الشيخ مكرم المصري - 7- 9- 2023
سماحة شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي أبي المنى
وُلد سماحة شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي أبي المنى سنة ١٩٥٧ في بلدة شانيه قضاء عاليه محافظة جبل لبنان. حصل على اجازة في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية العام ١٩٨٠، وفي العام ٢٠١١ حصل على شهادة الماجستير في العلاقات الإسلامية المسيحية من جامعة القديس يوسف قبل أن ينال شهادة الدكتوراه في العلوم الدينية بتاريخ ١٤ كانون الأول ٢٠١٥ من الجامعة نفسها في موضوع "الحوار الاسلامي المسيحي في لبنان رؤية الموحدين الدروز" بدرجة جيد جداً مع توصية بالنشر.
قبل استلام سماحة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى منصب مشيخة العقل كان يشغل عدة مهام اجتماعية وتربوية وثقافية أوصلته الى ما هو عليه اليوم من شهرة ومحبة شعبه وأخوانه له. فقدّ كان أميناً عاماً لمؤسسة العرفان التوحيدية، ورئيساً للجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين (الدروز) في لبنان لمدة ثلاثة دورات متتالية، وعضواً في الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي وفي ملتقى الأديان والثقافات للحوار والتنمية، كذلك كانت له عدّة مشاركات في نشاطات اجتماعية وثقافية ومنتديات للعديد من الهيئات الحوارية والتربوية والثقافية والاجتماعية، كما كان عضواً مؤسساً في اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان، وهو أديب وشاعر وله عدة مؤلفات. فمن قناعاته الثابتة "الحوار هو السبيل الأرقى لتحقيق السلام".
لطالما تميز سماحة شيخ العقل الشيخ الدكتور سامي ابي المنى بشجاعته وعنفوانه. ففي الحرب اللبنانية كان سلاحه القلم والكلمة الحرة والشعر وكذلك حمل مع أخوانه السلاح للدفاع عن الأرض والعرض والدين. وقد أطلق أول خطاب وشعر في يوم العرفان العام ١٩٧٦ بحضور سماحة شيخ العقل محمد أبو شقرا قال فيه:
يا سهل أجدادي لواك موحَّدُ
الدهر يحكي والأصالة تشهد
رفعت يمينك شعلةً عربيةً
أهدى ضياها للأنام موحدُ….
وقد اندمج سماحة الشيخ محمد أبو شقرا في الشعر مع الشيخ سامي ابي المنى وأكمل بعض ابياتها وكأنه هو القائل:
يا أمتي هل جاوزت ابيات شعري حدها
هل تهت فيما أنشد
هل بالغت كلماتي فردٍ منتمي
لعشيرة الّا الوفى لا يقصد.
عندها صرخ سماحة الشيخ محمد أبو شقرا: لا لا ، بصوتٍ قويٍّ هزّ الحضور بقوته وجبروته، وكان سماحة الشيخ سامي ابي المنى يريد أن يقول بشعره ايضاً:
لا لا لا لا فمجد الشعب حقاً في العلى
والإسم من فلك الثريا أبعدُ.
وأكمل سماحة الشيخ سامي ابي المنى بشعره قائلاً:
نحن الدروز بأمسنا وبيومنا
جند الحقيقة نحن فليأتِ الغدُ
بالنسبة لسماحة شيخ العقل الشعر هو تعبير أدبي فهو عبارة عن مكنون متواجد في داخل الإنسان يتولد نتيجة ظروف التي عاشها والتي تفاعل معها في الظروف الدينية مع المشايخ الأفاضل واللقاءات الدينية والسهرات الجامعة والتمسك بالعقيدة الدينية والتراث الديني والمشايخ الأجلاء والسلف الصالح، والحياة الاجتماعية والأوضاع الحياتية التي يعيشها الإنسان، وأيضاً في أيام الحرب الأهلية التي عاشها سماحته للدفاع عن الكرامة والأرض والعرض والدين، وكذلك يعتبر سماحة الشيخ أنّ وليد بك رمز من رموز الطائفة المعروفية فمنذ العام ١٩٧٧ وحتى اليوم هو حامل لواء الدفاع عن الطائفة المعروفية، ومن الأقدار أنه عندما كان يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد اغتيال المعلم الشهيد كمال بك جنبلاط. سار بمسيرة الدفاع عن كرامة الطائفة ممتشقاً السلاح للدفاع عن أرضه وكرامة طائفته وقد ألف عدة أشعار حركت العزيمة والقدرة في نفوس الرجال ما زالت في عقولنا راسخة حتى اليوم ابرزها نشيد:
سلام الشباب سلام الرجال
سلام الرفاق رفاق القتال
هتافاً يردد صوت البنين
ليببقى ويرقى ويحيا كمال
ففي هذه المرحلة الحرجة التي مرت على لبنان عموماً وعلى الجبل خصوصاً كان أبناء العشيرة المعروفية كلهم مناضلين ومقاومين، ولكن كل شخص في اختصاصه، فكما الجندي كان يمتشق سلاحه ليطلق النار بغزارة على عدوه كان سماحة الشيخ يمتشق قلمه ليكتب أجمل الكلمات الثورية ويلقيها على أبناء العشيرة المعروفية ليحثهم للدفاع عن أرضهم وعرضهم.
بدأ مسيرته التربوية في مؤسسة العرفان التوحيدية فور تخرجه من الثانوية العامة، ولكن بسبب الحرب وتوقف التعليم تحولت مدرسة العرفان إلى شبه ثكنة عسكرية والى مستوصف لنجدة الجرحى وكان سماحته وزملاؤه من بين المساعدين في مداواة الجرحى، فكان يصل ليله بنهاره تاركاً عائلته الصغرى في المنزل وهو متواجد دائماً في الخطوط الأمامية في عزّ الأزمة التي كانت تصيب لبنان.
نظم عدة قصائد شعرية أبرزها :
قصيدة المختارة في ذكرى المعلم الشهيد في ١٦ أذار ١٩٨١ بحضور وليد بك وعدد كبير من بني معروف الأفاضل:
ألقاك في الذكرى وقلبيَ موجعُ
وعيون ذاكرتي بصمتٍ تدمعُ
الشعب كل الشعب جاءك والهاً
وأنا ابن شعبك مهجتي تتلوعُ
في الشرق أعمدة جبال تصدعت
قلبي الرقيق فكيف لا يتصدعُ
وأيضاً كان دائماً هدفه في الشعر أن يزرع المحبة والحوار وكيف لا وهو من حصل على شهادة الدكتوراه في الحوار الإسلامي المسيحي في ما بعد، وهو القائل في الذكرى نفسها:
يا أهل لبنان الحبيب تهيّبوا
لبناننا أنفاسه تتقطعُ
السلم في الإسلام أروع مطلبٍ
والحب في الإنجيل سرٌّ مبدعُ
عودوا لنحيا بالصفاء أحبةً
فالدين دين الله لا يتوزعُ.
عندها هبت الناس وعلت اصوات التشجيع والتحية لسماحته، ومن بين الحاضرين كان رئيس حزب السوري القومي الاجتماعي انعام رعد وهو مسيحي الهوية نهض عند انتهاء سماحته من القاء الشعر وبدء بالتصفيق له واقفاً.
وبالرغم من دعمه للشباب وحثهم للدفاع عن أرضهم ولكنه كان دائماً يسعى كما اليوم للحوار ونشر التسامح والمحبة بين أطياف المجتمع.
1- يا أمتي:
ما يميّز هذا الكتاب أنه مجموعة قصائد متفرقة نظمها سماحته عندما كان أستاذاً في مؤسسة العرفان التوحيدية والتي ألقاها في مناسبات وطنية واجتماعية متفرقة، فكان الشعر في مخيلته أداة طيّعة لتجسيد أفكاره الوطنية والإجتماعية بل وفي تجّسيد مبادئ وطنه وأمته وأبناء عشيرته في معاني الحياة الحرّة الكريمة.
وقد يبدو للوهلة الأولى بأن هناك صدى، لتطرف في بعض الأبيات، ولكن المعاني الشمولية في عمق الكتاب تعلل هذا المنحى بالمنطق والمعقول فتمتزج فيها حرية الرأي والقول بحرية الإنسان، وتبرز في مقاطع كثيرة من الكتاب صورة الشجاعة الواعية بأحلى مظاهرها وأوضح حدودها وتبقى في مسارها الطبيعي ولو بلغت حد التضحية، ويبقى الحق قوياً والمتمسك به هو الأقوى مهما حاول المبطلون وتعالت أصواتهم.
وهكذا فإن الكلمة في شعر المؤلف هي كلمة العقل، تفوح منها رائحة الوعي والخلق، وهكذا تنسجم في إطار الحياة الإنسانيةأنغام الحقيقة بعذوبتها وصخبها بكلمة معبرة صادقة وحلة شعرية بريئة.
2- قصائد التضامن الروحي
هذا الكتاب هدفه سامياً. بسبب انفتحه على كل شرائح الوطن المتعدّدة المذاهب والمشارب والأديان وإيمانًا من المؤسّسة العرفانيّة ومن سماحته أنّ التنوّع الثقافيّ غنى، والعيش المشترك القائم على المحبّة والحوار والتضحيّة والقيَم الإنسانيّة لازم وضروريّ، وقد شارك في منتديات الحوار الوطنيّ، وكان له دور فعّال في أكثر من ملتقى لحوار الأديان والثقافات، وكانت له جولات ومشاركات لافتة في لبنان والخارج من أجل المحافظة على الوحدة الوطنيّة وبناء المصالحة والسلام، وقد منحته مؤسّسة "أديان" عضويّة الشرف لنشاطه وطبعت له ديوانًا شعريًّا بعنوان "قصائد التضامن الروحيّ" يتضمن عدد كبير من القصائد المميزة والتي سوف يخلدها التاريخ.
3- المظاهر الثقافية عند الموحدين الدروز الخصوصية والإندماج
يدين الموحدون "الدروز" بالإسلام ديناً وبالتوحيد عقيدة ومذهباً، مذهبهم في الاسلام "ليس ديناً تبشيرياً جديداً أو فلسفة، ولا تصوفاً مطلقاً أو رهبَنة، وإنمّا هو فرع من أصل دين الإسلام. إنه بالحقيقة ثمرة اجتهاد فكري ديني، تنامى تباعاً من خلال أئمّة الدول الفاطمية الأوائل، وجاء في سياق استعداد فكري وتنظيمي واسع، إلى أن انتظم بصورته الأخيرة في عهد الخليفة الفاطمي السادس، وهو بالتالي مسلكٌ توحيدي برز في الإسلام وترعرع في الشيعة وتبلور في الإسماعيلية وبدت معالمه واتضحت في مذهب التوحيد الفاطمي.في كتابه "المظاهر الثقافية عند الموحدين الدروز: الخصوصية والإندماج " يقدّم الشيخ سامي أبي المنُى توصيفاً دقيقاً وصورة واضحة وصادقة عن مجتمع الموحدين الدروز، من خلال التعريف بالمظاهر الثقافية، ومن ضمنها المظاهر الاجتماعية، محاولاً الربط بين تلك المظاهر وبين تاريخ المذهب وحقيقة المعتقد، وذلك كما تعلّمه "من فكر إخوانه الشيوخ الموحّدين وتجاربهم، وكما يحياه كمؤمنٍ ملتزمٍ..."، تلك المظاهر التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بحياة المجموعة البشرية، معترفاً "أن بعض أبناء الطائفة يشاركون سواهم ممن هم من غير أبنائها، في جهل الكثير من المدلولات والأبعاد والمعاني لتلك المظاهر، وهذا أمرٌ يعود إلى اعتماد التقليد ونقل الإرث الثقافي والديني والاجتماعي دون فهمٍ لأهدافه ومراميه في معظم الأحيان".لأجل ذلك يجيب الكتاب عن أسئلة وتساؤلات تتوارد في الأذهان: من هم الموحّدون الدروز؟ تاريخهم؟ مظاهر عيشهم؟ سلوكياتهم؟ مظاهر حياتهم المشتركة مع أبناء الطوائف الأخرى في الوطن؟ تأثرهم وتأثيرهم؟ ثبات تقاليدهم وعاداتهم؟ مؤسساتهم؟ اجتهادهم؟ وفي الإجابة عن كل ذلك يتطرق الكتاب إلى معظم المظاهر الثقافية والاجتماعية المتعلقة بمذهب التوحيد، أو بمسلك التوحيد، كما يشاء أن يسميه بعض أربابه العارفين، "إذ هو ليس ديناً مستقلاً، بل هو مذهبٌ إسلامي ومسلكٌ توحيديٌ قائمٌ على التحقَّق والمسافرة في درجات المعرفة والعرفان، انطلاقاً من الفرائض الإسلامية التي تُعتبر دعائم الدين وأسسه".في الختام يخلص الكتاب، إلى تأكيد خصوصية الموحّدين "الدروز"، في واقعهم الاجتماعي والديني والثقافي الذي حافظوا عليه طيلة قرونٍ طويلة، والذي أصابه بعض التغيير والتعديل نتيجة موجات التطور والحداثة، إذ حافظت بعض المظاهرعلى واقعها، بينما تغيّر سواها وغاب الكثير منها مع الزمن. لكنّ الأهمّ أن تلك المظاهر لم تمنع الموحدين "الدروز" من الاندماج بالآخرين، بل يسّرت لهم التلاقي معهم على قواسم مشتركة واحترامٍ متبادل، مهما اختلفت المظاهر وتعدّدت الثقافات.
4- الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان رؤية الموحّدين الدُّرُوز
يتناول الكتاب موضوع الحوار وأهميته في المنطقة في ظل تنامي التجاذبات الطائفية. مركزاً على دراسة واقع المجتمع اللبناني، الذي يعتبر نموذجاً متقدّماً للتنوع الثقافي وللنشاط الحواري وعلى واقع المجتمع التوحيدي "الدرزي" بغية التعرف على رؤية الموحّدين الحوارية، وبلورتها بواقعية وأمانة، بهدف المساهمة في إزالة الغموض والسلبية تجاه الموحدين "الدروز" وتأكيد إهتمامهم بالسلام والحوار، على الرغم من تاريخهم الملئ بالحروب الدفاعية والأحداث الدامية، في منطقة بلاد الشام والذين كانوا فيها ، كسواهم من المجموعات، ضحية التدخّلات الخارجية والفتن المصطنعة إلّا أنَّ الموحدين "الدروز" ومن منطلق عقيدتهم الإسلامية التوحيدية ومسلكهم العرفاني، يؤكدون بأنهم أهل حوار وسلام ، لا أهل خصام وصدام ، وهذا ما تحاول الأطروحة بلورته من خلال التطرّق إلى نظرتهم التوحيدية للحوار وقبول الأخر، وما تتضمنه تلك النظرة من مفاهيم عرفانية وفلسفية وشرعيّة، ترتكزز إلى العقل والحكمة، وما تعكسه على أرض الواقع من مفاهيم وطنية واجتماعية وإنسانية والوقوف. بالأخص، على ما يُمكن استنباطه واستنتاجه من مسلك التوحيد وما يدعو إليه هذا المسلك من محبة وترفع عن الكراهية والأنانية ومن سلوك أخوي راقٍ وشفاف. يكون سبيلاً للإرتقاء إلى محبة الخالق والعيش في كنفه جلَّ وعلا.
5- دموعُ الرِّضا
ما يميّز هذا الكتاب أنه صفحة من صفحات البلَّور تنعكس عليها أنوار التوحيد وفلسفة الرُّوح، ومعها تعود الحياة التي لا يقوى عليها الموت، لأنه عابرٌ، أمَّا هي فخالدة مخلَّدة. يتميّز هذا الكتاب بأنه يكشف لنا النقاب عن صبر سماحته على فراق ولده وفلذة كبده المرحوم الشيخ ريبال أبي المنى وقد تم طباعة هذا الكتاب في الذكرى السنوية لأولى لوفاته رحمه الله.
*أثناء استلامه اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي
سطع نجم سماحة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى عندما استلم مهمة اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لثلاثة دورات متتالية، فأينما حلّ حلت البركة والنجاح، على الرغم من إعترافه بأنه لم يحقّق كل أهدافه وطموحاته في هذه اللجان التي مرّ بها على مرّ تلك السنين.
*ابرز إنجازاته:
١- المساهمة كعضو في مجلس الادارة الى جانب سماحة الشيخ نعيم حسن والمجلس المذهبي وعلى الأخص اللجنة الدينية في تأسيس كلية الأمير السيد(ق) في عبيه، وكذلك في تطوير ورفع شأن مجلة الضحى.
٢- تكريم عدد من المثقفين والمؤرخين الموحّدين على مساحة الوطن والخارج. بينهم تكريم الدكتور سامي مكارم والدكتور عباس ابو صالح والدكتور حسن البعيني وعدد من زملائهم المؤرخين، وقد أقام حفلة تكريم في بلدة عاليه والأونيسكو عن روح الشاعر الموحد الفلسطينيّ سميح القاسم، وهو شاعر عربي قلّ نظيره وقد نشر عنه كتاباً جمع فيه بعض مؤلفاته وما قيل عن سميح القاسم ووزع مجاناً عن روحه.
٣- تكريم الفنان والمؤلف الموسيقي جمال أبو الحسن والفنان سليمان الباشا والفنان جهاد الاطرش والفنان عفيف شيا
٤- اقام حفل تكريم لشعراء الزجل الجدد من أبناء بني معروف بحضور نقيب الشعراء والشاعر المعروفي طليع حمدان. وقد ألقى في هذه المناسبة قصيدة زجلية عن بني معروف.
٥- اقام عدة ندوات ثقافية ودينية من وادي التيم الى كافة قرى الجبل وبالتعاون احياناً مع اللجنة الدينية إيماناً منه بأن الثقافة هي متداخلة مع الدين والتاريخ والمجتمع والفكر.
*ما كان يطمح له ولم يستطع تحقيقه
١- إنشاء مركز دراسات وأبحاث ومكتبة كبرى مجانية تساعد المثقفين على نجاح أبحاثهم ودراساتهم.
٢- انشاء حركة ثقافية على مساحة الوطن من وادي التيم وصولا الى كافة القرى الجبلية.
٣- تأسيس لجنة لتكريم فنانين ومبدعين ومثقفين موحدين أكانوا رجال دين أو زمنين شعراء أو مؤلفين أو رسامين ونحاتين وذلك لحثهم على تطوير أنفسهم لرفع شأن الطائفة بالمحافل الخارجية.
٤- نشر الثقافة الدينية على مساحة الوطن فقد كان ومازال يطمح لتأسيس عدة أفرع لجامعة الأمير السيد(ق) في كافة المناطق الجبلية.
*شيخاً صابراً مؤمناً بالرضى والتسليم
- امتحانه الأول وخسارة والده.
هل يوجد اصعب من فقدان الأب؟ وهو في عز الشباب.
فقد سماحة الشيخ والده ومعلمه الشعر والأدب والفصاحة والمرجلة والقوة في عز شبابه، صبر على وفاته متمسكاً بالتوحيد والرضى والتسليم، والده الشهيد الشيخ الطاهر الديان الشيخ أبو كمال نايف ابي المنى. مواليد شانية، العام ١٩٢٧ إستشهد في ١٦ كانون الثاني ١٩٨٤ عن عمر ٥٧ عاماً عند إقامته واجبه الديني. أثناء اقامته الصلاة على شهداء من بلدة مجدلبعنا سقطت عدة قذائف على المحلة المذكورة أدت الى استشهاده على الفور. كان المرحوم الشيخ أبو كمال شيخاً مثقفاً أديباً ضليعاً في اللغة العربية وأدابها وشعرها فقد كان معلم صاحب السماحة الشعر يعلمه إلقاءه ويصححه له لغوياً، كذلك كان سائس مجلس شانيه، فقد إشتهر بأمانته وصدقه واصطحاب الشباب الى المجلس لسماع الوعظ الدين وتاب على يديه عدد كبير من مشايخ الجرد. كذلك كان الشيخ أبو كمال شيخ الصلح والصالح كما اسماه سماحة الشيخ محمد أبو شقرا الذي أوكله أكثر من مرة بمهمات صلح، وكان اذا سمع ان اثنين على خلاف يذهب سيراً على الاقدام كي يصالحهما.
* شيخاً صابراً مؤمناً بالرضى والتسليم
* هل هناك أصعب من فقدان الإبن؟
امتحانه الثاني وخسارة فلذة كبده. صبر سماحة الشيخ صبر أيوب على فقدان فلذة كبده وهو في ريعان شبابه. وكان دائماً يقول بالرضى والتسليم.. الله جاب الله أخذ.
كان المرحوم الشيخ ريبال شيخاً موحداً سليل أعيان بني معروف الأفاضل، ولد في ٧ تشرين الأول ١٩٩٢. تلقى دروسه في مدرسة العرفان وثانويتها من صفوف الروضة حتى نهاية المرحلة الثانوية. نال الشهادة الجامعية في إدارة الأعمال من جامعة NDU دير القمر.
عمل لدى أخيه ريان في شركة SENSI في دبي، وكان دائماً يقول أنه ينوي العودة والإستقرار في بلدته بجانب عائلته وبجانب والده سماحة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى لكي يكون اقرب الى اخوانه الموحدين وسنداً ومعيناً لوالده في المستقبل، ولكن علامات المرض بدت عليه بوضوح منذ مطلع العام ٢٠١٦، ممّا اضطرّه للعودة الى لبنان في نهاية العام.
اكتشف في ١٣/١/٢٠١٧ أن المرحوم الشيخ ريبال مصاب بمرض خبيث صبر على مرضه وتشجع بأمر الله وقدره، فكان سماحة الشيخ له الأب والأخ والطبيب والرفيق والمعين، صبر على مرض ولده وكان من الداخل يعاني ويتألم ولكن كان يظهر لولده بمظهر القوي كي يشجعه على السيطرة والتغلب على مرضه، اصطحبه الى أهم واكبر المستشفيات في لبنان كي يؤمن له العلاج المناسب ولكن أمر الله حكم بنقل روحه من جسده صباح الخميس في ١٩ نيسان ٢٠١٨ الساعة التاسعة الّا ربع صباحاً عن عمر خمسة وعشرين عاماً.
أقيم مأتمه في بلدة شانيه، بتاريخ ٢٠ نيسان ٢٠١٨ بمشاركة الآلاف من كبار المشايخ والشخصيات الرسمية والدينية ووسط موج من العمائم والمناديل البيضاء النقية ودموع الكبار والصغار، حيث وقف سماحة الشيخ الدكتور سامي ابي المنى وقفة المؤمن الشجاع والقى كلمة رثاء لوالده سوف تبقى في الذاكرة الى آخر يوم من عمرنا ومطلعها:
حكم القضا والحكم فينا سيدُ
نرضى كما رضي الأمير السيدُ
الموت حقٌ والحياةُ تواصلٌ
والعمر يمضي والمدى يتجددُ
وبعد الرثاء ألقى سماحة شيخ العقل آنذاك الشيخ نعيم حسن كلمة موجزة وشهادة معبرة، ثم أم الصلاة ووري الجسد الثرى من قبل الأقرباء وأهالي البلدة.
بعد معرفتي المتواضعة بسماحة الشيخ إكتشفت أنه يملك الصفات المعروفية الأصيلة أبرزها:
أ- اهتمامه بتكريس الطاقة للآخرين.
ب- التعاطف مع أصحاب الحق والمستضعفين.
ت- صاحب القيم الأخلاقية العالية والمبادئ الثابتة.
ث- الشعور الدائم بالرضى والتسليم بالرغم من خسارته لوالده في عزّ الحاجة له، وخسارته ولده في ريعان شبابه والسعادة المطلقة لإمتحان الله عز وجل له، إيماناً منه بالمبدأ القائل: "إذا أحب الله المؤمن ابتلاه".
ج - الشخصية القيادية، فكيف لا وهو قائد تاريخي متميز في العشيرة المعروفية العريقة ولتاريخ الساعة أثبت إنه يمثل العشيرة المعروفية بأفضل تمثيل.
ح - الإيمان بأن القادم أفضل، فبالرغم من الهجوم الممنهج عليه من الأطياف السياسية الّا أنه لم يسمح لي ولا لكل من المقربين منه الإساءة لأحد، ايماناً منه أن الحقيقة ولو طالت سوف تعرف لو بعد حين وستصبح الحياة أجمل وأفضل.
خ- العلاقات المميزة التي يملكها سماحته في الداخل مع كل الأطياف الدينية والأفرقاء المختلفين في الداخل والخارج.
آمن سماحة الشيخ بركن الثاني في التوحيد وهو حفظ الإخوان، وقدّ شرحه ونفذه بقوله "بحفظ إخوانكم يكتمل إيمانكم"، فبالنسبة لسماحته حفظ الإخوان يكون بالرأفة والمودة للأخوان والصدق في المعاملة، دون تعاطي الكذب والنفاق والحسد والحقد والبغضاء والكراهية والنميمة والغيبة، لقوله تعالى عمن يغتاب أخيه: "ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه"، فالإخوان يجب أن يكونوا كقوله تعالى: "على سرر متقابلين"، يعني سرهم كجهرهم، أو كالماء الصافي.
فبالنسبة لسماحته الدنيا جُبلت على الأكدار والمصائب والشدائد، وعندما تمرُّ بالأمة أوقات شدة، فلابد لها من أمور تقوم بها حتى تزال عنها هذه الشدة أو الأزمة، وللقلوب أهمية عظيمة عند الشدائد، فمن أهم أعمال القلوب التي يحتاج إليها الإنسان في وقت الشدة، الإنابة إلى الله وصدق الرجوع إليه، وكذلك الخوف من الله وحده، والتوكل عليه والتضرع إليه. لذلك فينبغي للموحد أن يهتم بقلبه وعقله في أوقات المحن. ونحن نمرُ ولا شك بمحنة وإن الحوادث من حولنا تُوجب علينا أن نكون أكثر بصيرةً من ذي قبل، وينبغي أن تكون قلوب الموحدين حية لأن القلب الميت لا خير في صاحبه. لا شيء بالنسبة لما سيأتي بعد الموت من الحياة الدائمة الخالدة المستقرة في الدار الآخرة، ولذلك لابد أن نُري الله من أنفسنا خيراً، ولابد أن نأخذ للأمر أهبته، وللميدان عدته حتى تتحد هذه القلوب في مواجهة الشر والكفر، وليكون الموحدون وأخوان الدين يداً واحدة أمام كل الصعوبات التي سوف يتعرضون لها في المستقبل.
كلمة بني معروف هي الكلمة الأغلى على قلب سماحته، فكلمة معروف تعني له التوحيد، المعرفة، العرفان، إيماناً منه أن التسمية هي التوحيد وقد كُنّي الموحدون بالأعراف، وأيضاً شرح المعلم الشهيد كمال بك جنبلاط كلمة بني معروف وتبين أنها تعني أصحاب الفضل والمكرمة وأصحاب المعرفة والمعروف والعرفان، فبنظره أينما وجد الموحّدون في هذه الجزيرة فهم عائلة واحدة تقاليد واحدة وقيم واحدة ولا فرق بين الموحد اللبناني، والسوري، والفلسطيني والأردني فكل الموحدين يحملون ذات العقيدة وذات القيم وذات التعلق بالأرض، وعند الموحدين تُوجد ثلاثية مقدّسة وهي: الفرض والأرض والعرض.
- الفرض: يعني الدين.
- العرض: يعني القيم والأخلاق والشرف
- الأرض: تعني الوطن والتجذر بالمكان .
فيقول سماحة شيخ العقل الدكتور سامي أبي المنى، لا يوجد شخص عند بني معروف الّا ويملك هذه الخصال فمتى فقد أحد أبناء الطائفة أي مبدأ من هذه الثلاثية، لا يمكن إعتباره من بني معروف. لأن المعروفي الأصيل لا يحيا دون دفاعه عن الفرض والعرض والأرض، فبنو معروف هم مؤسسو لبنان الوسيط مع الأسرة التنوخية. بنو معروف هم مؤسسو التاريخ الحديث مع الأمير فخر الدين، بنو معروف هم من حققّوا إستقلال لبنان مع الأمير مجيد أرسلان، بنو معروف هم من دافعوا بدمهم ليبقى لبنان سيد حر مستقل مع سيد الشهداء ومعلمهم الشهيد كمال بك جنبلاط، بنو معروف هم من دافعوا عن أرض الجبل واجتياح العدو الصهيوني ومحاولة الغاء الموحدين في الجبل مع وليد بك جنبلاط.
وأنا أضيف على كلام سماحته، أن بني معروف هم الذي ظهر بينهم شيخ تحسدنا عليه كل الطوائف اللبنانية فحتما لن يكرر التاريخ شيخاً بعلمه وثقافته وتضحياته.
ملاحظة: جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ويمنع إعادة نشرها أو صياغتها مرّة ثانية دون استشارة صاحب العلاقة مباشرة.
*الآراء والأفكار تعبر عن وجهة نظر الكاتب، والموقع لا يتبنى اي رأي او موقف.