بل قام رئيس الوزراء الفرنسي بمحاولة ولكنها كانت فاشلة فاستمرت المعارك لتحصد كمية أكبر من دماء الأبرياء. وكانت التطورات الإقليمية تلقي بظلالها على لبنان ففي تلك الأثناء تم التوقيع على فك الإشتباك الثانية المعروفة بي "سيناء 2" بين مصر وإسرائيل، إرتفع سقف الدم في لبنان في يوم السبت السادس من كانون الأول. ففي ذلك اليوم ً اجتمع الشيخ بيار الجميل مع الرئيس السوري حافظ الأسد للمرة الأولى وعند الإجتماع على حد قول بقردوني مع الأسد دخل أحد معاوني الأسد ومعه ورقة ويذكر بها أنه يوجد عملية هيجان في المنطقة الشرقية وقتل عشوائي لمجموعات مسلمة في المناطق المحيطة وخاصة على البور وعرف هذا اليوم بالسبت الأسود . عثرعلى جثث أربعة كتائبيين مقتولين في شرقي بيروت فانتشر الكتائبيين للأخذ بالثأر وتمكنوا من قتل على ما لايقل عن 200 شخص معظمهم أو بأغلبهم من الأبرياء لكن روح الإنتقام دفعتهم للقيام بذلك.
11 – أنطون سعادة، المحاضرات العشر، دار الفكر، الطبعة الثالثة، دمشق، سوريا، 1957. 12 – وليد جنبلاط، ثوابت النضال التقدمي في لبنان، منشورات مجلة الأنباء، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 1981.
- المراجع التلفزيونية:
1 - العميد عصام أبو زكي، حقيقة إغتيال كمال جنبلاط، مقابلة على قناة الجزيرة الإخبارية. 2 – وثائقي الحرب الأهلية اللبنانية، قناة الجزيرة .
3 – حرب لبنان، قناة الجزيرة .