سهيل حاطوم - 21-10-2021
حظيت بلدة قنوات في جبل العرب أو "كاناثا " كما كانت تسمى في العصر الروماني بمكانة هامة خلال العصور التاريخية المختلفة بدءا من إنسان ما قبل التاريخ الذي ترك فيها آثاره الصوانية على ضفة الوادي المار بها ، وصولا إلى العصور النبطية الرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية.
ويشير الباحث في تاريخ المنطقة /حسن حاطوم /إلى أن قنوات كانت مدينة هامة جدا خاصة أيام الرومان الذين جعلوها منذ العام 60 قبل الميلاد إحدى أهم المدن العشر "الديكابوليس " وهو تحالف روماني أنشأه الإمبراطور "بامبي" وكان يجمع عددا من المدن التجارية التي تقع على أطراف الإمبراطورية الرومانية في سورية وفلسطين وهي " فيلادلفيا وعمان وجرش وإربد وأم قيس ودرعا وبيت راس ونابلس والحصن ، واعتبرت في ذلك الوقت محطة تجارية هامة على طريق دمشق-بصرى، وعرفت في القرن الأول الميلادي تطورا مهما في مجال الزراعة.
كما تم تصنيفها كواحدة من أهم عشر مناطق رومانية أثرية في العالم، وسكت النقود البرونزية باسمها "كاناثا " ، وشغلت في العصر البيزنطي مركزا أسقفيا ارتبط بانطاكية، وشكلت مركزا مهما للحج المسيحي إلى جانب مدينة السويداء.
وتعتبر آثار بلدة قنوات بحسب الباحث /حاطوم /من أعظم آثار منطقة جبل العرب جنوبي سورية وأغناها زخرفة ،حيث تروي أساطير لتاريخ عريق ما جعل منها متحفا أثريا طبيعيا في الهواء الطلق.
ومن أبرز آثار قنوات وأوابدها التاريخية الخالدة، خمسة معابد تعد الأجمل في المنطقة وتشمل معبد "زيوس " أو إله السموات الذي يقع في أعلى المدينة العليا "الاكروبول " ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الأول قبل الميلاد وكان مخصصا لكبير الآلهة وعثر فيه على قناة مائية وغرف معمارية ويتكون من ثلاث مصاطب محفورة في الأرض الصخرية ، ومعبد "هليوس " الذي كرس لعبادة إله الشمس وكانت له ستة أعمدة في واجهة مدخله وهي ذات تيجان زينت بأكاليل من أوراق " الأكانت " ذات الطراز الكورنثي، ومعبد "أثينا اللات " أو آلهة الحكمة ويقع ضمن مجمع الكنائس المعروفة بالسراي، حيث يعود تاريخ بناء هذين المعبدين إلى القرن الثاني الميلادي، ومعبد آلهة المياه الذي يقع ضمن وادي قنوات إلى الشرق من سور البلدة القديمة وخصص لعبادة آلهة المياه، ومعبد "الأوديون " وهو مسرح صغير الحجم يقع على الضفة الشرقية للوادي وإلى الشمال من معبد آلهة المياه وبقي منه تسع درجات بعضها محور في الصخر ، و يعود تاريخ بناء هذين المعبدين إلى النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي.
ومن الآثار الهامة في بلدة قنوات، السرايا الأثرية التي تعد أوسع آثار البلدة وأمنعها وأحد أبرز الشواهد الأثرية الماثلة إلى يومنا هذا ، والتي مازال ارتفاع واجهتها الأصلية كما كان عليه في العصور القديمة، حيث تضم معبدا من العصر الروماني يعود إلى القرن الثاني الميلادي وأقيمت فيه كنيسة في القرن الرابع الميلادي، ثم شيدت كنيسة أكبر في القرنين الرابع والخامس الميلاديين إلى الخلف منها مع قاعة أمامية وقاعة استقبال كبرى.
ويقع مدخل هذا المجمع الأثري المهم في الواجهة الغربية ،حيث ينفتح على ساحة مبلطة واسعة تنحصر بين أبواب المدينة الأثرية القديمة والسرايا التي يبلغ ارتفاع واجهتها نحو طابقين وفيها بوابة كبيرة عالية وعلى جانبيها بوابتان أصغر منها، وخلف البوابة كان هناك معبد يتجه نحو الشمال وبقيت منه " حنية قدس الأقداس" وتحوي ثلاثة محاريب وغرفتين جانبيتن بالإضافة إلى بوابة المعبد مع أعمدتها الكورانثية الأربعة والزوايا التابعة لها ،فيما بقي من الكنيسة التي أقيمت وسط المعبد واجهتها الغربية الجميلة ونوافذ حنينتها من الشرق.
ومن أبرز آثار قنوات أيضا خزان المياه الأثري الكبير "الصهريج" الذي يقع إلى الجنوب الغربي من السرايا ويعود تاريخ بنائه إلى نحو 1500 سنة، ويتميز بجدرانه التي صنعت بإتقان من الحجر البازلتي والفخار، ويضم 18 قوسا حجريا متتاليا تزين الخزان المائي الذي يوزع الماء إلى أنحاء المدينة كافة بطريقة الأواني المستطرقة، وهو عبارة عن بناء مستطيل الشكل بعمق حوالي سبعة أمتار ومقسم إلى سبعة معازب بواسطة ستة صفوف من الركائز من البازلت تحمل الأقواس الحجرية .
كما تشكل الحمامات الأثرية في قنوات شاهدا معماريا فريدا على حضارة المنطقة وأنموذجا مصغرا عن الحمامات الرومانية في كل من مدينتي شهبا وبصرى الأثريتين، وهي مكونة من عدة أبنية جرى تنفيذها وفق الطراز الإمبراطوري الروماني في النصف الأول من القرن الميلادي الثاني، وكانت تتسع لنحو 500 شخص ، وتتألف من عدد من الأقسام والمشالح والقاعات التي تمتاز كل منها عن الأخرى باختلاف درجة الحرارة، بحيث كان رواد الحمامات ينتقلون من القاعة الحارة إلى الدافئة لينتهي بهم المطاف في أرجاء القاعة الباردة، بالإضافة إلى وجود أحواض استحمام داخلية متعددة في كل قاعة وأحواض صغيرة للشخصيات المهمة ، مع قاعات للألعاب والمطالعة ومكتبة ومطعم وسوق تجاري وحمامات أصغر حجما منها تقع في الجهة السفلى.
وإلى الجوار من الحمامات الأثرية من جهتها الجنوبية يقع نزل أثري "فندق " يحتوي على طابقين وباحة كبيرة ،وكان يستخدم لإقامة المسافرين والحجاج القادمين لزيارة معابد وكنائس قنوات ومنطقة "سيع" الأثرية المجاورة ،حيث يعود تاريخ بنائه إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي.
الجدير ذكره أن بلدة قنوات تبعد عن مدينة السويداء بنحو سبعة كيلومترات، وتعتبر مقصدا سياحيا نظرا لجمال طبيعتها ومناخها المعتدل صيفا.