الأستاذة ليليان السعدي/ الجمعية اللبنانية لحماية الآثار والتراث ALCAP
قصدنا بزيارتنا للشّوف هذه المرّة بلدتّي "دير القمر وبيت الدين". فعلى بعد نحو 12 كلم إلى الجنوب من بيروت تطالعك بلدة " دير القمر" والتي تبعد زهاء 5 كلم عن بلدة " بيت الدين".
تتميّز كلّ منهما بموقعها الجغرافي الهام والاستراتيجي، وقد لعبتا دوراً بارزاَ في تاريخ لبنان في الحقبتين المعنية والشهابية.
لقد شكلّت المناطق اللبنانية منذ القرون الوسطى إقطاعات يحكمها عددٌ من الأمراء والمشايخ، وفي فترة هيمنة الدولة العثمانية انتقل الحكم في لبنان وذلك في الفترة الممتدة بين عامي 1516 و 1697 إلى الأسرة المعنية، التي كانت تتّخذ من بلدة "بعقلين" مقراً لها.
وفي عام 1590 قرّر حاكم هذه الأسرة وهو " الأمير فخر الدين المعني الأول الكبير" أن ينقل مقر السّكن إلى "دير القمر" .
أمّا في عام 1697 فقد استلم الشّهابيون حكم الإمارة، وعند وصول " الأمير بشير الثاني الشهابي" للحكم، قرّر نقل عاصمة الإمارة الى بلدة بيت الدين. فهذه البلدة تتميّز بإقامتها على تلّة مُطلة و مشرفة للتمكن من الدفاع ضد أي هجوم محتمل. كما تُشكّل محطة عبور بين أرجاء جبل لبنان، ولا تزال ليومنا هذا المركز الإداري لقضاء الشوف ومركز القائمقامية.
دير القمر
كما ذكرنا أعلاه، فقد شكّلت دير القمر منذ عام 1590 مركزاً لحكم الأسرة المعنية، وذلك بسبب موقعها، ووفرة المياه فيها، الميزة التي كانت مفقودة في بعقلين التي تعاني من قلة الموارد المائية. وكانت محطتنا من سبيل الذكر لا الحصر، مبنى يُشكّل ستمرارية للبناء المعنّي والشهابي في آن.
ففي القرن السادس عشر بنى الأمير" فخر الدين المعني الأول" قصراً يتميّز بالعناصر المعمارية التي كانت سائدة آنذاك، يتكوّن من الطابق السفلي، المسمّى "قاعة العامود".. وهي قاعة مقببّة بالقناطر، ترتكز على عامود واحد ضخم، إنّ النوافذ، والقمندلونات، الموجودة في الجهة الجنوبية للقاعة، تطّل على باحة كنيسة سيّدة التلّة.
ويقول البعض إنّ هذا البناء صليبي الأصل، وأصبح فيما بعد قصراً للأمير فخر الدين.. وفي أيام المتصرفية، تعرّض للتّهديم، كما استُعمل كمعمل للصابون، وخمّارة لصنع العرق.. وبعدها استُخدم كمصبغة للقماش.
وانتقل هذا القصر في الحقبة الشهابية ليصير إسطبلاً للخيول ، من ثمّ سوقاً مغلقاً ليتحوّل إلى سكن للأمير ملحم الشهابي( 1729- 1754)، الذي أضاف عليه الطابق العلوي مع مدخله الذي يحمل سمات العمارة التنوخية يحيط به من االجانبين رنك "السبع المار" وليُصبح هذا المبنى مسكناً للأمير وعائلته، والطابق السفلي، ديواناً للحكم. وهكذا عُرف المبنى باسم "السراي".
فيما بعد أصبح هذا القصر، مقرّ السّكن للأمير يوسف الشهاب، المعروف اليوم بإسمه.
وفي العام 1846، نشأ أول مجلس بلدي في دير القمر، اتخذَ هذه السرايا مقّراً له، ولا يزال لليوم مركزاً لبلدية دير القمر. وفي العام 1945، أُدخل على لائحة الجرد العام للأبنية الأثرية.
وفي العام 1957، صدر مرسوم باعتبار دير القمر، بلدة ذات طابع أثري، وأُدخلتها منظمة "الأونيسكو"، في العام 1995، على لائحة مواقع التراث العالمي.
كذلك أكملنا يومنا بالتنقّل بين أزقّة وطرقات البلدة القديمة، التي تنقل الزائر إلى عالم ينسى فيه البعد الزماني والمكاني، لأنها تنقلنا إلى عبق الماضي وأصالته.
بيت الدين
أمّا عن زيارتنا لبلدة "بيت الدين" التي لا تقّل أصالة عن بلدة "دير القمر"، فسنتوقف اليوم عند قصر"بيت الدين" الشهير، الذي يحمل تداخل للعناصر البنائية القديمة، مع مؤثرات من اسطنبول وتطعيم من إيطاليا وأوروبا.
في عام 1788 تولّى الأمير بشير الحكم وأعطى القرار ببناء القصر، فبدأ البناء عام 1800 لغاية 1840.. كما بنى لكل من أبنائه الثلاثة قصره الخاص.
امتدّ العمل في القصر منذ عام 1800 لغاية 1806، حيث انتهى بناء أول جناح، "جناح الحرم". ثمّ الجناح الثاني حيث تمّت إضافة الدار الوسطى ( مدخل الحرم) أو السّلملك، إذ توجد قاعات الاستقبال والدواوين وتسمّى الحيّز العام.
كما أّضيقت الدّار البرّانية والخارجية ( الساحة مع المدخل) والطابق الأرضي للخيل يعلوه جناح صغير للضيافة. ويتم الدّخول إلى القصر عبر بوابة عظيمة، تقضي إلى الميدان، وعلى طول الميدان يوجد جناح ينكوّن من طابقين، الطابق الأرضي كان عبارة عن اسطبلات والأعلى يُستعمل اليوم كمتحف (قيد الترميم حالياً).
وإلى الغرب من الميدان يوجد الدّار الوسطى ، التي نصل إليها عبر درج بسُلمَين.
كانت تضم هذه الدّار جناح الإدارة الذي تتميّز بوابته المزينة بالفسيفساء المرمرية.. بالإضافة إلى جناح آل حمادة، دار الكتبة. القسم الثالث من القصر هو دار الحريم، الذي يتألف من أجنحة القصر الخاصة المؤلفة : من دار الحريم العليا، قاعة الاستقبالات أو قاعة العمود، غرفة لإمارتين- المحكمة، دار الحريم السفلى، المطابخ. والحمامات التي تتبع النظام الروماني: والتي تبدأ بالغرفة الباردة،الفاترة فالساخنة. وفي أول هذا المجمّع نجد قنطرة فارغة الكبر وهذا دلالة على أن الضيوف مرحب بهم بحفاوة. وبوجد فيها بوابة مزخرفة بزخارف مميّزة.
وفي الطابق الأسفل يوجد دار الخيل والفسيفساء، وهي عبارة عن قاعات معقودة كانت تُستعمل كدار للخيل، وتمّ تحويلها إلى متحف الفسيفساء البيزنطية، وهي تحوي مجموعة من موزاييك عُثر عليها في كنائس بيزنطية في موقعي "الجيّة وشحيم".
ندعوكم إلى زيارة الشوف والتمتع بطبيعتها وبأبنيتها الأثرية والتراتية.