ايمان أبو شاهين يوسف - 3- 4 - 2023
علي ناصر الدين هو رجل من الرجال العظماء الذين مرّوا في هذه الحياة وأعطوها الكثير من الإنجازات والبطولات والعطاءات لكنّها لم تكن منصفة معهم. فهذا الرجل منذ براعم طفولته اشتعلت به جذوة المقاومة والنضال من أجل الحرية. وهو الذي ولد في بمريم – المتن الأعلى – محافظة جبل لبنان عام 1888 ، أي أيام الحكم العثماني الذي عاث فسادا وظلما في أواخر عهده. كان والده آنذاك مختارا للقرية او ما كان يسمى أيام العثمانيين مشيخة عوض المخترة. والده الشيخ محمود كان يعاني كثيرا من أوامر وطلبات الوالي العثمان التي فيها الكثير من الظلم والجور على اهل قريته، هذه المعاناة شعر بها ابنه علي منذ الطفولة فكان يكبر وتكبر معه روح المقاومة والتمرد، إضافة الى ولعه الشديد بالعلم والثقافة. في بداية شبابه قرر الالتحاق في جمعية العربية الفتاة وأخرى من مثيلاتها التي كانت سريّة ومناهضة للدولة العثمانية وذلك قبل الحرب العالمية الأولى عام 1914.
شارك علي ناصر الدين مع حملة الأمير فيصل ابن الحسين المدعومة من الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا لإنهاء الحكم العثماني وانشاء خلافة عربية بقيادة الشريف حسين بن علي. انتهت هذه الحملة بالسيطرة العربية على دمشق عام 1918 بعد حكم دام 400 عام.
غَدَرَ الحلفاء بالشريف حسين وكانت وعودهم كذبا ورياء وما كان دعمهم للنضال العربي بوجه العثمانيين إلّا كسبا للقوة الفائضة التي مكّنتهم من الغلبة على العثمانيين، وكانوا سرّا قد وقعوا فيما بينهم اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916 بين فرنسا وبريطانيا مع مصادقة الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام بلاد الشام وما بين النهرين بين فرنسا وبريطانيا وتوزيع تركة الخلافة العثمانية.
غَدْرُ دول الحلفاء وخداعهم هذا زرع في قلوب العرب الاحرار الكره والحظر من المستعمر الجديد، وتغذى هذا الرفض بممارسات الظلم والاضطهاد وقمع الحريات وفرض الاضاليل وكل ما يخدم مصلحة المستعمر على الشعوب العربية المستعمرة. هذا ما دعا أحرار العرب أمثال علي ناصر الدين وصديق طفولته وشبابه حسين احمد أبو شاهين الى النضال من اجل نيل الحرية وبناء وطن مستقل. تدارسوا فيما بينهما أهداف ومواد تأسيس عصبة العمل القومي التي تسعى للتحرير ونيل الاستقلال عن فرنسا.
بعد ان نضجت الفكرة في رأسيهما مختمرة أُرسلوا الدعوات الى كبار المناضلين والمفكرين في سوريا، فلسطين، الأردن والعراق، من اجل مناقشة اهداف وشروط إنشاء هذه العصبة، فحضر الكثير من المدعوين وكان منهم: جميل المدفعي ( العراق)، محمد اسعاف النشاشيبي ( فلسطين)، احسان الجابري ( سوريا)، الشيخ مصطفى الغلاييني، المؤرخ الكبير إبراهيم يزبك ، الشيخ قسطنطين بني، الأستاذ فهيم خوري، الاستاذ محمد جميل بيّهم (لبنان)وذلك عام 1934 م .
بعد ان تم التوافق على أهداف عصبة العمل القومي العربي وتسميتها وشعارها وشروط الانتساب اليها وكافة الأشياء الباقية المتعلقة بنشاطها، أُعلِن عن انشائها في مهرجان كبير أقيم في بلدة قرنايل بسبب وجود طريق معبدة اليها وساحة كبيرة في وسطها، إضافة الى وجود عدد كبير من المؤسسين من ابنائها وذلك عام 1936 أي بعد وفاة المفكر والمناضل حسين احمد أبو شاهين حيث أكمل الأستاذ علي هذا المشوار وحيدا.
شعار عصبة العمل القومي العربي هو: "لا نقول إلّا الحق، ولا نعمل إلّا الصدق، ولا نخاف إلّا الله".
أمّا هدفها وغايتها فهو: " تحرير وتوحيد الامّة العربية".
جهاد علي محمود ناصر الدين كان قصة حياة، فهو لم يستكن يوما، بل كان نضاله دائما سواء على مستوى المشاركة في المعارك الحربية او في معارك الفكر والادب، وكما شارك مع الأمير فيصل لإنهاء الخلافية العثمانية وانشاء خلافة عربية موحّدة ، كذلك شارك في معركة المجيدية التي تداعت اليها الشعوب العربية عام 1948 لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي بعد ان صدر قرار عن الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين لدولتين يهودية وعربية الامر الذي رفضه العرب وشنوا هجوما عسكريا لطرد الميليشيات اليهودية من فلسطين واعادتها الى شعبها والى الربوع العربية. الفريق اللبناني المشارك في هذه المعركة كان بقيادة الأمير مجيد أرسلان، لكن تدخل بريطانيا المباشر في هذه الحرب لحماية اليهود جعل الحملة العربية تبوء بالفشل.
على ناصرالدين المفكر والاديب قد ترك ارثا غنيا في الادب والسياسة وهو الذي أسس دار الحكمة لنشر المؤلفات القومية العربية، واسس جريدة المنبر بالاشتراك مع الأستاذ فؤاد عبد الملك، وجريدة اللواء بالاشتراك مع عبد الحميد كرامي.
حياته كانت مليئة بالنفي والسجن والتشرّد.
من اهم مؤلفاته: جنون الابطال، قضية العرب، إيمان ساعة، هكذا كنّا نكتب وغيرها الكثير الكثير.
آل ناصر الدين عائلة عريقة تعود أرومتها الى بني تنوخ* الذين قدموا الى لبنان في العصر العباسي عام 142 للهجرة وهي منتشرة في معظم الدول العربية والمناطق اللبنانية.
* تاريخ المسلمين الدروز- المركز العربي للبحوث والتوثيق ص 94 – د. صالح زهر الدين.
* أوراق لبنانية الجزء السادس حزيران 1956 ص 288 .
* منشور خاص عن علي ناصر الدين.
* كتاب جوهر المرأة للأديب سعيد احمد أبو شاهين.