تاريخ المؤسسات التوحيدية - مستشفى الوطني - عاليه - الجزء الرابع

الشيخ مكرم المصري - 11 - 2- 2023 


*  مقدمة عامة
تعتبر المستشفى مؤسسة للرعاية الصحية التي توفر العلاج للمرضى من قبل طاقم طبي وتمريض متخصص ومعدات طبية. وأفضل أنواع المستشفيات المعروفة هو المستشفى العام، الذي يوجد به عادة قسم للطوارئ لمعالجة المشاكل الصحية العاجلة التي تتراوح بين ضحايا الحريق والحوادث إلى النوبة القلبية. عادةً ما يتم تمويل المستشفيات من قبل القطاع العام، أو المؤسسات الصحية سواء ربحية أو غير ربحية، أو شركات التأمين الصحي، أو المؤسسات الخيرية، بما في ذلك التبرعات الخيرية المباشرة. تاريخيًا، غالبًا ما تم تأسيس المستشفيات وتمويلها بموجب أوامر دينية، أو من قبل أفراد وقادة خيرين.

*  نشأة مستشفى الوطني عاليه
بعد استشهاد المعلم كمال جنبلاط وفي بداية الأزمة اللبنانية، كان لا بدّ من بناء مستوصف أو مستشفى في مدينة عاليه بهدف معالجة جرحى الحرب وتقديم الإسعافات الأولية لهم، كذلك إجراء عمليات جراحية لأبناء عاليه والشحار الغربي والجرد بعد أن أدّت الحرب المشؤومة لقطع الطرق والمواصلات عن مستشفيات العاصمة.
إنطلق العمل الفعلي بمستشفى الوطني في العام ١٩٧٩، وقد دشّنها الزعيم الوطني وليد بك جنبلاط بحضور جماهيري ضخم بينهم عدد كبير من المشايخ الأجلاء يتقدمهم الشيخ أبومحمد صالح العندراي، والشيخ أبو ريدان يوسف شهيب.

*  مالكي مستشفى الوطني
ما يميّز مستشفى الوطني عاليه بملكيتها عن غيرها من المؤسسات التوحيدية أنها مؤسسة يطلق عليها إسم ش.م.ل. بمعنى شركة مساهمة لبنانية، يملكها عدد من الشركاء منهم رجال دين وزمنيين خيرين ولكن الحصة الأكبر بمعدل واحد وخمسين بالمئة يملكها وليد بك جنبلاط.

*  مستشفى الوطني خلال الأزمة اللبنانية
خلال الأزمة اللبنانية إنتقلت المستشفى من مقرّها إلى عدة أماكن داخل عاليه لهدف واحد وهو الإستمرارية في تقديم الخدمات الطبية لأبناء الجبل وبسبب موقعها الإستراتيجي المواجهة للعاصمة بيروت كانت في موقع الهدف للقصف وقدّ دمّرت بعد اجتياح العدو الصهيوني للجبل، ولأنها كانت من أهم المستشفيات في تلك المرحلة لا بلّ يصح القول إنها في البدايات كانت المستشفى الوحيدة. وضماناً للإستمرارية أضطر القيّمون على ادارتها ومالكوها لإغلاقها في عاليه وإعادة إفتتاحها في بلدة بحمدون طريق الشام بجانب اوتستراد الإمباسدور أوتيل الشيرتون القديم.
طيلة فترة الأزمة اللبنانية قدمت مستشفى الوطني الخدمات الطبية لمنطقة الشحار ورشميا والجرد والمتن وعاليه، وكانت المستشفى تقدم الخدمات الطبية الشبه المجانية أو بطريقة أصح على نفقة الحزب التقدمي الإشتراكي ووليد بك جنبلاط. وكانت المستشفى عبارة عن خمسة وعشرين سريراً مجهزة لإستقبال المرضى. وبالحديث مع الدكتور عصمت الريّس مدير عام المستشفى قال: في الكثير من الأحيان وعندما تشتدّ المعارك كان الأطباء يعالجون الجرحى في الممرات الداخلية للمستشفى على أسرّة خاصة منزلية، المهم معالجة المرضى وعدم تركهم يموتون على الطريق بسبب انتقالهم لمستشفى أخر ليتلقوا العلاج.

*  روايات حصلت في مستشفى الوطني خلال الأزمة اللبنانية

هناك الآلاف من الروايات التي كانت تحصل داخل هذه المستشفى سأذكر عدد منها لأخذ العبرة ولكي نعرف تضحيات هذه المؤسسات لخدمة الطائفة والمنطقة.

أ- السيرة الحزينة: 

حصلت مع المرحوم الشيخ الفاضل أبو كمال نايف أبي المنى، فبعد إنتهائه من واجبه الديني بإقامة صلاة الجنازة في بلدة مجدلبعنا (قبل موعد الدفن احتساباً للقصف المتوقَّع)، وعند ذهابه إلى السيارة سقط عدد من القذائف على البلدة وقد أصابته شظية صغيرة اخترقت قلبه فهرع الأخوان به ونقلوه الى مستشفى الوطني في بحمدون وقد استنفر الكادر الطبي لمحاولة نجدته ولكن دون جدوى فقد فارق الحياة وهو شهيد لأهل الدين والطائفة، وفي هذا اليوم تحديداً بلغ عدد الجرحى اعداداً قياسية لدرجة كانت الممرات الداخلية للمستشفى ممتلئة بالجرحى والدماء منتشرة في كل أرجاء المستشفى وقد قدم الكادر الطبي كل الوسائل لإنقاذ الجرحى. استشهد في هذا اليوم نتيجة القصف ستة أشخاص اثنين في قبيع واثنين على مفرق مزرعة الشوف وإثنين في مجدلبعنا، وكان المرحوم الشيخ أبو كمال نايف أبو المنى من بين هولاء الشهداء الذين سقوا الأرض من دمائهم لكي نحيا ونعيش بكرامة (هو والد سماحة شيخ العقل الشيخ د. سامي أبي المنى).

ب- السيرة المفرحة: 

حصلت مع والدي في العام ١٩٨٥ عند عودته من الشوف باتجاه المتن شعر بألم حاد في بطنه. ولكنه أصرّ وتابع سيره في السيارة وكنت برفقته أنا ووالدتي. وعندما وصلنا الى بلدة العزونية لم يعد باستطاعته القيادة وفقد وعيه، ومن حظنا صادف مرور أحد أقاربنا في تلك البلدة فساعدنا بنقل والدي الى المستشفى وكانت الأقرب لنا مستشفى الوطني. لن أنسى ذلك اليوم كانت المستشفى ممتلئة بالجرحى والمرضى، وعندما شاهد الممرضون والدي بهذه الحالة سارعوا لمعاينته وأدخلوه قسم الأشعة لتصويره وأتذكر يومها وجه الدكتور مالك عابد عندما قال لنا السيد غسان إنفجرت الزايدة في امعائه وجسمه متسمم بنسبة خمسة وسبعين بالمئة وحالته حرجة وبحاجة لدم، في تلك اللحظة اسودت الدنيا في وجهنا، ولكن نخوة أبناء المنطقة تحركت فبلحظات تأمن الدم وأجريت العملية وكلّلت بالنجاح.

*  
التضحيات التي قدمتها مستشفى الوطني خلال الأزمة اللبنانية
قدمت مستشفى الوطني الكثير من التضحيات والشهداء خلال الأزمة اللبنانية وعلى رأسهم شهيد الواجب الدكتور سعيد جابر وعدد كبير من الممرضين الذين استشهدوا أثناء تأديتهم للواجب. وكذلك قدمت المستشفى مبناها الدرع الأساسي لحماية المرضى وبقي شاهداً على تلك الأحداث المشؤومة.

*  مستشفى الوطني بعد الأزمة اللبنانية
بعد الأزمة اللبنانية أعيد ترميم مستشفى الوطني في عاليه بدعم من وليد بك جنبلاط مباشرةً، وكان الهدف من إعادة افتتاحها خدماتياً بحت لخدمة أبناء الجبل بتوجيهات من وليد بك.

وفي هذا السياق ، يقول مديرها الدكتور عصمت الريس: "المريض عندما يصل الى المستشفى لا يسألونه عن دفع مقدم أو فتح ملف أو غيرها من الإجراءات، فالهدف الأول تأمين العلاج اللازم له وفي حال الأزمات الشديدة لدى المريض وعدم قدرة المستشفى على معالجته يقدمون له العلاج المؤقت ويحوّلونه الى مستشفى عين وزين والذي يعتبر المستشفى المحوري ليكمل علاجه هناك".
كان الهدف الأساسي لإدارة المستشفى تطويرها وتكبيرها ولكن الأزمة الاقتصادية حالت دون ذلك ولكن الفكرة ما زالت موجودة. تستعد مستشفى الوطني اليوم لإستقبال ٢٤ مريض في كافة أقسامها يومياً، تجري تقريباً ٨٠٠ عملية جراحية على مدار السنة، وعدد دخول المرضى قرابة ١٢٠٠ مريض سنوياً إلى جانب خدمات الطوارئ والأشعة. بالإضافة لعمليات جراحة العيون، والولادات، وجراحة العظم الى جانب عدد من الجراحات المختلفة الأخرى، وللتنويه عندما أجرت وزارة الصحة دورة لتنظيم المستشفيات مرّت مستشفى الوطني بخمسة مراحل بنجاح. وتحاول الهيئة الإدارية والطبية والمالكون من العمل بجهد لتطوير المستشفى ليتمكنوا من أن يطوروا الهيئة الطبية أكثر، والمستشفى بحاجة اليوم الى دعم من الناحية الطبية فهم بحاجة للأدوية التي يتم شراؤها على سعر صرف الدولار والتي تعتبر غالية الثمن والتي ترهق المستشفى مثلما ترهق المرضى.
تعتبر مستشفى الوطني الأقدم في منطقة عاليه والغرب وقد عانت هذه المستشفى الكثير بعد نقلها من بحمدون الى عاليه من الناحية المادية، فيوجد في مستشفى الوطني طابق خالي من المعدات الطبية ينتظر الدعم المادي لتحويله الى مركز لغسيل الكلى، لأن المصابين من أبناء عاليه والشحار الذين يبلغ عددهم حوالي مئتي مريض بحسب الإحصاء الذي اجراه الدكتور عصمت الريّس لم يعد بمقدورهم الذهاب ثلاثة مرات بالاسبوع الى مستشفى عين وزين أو إلى مستشفى الجبل أو مستشفيات العاصمة ليتلقوا هذه الخدمة الطبية بعد الإرتفاع الجنوني لأسعار المحروقات قائلاً: "أتأمل من القيمين والخيرين دعم هذه المستشفى لإنشاء قسم غسيل كلى فيها".

يتبع في الجزء الخامس مستشفى الشحار الغربي (قبرشمون).


٨- المصادر والمراجع


Brockliss, Lawrence, and Colin Jones. "The Hospital in the Enlightenment," in The Medical World of Early Modern France (Oxford UP, 1997), pp. 671–729; covers France 1650–1800

Chaney, Edward (2000),"'Philanthropy in Italy': English Observations on Italian Hospitals 1545–1789", in: The Evolution of the Grand Tour: Anglo-Italian Cultural Relations since the Renaissance, 2nd ed. London, Routledge, 2000.

Connor, J. T. H. "Hospital History in Canada and the United States," Canadian Bulletin of Medical History, 1990, Vol. 7 Issue 1, pp 93–104

Crawford, D.S. Bibliography of Histories of Canadian hospitals and schools of nursing.

Gorsky, Martin. "The British National Health Service 1948–2008:

مقابلات شخصية


مقابلة أجريت مع مدير العام لمستشفى الوطني عاليه الدكتور عصمت الريّس بتاريخ 19-1-2023.


مقابلة أجريت مع الشيخ كمال أبي المنى نجل المرحوم الشيخ أبو كمال نايف ابي المنى بتاريخ 5-1-2023.


مقابلة أجريت مع السيد غسان المصري بتاريخ 22- 1-2023.