ايمان أبو شاهين يوسف - 5 - 9- 2023
"قُل لاّ أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلاّ ما شاء الّله، ولو كنت أعلم الغيبَ لاستكثرتُ مِنَ الخيرِ وما مسني السُّوء إنّ أنا إلاّ نذيرٌ وبشيرٌ لِقومٍ يؤمنون". (سورة الأعراف)
هذا هو لسان حال الأستاذ عارف النكدي الذي كان دائما يسعى للخير ويعمل بمحبة وغيرة على كرامة الناس وتأمين النفع والسعادة لهم. مع تأمين كلّ ما يحبّه الله ويرضى عليه من قول ومن فعل.
بَذَلَ عارف النكدي الاحسان، وساعدَ العاجز والضعيف، وانفق على المحتاج الذي انقطعت به السبل. كذلك تصدّق على الفقير والمعتاز لأنه يؤمن بعمل الخير وبقوله تعالى: "وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم."
ومن اهم اعماله: البرّ والخير وكفالة اليتيم، إذ يقول رسول الله صلّ الله عليه وسلّم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا".
وأيضا إدخال الطمأنينة والسرور الى قلوب العباد، وخاصة الايتام لأنها من اعمال الخير العظيمة. ومن الطرق لذلك توفير المأوى والتعليم والطعام والشراب واللباس لمن ليس له سبيل لذلك..
حيث تقول الحكمة: "إن في قضاء حوائج الناس لذّة لا يعرفها إلاّ من جرّبها". فافعل الخير فإنك لا تدري أي حسنة تدخلك الجنة.
لهذا أطلق عارف النكدي نداءً الى الدروز خلال عام 1939 م. في كلٍّ من لبنان وسوريا وأولئك الذين هاجروا الى جميع بلدان العالم. ودعاهم الى المساهمة ماليّاً لإنشاء دار للأيتام.
تجاوب الجميع مع النداء وجاءت التبرعات التي كانت كافية لاستئجار منزل صغير في بيروت يمكنه استيعاب عدد قليل من الاولاد. بدأ العمل فعليا فيه عام 1940-1941.
مع زيادة عدد الايتام والهبات بات توسيع المكان ضروري فتمّ استئجار عدد من المباني وشراء قطعة ارض لبناء مبنى جديد خاص بالأيتام. ووقّع عارف النكدي عقداً مع خدمات الرعاية الاجتماعية التي عرضت ثلث الأموال وتولّى عارف النكدي مسؤولية توفير الثلثين المتبقيين من خلال وضع ممتلكاته الخاصة كضمان لقرض مصرفي..
في العام 1968 تمّ افتتاح دار الايتام في عبيه وبعد فترة قصيرة تمّ شراء المنازل القريبة لاستيعاب العدد المتزايد من الايتام حيث وصل في وقت واحد الى 1000 طفل. هذا ما دعا بإلحاح الى القيام بالعديد من الإنجازات:
- تجهيز المبنى الرئيسي بجميع الأدوات اللازمة للاحتماء والملابس وتعليم الايتام.
- شراء مبنى مجاور وتطوير الجزء الأول منه حتى يكون جاهزا للسكن وتعليم الأطفال.
- بناء مبنى للمكتبة.
- الاعداد لإنشاء مدرسة فنية عن طريق شراء قطعة ارض يتم البناء عليها.
واستمر عارف النكدي في تأسيس وتجديد وتطوير بيت اليتيم الدرزي حتى وفاته في 23 اذار 1975. ثمّ ذهب الى ربه راضي الضمير مرتاح البال على الطائفة الدرزية التي تشكو الفقر في مؤسسات الخدمات الاجتماعية والرعاية الإنسانية، خصوصا على مستوى العجزة والأطفال. وكان مرتاحا في موته لأنه زرع اول بذرة من بذار الخير وبنى صرحا كانت الطائفة ولا تزال في امس الحاجة له. وقد استطاع ذلك بفضل المحسنين الذين تعاونوا معه آنذاك. كما استمروا في تقديم المساهمات بعد ان استلم المهمة شكيب النكدي ومن بعده أنور النكدي.
دار الايتام هذا لم يقتصر دوره على إيواء وتعليم الايتام والمعوزين من الأطفال. بل فتح ابوابه خلال حرب السنتين 1975-1976 امام عدد من المتضررين ورحب ببقائهم في عبية. مع استمرار التعليم في الوقت التي أقفلت فيه جميع المؤسسات التعليمية في لبنان.
خلال الاجتياح الإسرائيلي واحداث 1982- 1983 عاش بيت اليتيم الدرزي اصعب مرحلة من تاريخ تأسيسه مما دفع بالأستاذ شكيب النكدي في عام 1983 الى طلب المساعدة من دار الايتام الإسلامية لإيواء بعض الطلاب مؤقتا. ومن خلال هذا الاجراء استطاع بيت اليتيم الاستمرار وتأمين المأوى والصرح التعليمي لألاف الايتام.
وفي احداث 1989 رحب بيت اليتيم ببعض العائلات النازحة في منتصف السبعينات وقدم لهم مأوى امنا.
استطاع شكيب النكدي من انجاز ما يلي:
- استعادة الثقة في دار بيت اليتيم الدرزي وترسيخها.
-استكمال المبنى المجاور الذي اشتراه المرحوم عارف النكدي وتجهيزه.
- إتمام المدرسة المهنية.
- ترميم المبنى الرئيسي بعد ان تعرّض للضرر في الفترة الممتدة بين 1982- 1983.
- إنجاز جميع الاعمال تقريبا في مدرسة شكيب النكدي النموذجية.
- نشر الإرث الفكري للراحل عارف النكدي وتعزيز القيم الدرزية التي تؤمن بالأخلاق والإنسانية.
هذه المرحلة كانت من اصعب المراحل التي مرت على بيت اليتم الدرزي.
مع وفاة شكيب النكدي في 15 شباط 1991 بدأت مرحلة مجلس الأمناء التي يرأسها انور النكدي.
في هذه المرحلة التي لا تزال مستمرة الى الان تحقق العديد من الإنجازات ومنها:
- استكمال مدرسة شكيب النكدي النموذجية.
- بناء قاعة مسرح للأنشطة الترفيهية في دار الايتام.
- استكمال مبنى يشمل شقق للإيجار لتأمين مدخول لدار الايتام.
- تشييد المبنى المجاور للمبنى الرئيسي الذي يجسد مهاجع الطلاب.
- انشاء مكتبة عامة وتجهيزها بالكتب.
- انشاء ملعب شتوي.
- تجهيز عيادة اسنان وتجديد المستوصف.
- تجديد وتجهيز جناح خاص لرياض الأطفال.
- تطوير التعليم من خلال انهاء العمل في تحضير المختبرات.
ولأن بيت اليتيم هو المؤسسة الوحيدة التي تقوم بهذه المهام ضمن الطائفة الدرزية، فإن وجودها ضروري جداً، والطائفة بأمس الحاجة اليه. حتى انه وبسبب عدم وجود ملاذ للكثير من العائلات المحتاجة، فقد فتح بيت اليتيم ابوابه لاستقبالهم في وقت الضيق. كما ما زال يستضيف النساء الارامل التي لا معيل لها ولا لأولادها فيؤمن لهم المأوى والمأكل والتعليم والملبس كما يساعد الام بالبقاء والقيام بخدمة تجيدها مقابل تعليم ابنائها وراتب رمزي تؤمن لهم منه بعض الحاجات.
ويعاني بيت اليتيم كما يعاني كل الوطن حاليا من ازمة مالية حادة لا تسمح له بالإنفاق المريح. لهذا نجده لا يقدم الخدمات بالمستوى الجيد وخصوصا الطعام.
كما يتمسك بأعضاء إدارة تقليدية لا تستطيع مواكبة التحديث والتطور.
وأيضا يتعاقد مع بعض من الاساتذة غير المهيئين لهذا الدور البنائي والتربوي فنجدهم ينحدرون بسلوكيات اقل ما يقال عنها غير إنسانية وغير أخلاقية وقد تصل أحيانا الى حدّ الجريمة وهذا طبعا يعود تحديده للقضاء.
وبسبب انسانيتها العالية تعطي ادارة بيت اليتيم الارامل، بعض المسؤوليات في متابعة الطلاب الايتام. ولأنهن غير مؤهلين ويعانين من مشكلات عديدة فإنهن يتصرفن بنعف أحيانا مع هؤلاء الطلاب. لذا نطلب عدم تكليفهن بهذه المهام وحصر أعمالهن بأماكن بعيدة عن الطلاب.
امّا ما نتمناه لهذا الصرح هو الصمود والبقاء على عهد مؤسسه الأستاذ عارف النكدي والغيارى من المحسنين الذين أرادوا انتشال ايتام هذه الطائفة وفئاتها الضعيفة من بؤر الجهل والذل والعوز والسير بهم الى الحرية والسعادة والتقدم.
فلا يجوز ان نسمح للسفلة والفسقة والاشرار الضالين الذين الحقوا الضرر الجسدي والمعنوي ببعض من الايتام المساكين بأن يكونوا سببا لخراب هذه المؤسسة العريقة التي خرّجت الاف الطلاب الايتام والمعوزين واوصلتهم الى مستوى معيشي واجتماعي لائق. كما خلّصتهم من البؤس والضعف والعوز.
وعليه يجب:
اولاً: معاقبة من الحق الضرر بالطلاب وبسمعة المؤسسة.
ثانياً: يجب تنظيم العمل داخل المؤسسة وعدم توظيف من لا أهلية له حتى لا يعطي النتيجة العكسية من هدف المؤسسة.
ثالثا: تطوير الإدارة وابدال أعضائها بطاقات شابة تماشي التطور العلمي والتكنولوجي وتغيّر عقلية الشباب.
رابعا: إحالة المعتدين على الطلاب الى القضاء لينالوا الجزاء اللازم.
خامسا: الاستعانة بمشرف اجتماعي ونفسي لمساعد الطلاب للإفصاح عن مشاكلهم ومعاناتهم.
سادسا: خلق نشاطات تربوية وتثقيفية لمساعدة الطلاب عل الثقة بأنفسهم وتوكيد ذاتهم.
سابعا: الرقابة الفاعلة والمستمرة من السلطات صاحبة الصلاحية.
ثامنا: تشكيل لجنة مالية خاضعة للرقابة المالية للدولة للحفاظ على أموال المتبرعين وصرفها بحسب جدول الموازنة.
وأخيرا نشكر كلّ من تابع واهتم بالإعلان والأعلام عما حدث او قد يحدث في هذه المؤسسة او غيرها من مؤسسات رعاية واعمال خيرية، بسبب الفوضى التي يعيشها لبنان والتي تنسحب على كل بيت وكل فرد.
ولن ننسى ان نؤكد ان بيت اليتيم الدرزي هو حاجة ورحمة لهذه الطائفة.
المراجع
- مقالات من صفحات الكترونية.
- النهار 3-8-23
- ديلي ليبانون 2– 8 –23
- موقع بيت اليتيم الدرزي الالكتروني.
*الآراء والأفكار تعبر عن وجهة نظر الكاتب، والموقع لا يتبنى اي رأي او موقف.