الولي العارف الشيخ ابو محمود احمد ابو شاهين
 ايمان أبوشاهين يوسف - 28- 3- 2023
"ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون "   سورة العمران¹ (103)



 بسم الله والحمدلله الذي أبدع ، وخلق فنوّع، فكان هذا الوجود من بعض ابداعه ، وكان انسان هذا الوجود من أشرف أنواعه ، بحيث أنه هو المخلوق الذي تميّز بأنه يحمل قبسا من نور ربّه ، وبأن به نسمة من الحب الأسمى ساكنة في أغوار قلبه ، وهو وحده المخلوق الذي يقوم بذلك الشوق ليرجع الى ربّه  ويلجأ اليه ، وبذلك النور ليشير الى ربه ويدل عليه .² 

وقد أنعم الله على ابن بمريم الولي العارف الشيخ ابو محمود أحمد حسين بن علي ابو شاهين ان يكون من المفلحين ، الذين نهجوا نهج التقاة الثقاة بصفاء قلب ونقاء ضميروعمل دؤوب في سبيل الخير ومساعدة الناس ، وبذر بذور الصلح والصلاح بينهم.

 الشيخ ابو محمود احمد ابو شاهين

 ولي من اولياء الموحدين في القرن التاسع عشر ، جمع الى التقى والعرفان العقل الراجح والذكاء الوقاد والسياسة الحكيمة والقيادة الواعية ، والتواضع والتسامح وبعد النظر ، والمحبة لله وللانسان والكون . فاكتسب بذلك كرامة من الله ، كما اكتسب طاعة الناس وثقتهم ومحبتهم في عصر ساد فيه ظلم الحكام وطغيانهم.³

 ولد احمد بن حسين بن علي ابو شاهين في بمريم لبيت ومعشر كان لهم في التاريخ شأنا⁴، وكان لهم بين من صنعوا التاريخ مكانا ، ولما كان الدهر بالناس دواري ، فقد فقدوا ذلك منذ ان سادت سلطة بني عثمان على الخلافة العباسية⁴  الى ان فقد لبنان من أسّس اركانه وأعلى بنيانه ، ومن كان القطب الذي كانت تدور رحى لبنان ورحاهم من حوله ونعني به الامير فخر الدين المعني الكبير⁵ .

 ولما دالت دولة الامير المعني ، خضدت شوكتهم وزالت صولتهم وكيف لا ؟ والحكم امسى في مرجعه لبني عثمان ، او لحاكم مأجور مهان ، فأبعدوا عن الساحة ولكنهم لم يخلدوا للراحة ، فراحوا يتخذون لهم دروبا غير تلك الدروب التي تشعل بين اهل البيت الفتن ، وتهلك شعبا وتقتل وطنا . 

راحوا يتخذون لهم دروب الصلاح ومجاهدة النفس ، وباتوا يدركون بأن السيادة والحكم الحقيقي هو بأن يحكم الانسان على نفسه فلا يتركها تغوي وتضلّ، وبأن يجاهد في سبيل التقدم بالحياة ، وعمل ما فيه الخير لمجتمع الناس ، فعندئذ يمتلك قلوب الناس ولا يمتلك اعناقهم ، وذلك هو السلطان الحق الذي لا يزول . 

1-القرآن اكريم – صفحة 63 – سورةالعمران- الآية  103 

2-كتاب جوهر المرآة للاديب سعيد احمد ابو شاهين صفحة 53

 3- من مقدمة الدكتور سامي مكارم لكتاب جوهر المرآة صفحة 9 

4 - * كتاب الفرج بعد الشدة تأليف القاضي ابو علي محسن بن علي التنوخي – تحقيق عبود الشلجي- ص 173 ( معين الدولة أبو الحسين عمران بن شاهين السلمي : أمير البطيحة ، ورأس الامارة الشاهينية ، شمل سلطانه جميع نواحي البطائح ، وكان مقرّه الجامدة ، ، وطالت أيامه أربعين سنة ، وتوفي سنة 369 هجري ، وكانت البطائح في أيام عمران بن شاهين وبعده ملجأ لكل خائف ومأوى لكل مطرود ، ومن جملة من لجأ اليها القادر بالله العباسي لما كان أميرا ، واستقرّ فيها منذ السنة 379 حتى بويع له بالخلافة فأصعد الى بغداد في السنة 381 ، وقبر عمراان بن شاهين بالنجف .. * كتاب الطبري الجزء الأول ص 115 – 116 ….    

 5- كتاب الامير فخر الدين المعني الكبير– منشورات الآباء اليسوعين ، الذي يركز على دور محمد آغا  بو شاهين الساعد الايمن للامير فخر الدين المعني .  

  الولي العابد والمجاهد

 ومن هذا المنطلق ، راح ابن بمريم الولي العارف الشيخ ابو محمود احمد ابو شاهين ينهج نهج الاتقياء ويعمل عمل ارباب العزيمة بصفاء ونقاء ، ويبذل النصيب الاوفر من نتاج عمله في سبيل الخير ومساعدة الناس وبذر بذور الصدق والمحبة  بينهم ، فدانت له قلوب الناس واضحى لهم المرجع والاساس. 

الشيخ ابو محمود احمد ابو شاهين  كان عابدا وكان مجاهدا ، نور الله في قلبه في كل لحظة من لحظات حياته ، وعزيمة العمل في يمينه دون أن تفتر له همة .

 كان بجعل من هذا العمل عبادة ترضي ربه ، بحيث انه لا يأخذ من نتاج عمله ورزقه الاّ الكفاف ، وما يبقى كان يبذله للخير والموعزين. وهكذا كان يترجم عمله الى عبادة ، وعبادته الى عمل يعين به أخيه الانسان لأن الله غني ّ حميد. 

الشيخ ابو محمود احمد ابو شاهين لم يكن يؤمن بالتصوف والتقوقع المنعزل عن بني الانسان في زوايا الصوامع والمناسك ، لآن الله ليس موجود هناك وحسب ، بل انه مالىء السموات والارض وما بينهما ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم . وكان يدرك بأن الحقل لمن يريد أن يبذر بذار الخير والعمل الصالح، وان في أعماق كل انسان جذوة ما أن تلفحها نسائم الخير النقيّة حتى تذكو وينبعث نورها .

 كانت تتمثل له الارادة الصالحة كحبة القمح المخزونة في اناء القلب ، فان لم يبذرها في تربة الانسان والانسانية ، تبقى حبة واحدة عوض ان تعطي المئات من الحبوب ، فيتغذى عليها الطير والانسان ، وربما ان طال مكوثها مخبؤة قد ينخرها سوس الخنوع والاهمال . 

عبادة الولي كانت ايقاظا للبّه حتى يرى ما خلق الله وابدع ، وكان عمله تجسيدا لارادة الخير وارادة الحياة ، فلا يشوب رزقه حرام ولا تدنس افعاله آثام ، وما حربه الاّ مع النفوس الامّارة بالسوء ، اذ تميل باصحابها الى حيد السبيل فيردها بالموعظة الحسنة وبالعمل الصادق الى سواء السبيل. وما حربه الا مع الشقاء والبؤس الذي يطال بمخالبه بعض الايتام والمعوزين ، ليدفع الضرّ عنهم ما استطاع لذلك سبيلا .وما حربه الا مع النفوس المتغطرسة ليطفىء نار عنجهيتها بماء الحق ، ومع النفوس الضعيفة ليوقد فيها جذوة الاباء والشعور بكرامة الذات. وما حربه الا مع تلك النفسية التي كانت سائدة بين اناس ذلك الزمان ، بحيث كانوا يرون الحاكم ولي نعمة سواء كان بهم ظالما او عادلا ، فراح يوقظها من خمودها وينهضها من همودها ، ويكشف لها عملا لا قولا ما هي قيمة الذات وما هي قوة الحق في مواقف الثبات . 

وبهذا الرجوع الكلّي الى ربه ، ليس طمعا بنعيم او خوفا من جحيم ، لكنه رجوع النبع الى مصبه ، والمخلوق العاقل الى ربه ، بهذا جعل ابّان مماته  من كان يأبى ويستكبر ونعني به الامير خليل ابي اللمع الذي تميز بالظلم والاستبداد، والذي حاول دائما ان يخضع الولي ابو محمود احمد لارادته، والولي بكل هدوئه وايمانه كان يرفض ارادة الأمير ولا يأبه له قائلا : انني لا أخشى الاّ ربي وذنبي ، ولهذا لن أخشاك مع علمي بأن في يدك سيف الانتقام ، ولكني أعلم أيضا بأن في يدي سيف الحق .

 وهكذا جعل الولي العارف ابّان وفاته هذا الامير، يخلع نعليه ويمشي حافبا أمام الجماهير المحتشدة ، خاشعا  حزينا وهو يردد : ان من كان صادقا بطاعة الله ، طاعت له عباد الله . 

والولي العارف ابو محمود احمد ابو شاهين كان المرجع الديني لكل مجالس المتن الاعلى وجواره¹، فكان يستطلع احوالهم ويستمع لشكواهم ، ومن نور ربّه الذي أضاء قلبه ونوّر عقله يرشدهم ويوجّه . 

وكان يؤكد في كل مرّة على النعمة التي أخص الله بها الانسان وميّزه بها عن غيره من المخلوقات ، وما هي هذه النعمة سوى نعمة العقل التي تفرّد بها الانسان وتمكن بواسطتها ان يعرف ربّه ،،وبها أيقظ لبّه.

 الخلوة مع النفس

 وفي مثل هذه النفس المجاهدة والخيّرة ، كان لا بد لمثل هذا التقي الورع من أن ينصرف ببعض من أوقاته الى الانفراد ، فيستعيد الى باله كل ما جرى من قوله وأعماله ، ويحاسب نفسه حسابا عسيرا، ثم  يسافر بعيدا في مركب النور للتأمل في هذا الوجود وفي قدرة وعظمة من أبدع هذا الوجود بمشيئته ، والتطلع الى الحكمة في تصاريف الحياة والتفكر في الوسائل التي قد تغيّر من طبائع الشرّ التي ما زالت تسيطر على أبناء الحياة ، ليستزيد من الشفاعة بزيادة الطاعة ويأخذ زاده لصالح العمل وصحيح العبادة  ذخيرة ترافقه.

 اذا ما لاقى ميعاده .

 لمثل هذا لم يكن من مكان يختلي به هذا الولي العارف ليناجي ربّه غير ذلك الكهف او الخلوة التي كوّنها الله بقدرته في وسط مسار شاهق يرتفع حوالي سبعين مترأ عن الارض وعلى ارتفاع خمسين متر منه يوجد الكهف  بعرض ثمانية الى عشرة امتار وعمق حوالي سبعة امتار، مع ارتفاع سقفه ثلاثة امتار. 

ولهذا الكهف من ناحية الشرق في زنّار هذا المسار طريق لا تتسع لاكثر من سبعين سنتمتر ، مملؤة باشجار الملول والسنديان مما يجعل الانسان لا يتجرأ على عبورها فوق هذا الارتفاع . 

  ومن عجب التقادير بأنه عندما صار هذا الولي يختلي بهذا الكهف لايقاظ قلبه ومناجاة ربه ، خرجت بداخله نبعة ماء يشرب منها الولي عذبا زلالا. 

وبهذا الكهف كان يعتكف الولي العارف ، يتلو الصلاة تلو الصلاة ، فتبرد نفسه الظامئة بذكر الله ،ولا يكف عن التسبيح والصلاة الاّ عندما ينسى ذاته ويذهب به الفكر بعيدا بعيدا الى حيث تنحجب تلك القدرة التي أبدعت بمشيئتها هذا الوجود وعطفت الكاف على النون  فيشهق نفسا ويقتبس قبسا من أنوار الباري العلاّم . ثمّ يظهر لعينيه الامام وأخوانه، الامام على صهوة حصان ابيض واخوانه  على صهوات خيول حمراء تتراقص من تحتهم وتهمهم  وفي سواعدهم تلمع السيوف المشرقيات.وفي هذه الحال يطلق الولي فجأة تهاليله  : صلّوا على زين البنين ..... وينهيها بما يشبه الزغردة : طلّوا طلّوا ساداتنا طلّوا...  

وبعد أن ينهي هؤلاء السادات عرضهم هذا ويهدأ هذا الثائر في عين الوجد والوجدان يراهم وقد ربطوا خيولهم الى جباب الطيّون التي تنبت في تلك السهلة واقتعدوا الارض يقرأون الفاتحة بصوت جهور يتردد صداه في كل ارجاء المكان  ثم ينصرفون .

 ومنذ ذلك الوقت صارت جباب الطيون مقصدا للامهات اذا مرض احد ابنائهم او تأخر عن النطق أو المشي  فتأخذ ابنها وابريق ماء الى ذلك المكان وتسقي الطيون ثم تدور بالولد المريض حوله  سبع دورات وهي تقرأ الفاتحة وباذنه تعالى يكتب له الشفاء .

 ¹- وثيقة مكتوبة بخط الولي مرسلة منه لعموم مجالس المتن يعظهم فيها ويرشدهم الى طريق الصلح والصلاح . وجدت بين محفوظات الشيخ بشير علي بلوط ابن علي بلوط عضو مجلس الادارة ايام العثمانيين. 

بمريم  - القرية التي ولد وعاش فيها الولي العارف

بمريم الاسم

 تحمل بمريم اسم العذارى ، تجسيدا لجمال طبيعتها ، وروعة امتزاج اللوحات الالهية فيها.

 يتألف اسم بمريم من "باء و مريم "، هذا الاسم المركب من مقطعين ، ينطق عن نفسه ليخبرنا بأنه وليد شعوب دابرة وأحقاب من الدهورغابرة. تلك الشعوب التي كانت ترمز بحرف ال " ب " ، هذا الى اسم "بعل " او الى اسم " بيت ". ومن المرجح بان " ب " بمريم ترمز لاسم البعل الذي يعني الاله بلغة تلك الشعوب ويعني " الزوج " بلغة هذا الزمان ، لانه لو كانت "الباء " رمزا لاسم بيت لكانوا اضافوا اليها  "التاء" كما اضيفت لغيرها من الاسماء مثل بتدين ، بتخنيه ، بتغرين .... 

وعندما نأخذ نحن هذه الباء رمزا واختزالا لاسم " البعل " يظهر لنا القصد واضحا والذى يتفق مع طبيعة بمريم واهل بمريم ليكون " اله مريم " الذي يصبح " الزوج " بواسطة ما حلله الله ، وتكون مريم وضعت في هذا المكان سلالة مباركة ، شعارها الايمان والمحبة ، والعطاء.¹ 

بمريم المكان 

تقع بمريم في قلب وادي المتن الاعلى المعروف " بوادي لامارتين " ² في محافظة جبل لبنان – قضاء بعبدا. ترتفع عن سطح البحر ما بين 400 م و900م ، وتبعد عن بيروت 35 كم . مساحتها 1,800,000 م² تقريبا، عدد سكانها حسب سجلات النفوس 3400 نسمة تقريبا .

 حدودها : شرق بمريم يلاصق غرب حمانا ومن هناك تنحدر غربا حتى تحاذي نبع الدلبة ، ومن الشمال الشرقي تحاذي بلدة القلعة ، ومن الشمال بتخنيه ، الشمال الغربي بتبيات ومن الجنوب الخريبة.

 واد  بهاء الشمس أبدعه                     في غابرات الدهر في الامس 

وبه تقدس آي معبدها                             وبه ترصّع هيكل الشمس

 ليبوح سرّ الدهر بالهمس                     فاسمع اذا ما اسطعت للهمس

 اني المباح الى القلوب فخذ                   ما شئت مني واتق لمسي                                                              الشاعر سعيد احمد ابو شاهين

 1- من كتاب جوهر المرآة .

2-  زار لامارتين الشاعر الفرنسي لبنان عام 1832 ونزل ضيفا عند مقدمي آل مزهر في حمانا ولقوة ما اثر به مشهد هذا الوادي كتب فيه شعرا من عيون الشعر الفرنسي ومنذ ذلك الوقت اصبح يطلق على الوادي الممتد من سفوح جبل الكنيسة حتى نبع الدلبة اسم وادي لامارتين.


 قبس من اقوال الولي العارف ابو محمود احمد ابو شاهين

 - كل واحد من الناس ينظر الى الحق من خلال منظاره الخاص ، فيتصور له بأن الحق حيث يرى ، وذلك لانه يرى من خلال الانسان وليس من خلال الانسانية ، وامّا الذي لا يمكن أن ننكره هو أن لله مشيئة واحدة .

 -  قبول الخير من فاعله يبقى أشرف من الاحتيال على حصول اللقمة من بين أصابع الشيطان . 

- اذا الشرير في غقلة من الشر ، يذكر ربّه ويناجيه علينا أن نستبشر خيرا ونعلم أن لداء نفسه شفاء .

- الله شرّع القصاص لمن يأتي الخطيئة ، لكن أكمل تشريعه بالقول : لكم من القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون . 

- المولى يأمرنا ويقول: عودوا مرضاكم . 

- اذا غضب الله على قوم سلط بعضهم على بعض . واذا رضي على قوم الهمهم المحبة والعون لبعضهم بعضا ، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه . 

- الخير كل الخير بمن اذا سطع له نور الحق اهتدى واقتدى. 

- من يأخذ مالا بغير الحلال يذهب الله بماله الحلال. 

- الحلال والحرام لا يلتقيان دون أن يذهب احدهما الآخر ، ومن يدرك ذلك يدرك طيبة هذه الحياة.

- قبضة من التراب تختفي وراءها اجسادنا جمبعا ، لو كان يدري الغافلون .

- في مواقف الشدة ، حذار أن تتغلّب ظلمة النفس على نور العقل ، لأن عاطفة النفس عمياء اذا ما غاب عنها نور العقل ، وان العمى يقود الى طريق الضلال .

- ساعة الاحتضار هي التي تظهر فيها النفس على جليّتها ، لا زيف ولا رياء . 

- خطوة انحراف في اول الطريق تصبح في آخرها عشرات الأميال .

 - الانسان صائر الى جنان وارفة من النعيم اذا هو تعلّق بأهداب العقل والتعقّل ، والى مهايط الجحيم اذا غفل وترك أطماع النفس " الامّارة بالسوء"  وشهواتها تطغى على نور العقل وتحجب سناءه .

- على كلّ من به من نور العقل أن يهيب بالعقل ، كي يعي ما يحاك له في ظلمات النفوس.

- العمل الذي به خير يفوق كل خير هو ايقاع الصلح بين الناس ان هم اختلفوا على مال او حطام أو تنافسوا على زعامة او مقام .

- اذا اردت ان تكون مصلحا بين الناس عليك البدء باصلاح ضميرك ، فاذا أفلحت وأصلحت فيما بينهم يكون ذلك من رضى الله  عليكم ، وان لم تفلح تخرج وانت هادي البال مرتاح الضمير.

-الصدق ينبثق من ارادة العقل ، فتقبله النفس وتتولد منه انوارالرحمة  لتجتمع فيه خلاصة كل الدين ، فمن عمل به كان من المؤمنين المفلحين الفائزين في داري الدنيا والآخرة .

- ان من يخالف وصية الصدق بشكلها ويبقي على جوهرها بحيث يريد الخير المحض من ذلك ، هو كمن يشعل عود ثقاب ليضيء مصباحا ، فينطفىء الثقاب ليبقى المصباح مضيئا من زيت مبارك. 

- ربّ عثرة جعلها الله سببا للوصول الى الخلاص . 

- من الجميل بأن يكون لمن أحسن اليه شعور وعرفان بالجميل ، لكن الاجمل منه بأن يكون للعاطي شعورا بأن ذلك واجب ملزم عليه لا منة فيه ولا صدقة  . 

- ليس لحياة الانسان معنى ان لم يجعل لها هدفا يسعى اليه ، فتنفعه النية ويسعده تحقيق الهدف. 

- ان النفس في الانسان وليس في غيره من المخلوقات  يمكن لها ان تتأثر بتوجيه العقل، فان استجابة له يمحي النور ظلمتها ويهديها سواء السبيل .

- ايها الانسان ،لا تخشى حاكم ولا سلطان ، فانه الله من اعطانا الحياة وهو وحده الذي يأخذها وكن له تعالى من الشاكرين .

- في النفس ظلمة تتفاعل وتمتد ان تفاعلت مع ظلمة مثلها ، وتزهق وتنكشح ان جاءها فلق من نور المعرفة. 

- حتى ولو ماتت شجرة الشر والسوء فان شرّها وسوءها سيبقى مطبوع في نواة كل بذرة من بذورها الى ان ياتي من يتسلح بنور المعرفة  وسلطان المحبة والتسامح  فيضيء الطريق لمن لمعت بذاته لمعة من نورالازل  ليساعده على تبييض صفيحته : ولا يغيّر الله ما في قوم الاّ ان غيّروا ما في نفوسهم. 

- الايمان يمسك الانسان ويمنعه من الهبوط.

- من ينظر بعين الحق يفعل ما فيه الصواب. 

- من يصادق الارض ويعاملها مخلصا تشركه بخيرها وعطائها .

-  للسان الانسان الوف اللغات ولقلبه لغة واحدة وهي التي يقبلها الله متى كان نور العقل شفيعها.

- حاشا الله ان يكون ظالما ، ولكن الانسان هو من يظلم اخيه الانسان وبالتالي يظلم نفسه .

- ليس أعظم ولا أقوى ممن ينطق بالحق ولو كان على نفسه. 

  *من كتاب جوهر المرآة للاديب سعيد احمد ابو شاهين            

والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه

 ساد في تلك الحقبة من الزمن التي عاش فيها الولي العارف حكم غاشم وأيام سوداء،   وأكثر ما كان يطمح له معظم الناس انذاك هو الحصول على لقمة عيش، وكان منهم الكثير من لا يستطيع  الحصول حتى على فتات يسكت به جوعه ، فيضطر الى بذل ماء الوجه والتسول.

 باب الولي يطرق والشمس عند الاصيل ، طلب الولي من زوجته ان تنظر من في الباب ، فأجابته : سائل يريد رغيفي خبز. ففال الولي : أعطه ما طللب ، فقالت له : لم يعد يوجد في المعجن الا رغيفين والاولاد لم يتعشوا بعد . قال لها الولي : أعطه رغيفا واطعمي الاولاد رغيفا. فقامت وقد غلب عليها الحياء او الانتقام لعاطفة الامومة وأعطت السائل الرغيفين . 

جاء وقت العشاء وطلب الاولاد الطعام ، سأل الولي الشيخة : لماذا لا تطعميهم ؟

   فقالت : لم يبق عندنا خبزا فقد اعطيت السائل الرغيفين .

  فقال لها  الولي: أثابك الله خيرا .  ولا يغفل الله عن عباده .

 اما الاولاد فسدّ رمقهم ببعض الادم . 

فبل طلوع الفجر باب الولي يطرق ، وكان الطارق الشيخ ابو فارس شروف الذي كان في المطحنة على نبع الدلبة وبعد ان طحن قمحه ، خبز منه ربعية على نية الولي حتى تطرح البركة في رزقه وها هو الآن يرجو الولي ان يقبلها منه .

 بهت الولي لحظة ثم قال : مقبول  يا بعدي ، بارك الله بك وبارك في غلالك وعيالك. وبعد ان انصرف ابو فارس دخل الشيخ وايقظ زوجته قائلا : قومي يا أم محمود ، هذا فضل الله قد طرق بابنا في هذه الساعة ، ولتكن موعظة وعبرة لنا ولكل المبصرين بان الله ينعم على خلقه فيكلفهم عمل الخير لبعضهم بعضا ،والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه . 

رؤية اليقظة

كان الولي العارف قد عاهد ربه وعاهد نفسه على المجاهدة في الدين وفي العمل ، وكان لمثل هذا التقي الورع من أن ينصرف ببعض من اوقاته الى الانفراد والتأمل ومناجاة الخالق لهداية هذا المخلوق الذي وهب  العقل ليستضىء بنوره ويهتدي به الى طريق نجاته . 

لمثل هذا كان الولي يعتكف في ذلك الكهف الكائن في ذلك المسار الذي يقع في ارض له تسمى تحت الشير ، ويروح يتلو الصلاة تلو الصلاة والتسبيح تلو التسبيح ، حتى يأخذه الوجد بعيدا بعيدا الى حيث تنحجب تلك الفدرة التي ابدعت هذا الوجود بمشيئتها فيقتبس قبسا من أنوار الباري العلام ، من لا تحيط به الاوهام ، جلّ عن ادراك الانام وتعالى علوا كبيرا. 

الى هناك يأخذه الفكر ثم يعود يتأمل بما انكشف له من حال هذه الدنيا وصيرورتها من كور الى كور، ومن طور الى طور،  ومن دور الى دور ، الى أن بدأ فيها هذا المخلوق العاقل يعرف ذاته ويميّز حياته عن سائر المخلوقات . ثمّ يسبح بفكره قاطعا  امصارا ومكانا وزمانا ، فيظهر لعينيه دامس من الظلام عندما يصل بخياله لما حلّ ويحلّ بالانسان من ظلم وجور بني الانسان.  ثمّ يدفعه الضيق وتجذبه ارادة الحياة ،  فيخرج فجأة من ظلام العدم الى نور الوجود ويصرخ بما يشبه الزغردة " طلوا ، طلوا ....صلوا على زين البنين " ، حيث كان يرى بعين الوجد والشوق ألامام واخوانه ؟؟

 الامام على صهوة جواد ابيض واخوانه على صهوات خيول حمراء يصولون ويجولون في ذلك السهل اسفل المسار وفي سواعدهم سيوف يلمع حدها . وبعد أن بنتهوا ينزلزن عن خيولهم ويربطوها في جباب الطيون ثم يقعدون ويقرأون الفاتحة . 

وحدث مرة أن طلبه اليه احد مقدمي بني مزهر في حمانا ، فذهب اليه الولي . وبعد ان تبادلا التحية قال المقدم : أتعلم لماذا طلبتك ؟ قال الولي : فافطن خيرا ولا تسأل عن الخبر . 

قال المقدم :لا والله ، ليس هو بالخبر ولكنه شرّ يكاد يستطير، حيث بلغنا ممن نعتمدهم لنقل أخبار الناس الينا بأنك تجاوزت الحدّ ، وأطفحت الكيل بعظاتك وتصرفاتك التي تغرس بقلوب الناس الثقة بالنفس وتجعلهم لا يخشون بشرا مثلهم .ألا تعلم بأن عظات وتعاليم مثل هذه تدفع بالناس لشق عصا الطاعة والتمرد والعصيان .

 لقد دعوناك لنحذرك لا بل لنأمرك كي تمتنع عن هذه العظات وترجع عن هذه التصرفات  ولا تحملنا على أن نعاملك بشيء أشد قسوة من الانذار ،خصوصا وأنت تعلم بأن كلمة منا تزهق روحا. 

قال الولي: يا عالي الجناب كأنني اسمع صوتا يأتي من عالم الغيب يقول : أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فان عصيته ،فلا طاعة لي عليكم . اذن هذه هي طاعتنا فلا تكلفنا فوق استطاعتنا.

  فنحن والحمد لله لا نخشى سواه ولا نطلب الا رحمته ورضاه .

 قال المقدم : والله يا شيخنا طلبناك لكي نمنعك فجعلت في قلبنا تلتمع بوارق نور وصفاء ، ولكن هذه الزغردة وهذه الهتافات "طلّوا ، طلّوا" ، الا ترى انها أحلام يقظة ، وأنها زائدة عن المألوف؟ 

قال الولي: يا عالي الجناب دعني أسر بأذنك شيئأ . فأدنى المقدم أذنه واذا بالشيخ يهتف طلّوا ، طلوّا ، ساداتنا طلّوا . 

طبعا المقدم لم يكن بوسعه أن يراهم وقد طلّوا لأنه ينظر بعينه الشحمانية ، بينما الولي العابد كان يرى بعين الشوق والوجد والايمان .

  المراجع

- القرآن الكريم

  - كتاب جوهر المراة للأديب سعيد أحمد ابو شاهين 

- كتاب الفرج بعد الشدّة ، تأليف القاضي أبى علي المحسن بن علي التنوخي المتوفي سنة 384  تحقيق عبود الشالجي

 - كتاب الطبري الجزء الأول 

- كتاب الأمير فخر الدين المعني الكبير ، منشورات الأباء اليسوعيين 

- الوثيقة المكتوبة بيد الولي العارف ابو محمود أحمد ابو شاهين عام 1280 هجري 

 - المنحوتة الحجرية  الموجودة على حجرة الولي العارف ابو محمود احمد ابو شاهين