د. وسام العميل - مدير مكتب حماية الملكية الفكرية - إستاذ محاضر في الجامعات اللبنانية.
11 - 8 -2021
يُعتبر النقاش حول كيفية تحقيق التوازن بين حرية الوصول إلى الأدوية وحماية الملكيَّة الفكريَّة التي يطلبها المخترعين أحد أهمّ نتائج النزاعات التجاريَّة المتعدّدة التي تقسّم الأنظمة الاقتصاديَّة ما بعد الصناعيَّة في أوروبا والولايات المتَّحدة واليابان ودول الكومنولث وباقي الدول النامية والتي لا يوجد عندها بنية تحتيَّة وتكنولوجيَّة علميَّة[1] .
تقوم أنظمة الملكيَّة الفكريَّة على منح حقوق مقيَّدة لمنع الغير من استخدامات معيَّنة لمواد محمية، والهدف العام من حمايتها هو تعزيز الحوافز المرتكزة على السوق لأصحاب المصلحة في القطاع الخاص على استثمار الموارد في استحداث المنتجات وتسويق التكنولوجيات الجديدة. وتُعتبر هذه الحوافز ذات قيمة كبيرة في استحداث التكنولوجيات الطبيَّة نظراً لكبر الموارد المالية والتقنية المطلوبة. إضافة إلى ارتفاع احتمالات الفشل حتى في مرحلة متأخرة في استحداث المنتجات، والمسائل المتعلّقة بالمسؤوليَّة القانونيَّة عن المنتجات.
إنَّ استحداث العديد من التكنولوجيات الطبيَّة هو مُكلف جداً، ولكن استنساخها رخيص نسبياً. وفي مثل هذه الحالات، لن تستطيع الشركات الاستمرار في استثمار رؤوس الأموال في استحداث المنتجات والحصول على موافقة الجهات التنظيميَّة إذا كان في مقدور منافسي هذه الشركات تقديم نسخ مماثلة لهذه المنتجات فور استحداثها[2].
[1] X. A. Fellmeth, Secrecy, Monopoly and Access to Pharmaceuticals in International Trade Law: Protection of Marketing Approval Data Under the TRIPS Agreement, in Harv.Int’l L.J.,Summer 2004,443ff.,at443****.[2]تعزيز النفاذ إلى التكنولوجيا والابتكارات الطبيَّة – المجالات المشتركة بين الصحة العامة والملكيَّة الفكريَّة والتجارة، إصدار: منظّمة الصحة العالميَّة، والمنظّمة العالميَّة للملكيَّة الفكريَّة، ومنظّمة التجارة العالميَّة، 2012، إعادة طبع مع مسرد 2013، ص53. يمكن الولوج إليها عبر الرابط التالي: http://www.who.int/phi/Trilateral_Study_Summary_arabic.pdf، آخر زيارة للموقع: 3 كانون الثاني/يناير 2018.
ولمَّا كانت حماية الملكيَّة الفكريَّة تقوم على منح حقّ منع الآخرين، فإنَّها يمكن أنْ تمنع بعض أشكال المنافسة (مثل طرح الأدوية الجنيسة في الأسواق)، وتعيق استمرار الابتكار في حال عدم وجود إعفاء لأغراض البحث مثلاً. وهدف كلّ من سياسة الملكيَّة الفكريَّة، والقوانين التي تُعبِّر عن هذه السياسة، وإدارة هذه القوانين وإنفاذها، هو مراعاة مجموعة من المصالح المشروعة وتحقيق التوازن بينها، وذلك على نحو مفيد لكلّ الأطراف يساعد على تحقيق الصالح العام عموماً.
وعوامل التوازن متنوّعة، فهي في حالة براءات الاختراع تشمل المواضيع المُستبعدة من الحماية بموجب براءة، والاستثناءات والتقييدات على حقوق براءات الاختراع، ومدة حماية البراءة، والرسوم المتوجّبة للمحافظة على البراءات للتشجيع على إسقاط البراءات غير المُستغلَّة استغلالاً كافياً في الملك العام، إضافة إلى المواضيع الخارجة عن نطاق براءات الاختراع، مثل: سياسة المنافسة[1].
في حين إنَّ التوازن المناسب يحقِّقه في الأساس واضعو السياسات والمشرِّعون الوطنيون، فإنَّ الإطار القانوني الدولي يحدِّد سياق الأنظمة الوطنية ومبادئها العامة. والإطار القانوني المتعدِّد الأطراف للملكيَّة الفكريَّة تحدِّده بصفة خاصة المعاهدات التي تديرها المنظّمة العالميَّة للملكيَّة الفكريَّة الـ (World Intellectual Property Organization WIPO)، واتفاقيَّة الجوانب المتعلقة بالتجارة من حقوق الملكيَّة الفكريَّة الـ( Agreement on Trade-Related Aspects of Intellectual Property Rights - TRIPS)، الذي يمثِّل جزءاً من نظام التجارة العالميَّة القانوني، ولذا، يتضمَّن الأحكام الموضوعيَّة لعدَّة معاهدات من معاهدات الـ (WIPO)، بما في ذلك اتفاقيَّة باريس لحماية الملكيَّة الصناعيَّة والتي اعتمدت في سنة 1883.
إنَّ كلّ اختراع يبدأ بمخترع أو أكثر، ورغم أنَّ القانون الدولي لملكيَّة الفكريَّة يغضّ الطرف عن تحديد الشخص الذي ينبغي اعتباره مخترعاً، تاركاً هذه المسألة للقوانين الوطنيَّة، وبناء على ما تقدَّم، يُعتبر كلّ شخص ساهم بتصوّر عنصر واحد على الأقل من عناصر الحماية عند منح البراءة شريكاً في الاختراع، بصرف النظر عن نسبة ما ساهم به. بخلاف طرُق علاج الإنسان والحيوان لا تُستقصى المستحضرات الصيدلانيَّة من إمكانية حصولها على براءات الاختراع[2].
وبناءً عليه، فإنَّها تتبع المسار نفسه في ترخيص براءات الاختراع مثلها مثل باقي الاختراعات. وبما أنّ استخدام الأدوية يؤثّر مباشرةً على صحَّة الإنسان والحيوان، سارعت الحكومات إلى اعتماد إجراءات تحرص على إخضاع الأدوية لاختبارات صارمة للتأكّد من صحتها وفعاليتها قبل طرحها أمام الجمهور الذي يفتقر إلى الوسائل المباشرة للتحقّق ما إذا كانت الأدوية المُستخدمة آمنة وفعّالة أو عدمه. لهذه الغاية، وضعت الحكومات بعض الإجراءات لضمان خضوع هذه المنتجات لاختبارات صارمة للسلامة والفعالية قبل وضعها في متناول الناس نظراً لتأثيرها المباشر على صحَّة الإنسان والحيوان[3]، وذلك لعدم قدرة هؤلاء على التمييز بين الأدوية، وضمان فعاليتها.
[1] تعزيز النفاذإلى التكنولوجيا والابتكارات الطبيَّة،مرجع سابق، ص54. [2] نصت الفقرة(3/أ) منالمادة(27)من اتفاقيَّةالجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكيَّة الفكريَّة (التريبس) على الآتي: "3 -يجوز ايضا للبلدان الأعضاء ان تستثني من قابلية الحصول على براءات الاختراع ما يلي: أ.طرقالتشخيص والعلاج والجراحة اللازمة المعالجةالبشر أوالحيوانات".[3] It has been evidenced at the WIPO International Conference on IP in Sofia, May 2001, that “pharmaceutical products are not considered ordinary goods. First, because the consumers are not in position to evaluate the quality, efficacy and safety of the drugs and second, because they play a significant social role, being an indispensable part of the realization of the fundamental human right – the right to health” ( B BORISSOV, Recent Developments and Challenges in the Protection of Intellectual Property Rights – Pharmaceutical and Biotechnological Inventions, WIPO International Conference on IP in Sofia, May 2001). That is the reason why the drug industry, and in particular the marketing of drugs, is very highly regulated.
وتعتمد الحكومات على سلطات تسجيل الأدوية وإجراءات الترخيص التي تُلزم مُطوّري الأدوية بعرض التجارب السريريَّة والبيانات المُرفقة، قبل الموافقة على بيعها في الأسواق، وتؤدّي هذه الخطوة الإضافية إلى تأخير تسويق هذا المُنتج أو دخوله إلى الأسواق. ولتسويق المنتجات في أكثر من بلد، ينبغي الحصول على الموافقة من البلد الذي يُرغب التسويق فيه وعرض التجارب السريرية وغيرها من البيانات أو الاختبارات والمعلومات، عند طلب السلطات الوطنيَّة المعنيَّة التي تقوم بمنح الترخيص بالتسويق على اعتبار أنَّها تمارس سلطة مُطلقة تسمح بتسويق المُنتج داخل أراضي بلدٍ معيَّن.
من هنا، برزت الحاجة إلى رخصة تسويق جديدة أو تمديد الرخصة الرئيسيّة في حال طرأ أيّ تغيير في تركيبة المُنتج، أو في حال أمكن استخدام هذا المُنتج لعلاجات أخرى أو دمجه مع أدوية أخرى. تمنَح الموافقة بالتسويق من قِبَل السلطات الوطنيَّة التي لا تسمح بتسويق المُنتج إلاَّ في البلد المحدّد من منطلق مفهوم السيادة.
من هنا، الحاجة إلى توفير ترخيص جديد بالتسويق أو تمديد الترخيص الأوَّل في حالِ إدخال أيّ تغيير على تكوين المُنتج، أو في حال أيّ استخدام مُحتمَل للمُنتج لعلاجاتٍ أخرى أو مزجهِ مع أدوية أخرى. لا تتمتّع كلّ الأدوية بالمعايير المطلوبة لحيازتها على براءات الاختراع، كالأدوية المُشابهة إلى حدٍّ كبير لغيرها من الأدوية الموجودة في السوق، أو تلك المأخوذة من عناصر بيولوجيَّة موجودة في الطبيعة والتي لا تُعتبر بالتالي قابلة للحصول على براءة اختراع[1].
وحيث إنَّ أيّ دواءٍ يتطلّب الحصول على موافقة تسويق رسمية لطرحهِ في الأسواق، وبما أنَّ مطوِر هذه المنتجات لا يُمكنه الاستفادة من براءة الاختراع، فهو غير قادر على منع الشركات المنافسة من تسويقها. بناء عليه، تكون الحماية الوحيدة المتوفرة للشركات المطوِّرة المماثلة عبر حماية البيانات المطلوبة للموافقة على التسويق والتي تولّت تطويرها وتقديمها إلى الهيئات الحكومية المعنيَّة.
وفي حال عدم توفّر هذه الحماية، سوف تكون شركات إنتاج الأدوية المثيلة قادرة على دخول السوق على أساس البيانات قبل السريريّة والسريريّة التي سبق أنْ قدّمها المطوِّر. لذلك، فهي تستفيد من البيانات كافة من دون تحمُّل أيَّة تكاليف عن الإنتاج، ما يُعدُّ انتهازًا للفرصة أو منافسة غير عادلة.
وبصورةٍ عامةٍ، تهدفُ قوانين حماية البيانات التي تفتقر إلى منح الحقوق الحصرية إلى منع الاستخدام التجاري غير العادل للبيانات السريريّة لمدةٍ محدَّدة حيثما يتمتَّع قطاع الدواء المثيل بعد ذلك بالحريَّة المُطلقة لتصنيع منتجاته بناءً على البيانات السريريّة ذاتها بافتراض أنّ الاستثمار في تطوير البيانات قد تمَّ استرجاعه قبل انقضاء مدَّة الحماية المحدَّدة، تتمتّع شركات إنتاج الأدوية المثيلة بالخيار الوحيد المتمثِّل بتكرار التجارب المنفّذة كافة من قِبل المُنتج الأصلي، وتقديم البيانات السريريّة التي تمَّ الحصول عليها. يقوم نظام الحماية على الأسُس نفسها تمامًا التي يقوم عليها فعل التقليد والممارسات الطفيلية وهو النظام الذي تتبعه بعض الدول الأوروبيَّة، الذي يركّز بصورةٍ خاصة على مبدأ عدم الإنصاف الذي لا يُعزا إلى خلق الُّلبس عند المستهلكين، أو تشويه سمعة المنافس، بل بسبب قلَّة البحث والاستثمار والإبداع الذي عُرِفَت به الشركة المنافسة.
تنص الفقرة (3) من المادة (39) من اتفاقيَّة الجوانب التجاريَّة لحقوق الملكيَّة الفكريَّة (المُشار إليها بعبارة "التريبس" أو "اتفاقيَّة الجوانب المتَّصلة بالتجارة من حقوق الملكيَّة الفكريَّة") على توفير هذه الحماية إلى البيانات غير المُفصح عنها المقدَّمة كشرط أساسي للحكومة لمنح الترخيص بتسويق دواء أو منتَج زراعي ما[2].
كما وتتضمّن عملية توفير حماية بيانات الموافقة بالتسويق بعض الحظر أو القيود فيما يتعلَّق باستخدام البيانات من قِبَل أطراف أخرى طوال مدة تطوير الدواء باعتبارها نتائج الفحوصات المنفّذة من قِبَل المطوِّر. وتحقيقًا لبلورة هذه الفكرة، قد يكون من المفيد لو أمكن تقديم مفهوم ودلالة عمليّين بتطوير الدواء والموافقة عليه.
إنَّ عملية تطوير الدواء والموافقة عليه أكثر تعقيدًا ممّا هو شائعٌ، إذ تقوم العملية بكاملها على مجموعة خطواتٍ لكلّ منها تضميناتها الخاصة، في حال أخفق أيّ دواء في الوفاء بأيٍّ خطوة حتى لو كانت الخطوة الأخيرة فإنَّه يتعذّر عليه دخول السوق. وعادةً ما يمتدّ الإطار الزمني إلى سنواتٍ عدّة، ويتطلَّب صرف ملايين الدولارات قبل الانتقال إلى المرحلة الأخيرة والوصول إلى السوق.
وحتى في هذه الحالة، فقلَّة قليلة من مجموع المركّبات التي تصل إلى هذه المرحلة تتمكّن من بلوغ رفّ الصيدلية، (ففي الولايات المتَّحدة الأميركية، أظـهرت الأرقــام الأخيرة بأنَّ تكلفة الحصول علـى المـوافقة بالتسـويق تبلغ 403 مليون دولار من المصروفات المتفرقة و802 مليون دولار من الأموال المرسمَلة بالكامل) (أي القيمة الزمنية للاستثمار)[3].
وممّا لا لُبس فيه، أنّ الموافقة بالتسويق عبارة عن عملية طويلة ومُكلفة وصارمة في آنٍ. هنا، لا بدّ من الإشارة إلى فوائد حماية البيانات الخاصة بالموافقة بالتسويق، حيث أصبحَ مبدأ الحصرية في استخدام البيانات إحدى الطرُق الرئيسيّة التي تستخدمها شركات تطوير الأدوية للاستفادة من الحماية التي تسبّبها المنافسة المتأتية عن أدوية غير مسجّلة أو غير قابلة للتسجيل والوصفات الجديدة[4].
فهي تعتمدُ على وجهات نظر منطقية وحجج عادلة تقول بأنَّه في حال استخدَمت بيانات الموافقة بالتسويق المطوِّرة من قِبَل الشركات المنافسة لها بغية الحصول على الموافقة بتسويق النسخ العادية للدواء، فإنَّه من غير المنصِف أنْ يتمّ استخدام البيانات المطوِّرة من قِبل جهات أخرى لمصلحتها الشخصيَّة. وهذا ما يخالف مجدّدًا مبدأ "حق المؤلّف في عرق جبينه".
كما تحافظ على الحجَّة الاقتصاديَّة؛ حيث تُلِحُّ على ضرورة حماية هذه البيانات لمدةٍ زمنيَّة محدّدة على الأقلّ تمامًا كالأسرار التجاريَّة لحين استرداد تكاليف إنشاء وتطوير هذه البيانات، وإلاَّ لن تكون هذه الشركات قادرة على تطوير هذه الأدوية أو حتى الحصول على الموافقة بتسويقها لأنَّ المصنّعين الآخرين سوف يكتسحون السوق بسبب تكاليف الإنتاج المنخفضة نظرًا لعدم توفُّر أيَّة مصاريف غير مباشرة للدراسات السريرية ضمن كشوفات حساباتِهم، ما يستوجب حماية الأدوية من منافسة السوق المفتوحة لبعض الوقت على الأقلّ. في هذا السياق، اتّبعت كلّ من الولايات المتَّحدة الأميركيَّة وكندا وأوروبا المسارَ المحدّد بموجب المنع المنطقي والقانوني لمصنّع الدواء المقلَّد من اعتماد بيانات الدراسات السريريّة المقدّمة من قِبَل المسجّل الأوَّل. في المقابل، ترى بعض الدول التي تُعتبَر مستوردًا للمواد المشمولة بالحماية بموجب قوانين الملكيَّة الفكريَّة بأنّ الاستناد على البيانات السريريّة للشركة المطوِّرة لأغراض الموافقة بالتسويق الممنوحة إلى المنتج العادي اللاحق، باعتبارها لا تشكّل أيّ استخدامٍ تجاريّ غير منصِف.
وهي تعتقد بأنَّ هذا الأمر يحوُل دون تبديد الموارد عند تكرار الدراسات السريريّة التي نُفِّذَت سابقًا، وحيثما تتوفر البيانات الموثوقة لدى الهيئات الحكوميّة.
كما يقطع هذا الأمر الطريق أمام تكوين مبدأ فائض المستهلك (Consumer Surplus) حيث تحتفظ جهات الاحتكار بجزءٍ منه بينما يشكّل الجزءُ الآخر خسارة الفائدة الاقتصاديَّة التي لا يمكن للمجتمع استخدامها. ومن شأن هذه المقاربة أنْ لا تسمح للمنتجات الصيدلانية بالاستفادة من أيَّة حماية من المنافسة في السوق؛ وبالتالي، تساعد في السيطرة على أسعار الأدوية الأمر الذي يؤدّي لاحقًا إلى توفير هذه الأدوية إلى الشرائح غير الميسورة ماليًا في المجتمع من دون أعباء كبيرة؛ وبالتالي، فهي تأتي بالنفع على مختلف شرائح المجتمع.
إضافة إلى ذلك، لا يُعتبَر استخدام البشر والحيوانات في التجارب المماثلة لحماية البيانات السريرية مكلفاً اقتصادياً وحسب؛ بل ومُنافٍ للأخلاق أيضًا. قد يصل الأمر أحيانًا إلى التكرار المتعمد لبؤس الكائنات الحيّة وهو أمرٌ لن يكون مطلوبًا على الإطلاق لو أمكن الاعتماد على بيانات المسجّل الأوَّل من أجل الحصول على موافقاتٍ أخرى. هل يمكنكم تصوُّرَ البشر الذين يتعرّضون لتأثيراتٍ جانبية ناشئة عن دواءٍ ما بحيث أصبحت تأثيراتُه معروفةً حاليًا لدى السلطات الصحيَّة المعنيَّة؛ حيث يكمن هدف هذه السلطات، التسبب بأقلّ قدرٍ ممكن من البؤس للمجتمع، الأمر الذي يتحقّق من خلال تقديم البيانات السريريّة.
وبالتالي، فإنَّه إذا جرى عملياً استنساخ الدراسات السريريّة لأدوية مشابهة أو مماثلة أو مطابقة من شأنه أنْ يخفِّف من مآسي الناس. هناك جانب آخر لحصرية استخدام البيانات السريريّة ونتائج الاختبارات من وجهة نظر الصحّة العامة، حيث إنَّ عدم الكشف عن هذه البيانات، يجعل التدقيق بها صعباً على الأطراف الأخرى؛ وبالتالي، فإنَّ تركَ خيار احتمال عدم دقَّة البيانات أو إنشاءها على نحوٍ يخدم شروط الترخيص بتسويق الدواء. ومن شأن الإفصاح عن البيانات السريريّة أنْ يساهمَ في توفيرها إلى المراقبين والباحثين المستقلين، ويُفسحَ المجالَ أمامهم لإعادة إجراء الاختبارات وإبداء رأيهم بدقَّة النتائج، الأمر الذي يبيّن خطورة الوضع. وقد تطرأ على بالنا الفكرة عينها ألا وهي الموافقة بالتسويق، ويجوز أنْ يُلحِق عدم الإفصاح عن البيانات السريرية ضرراً إضافياً بالمتطوّعين الخاضعين للتجارب. لذلك، فإنّ الحرصَ على تقليلِ الضرر قد يؤدّي إلى تفاقمه، ما يُنذِر بتفاقمِ الوضع الذي قد يتسبّب، في حالِ ازداد الوضعُ سوءًا، في منع اكتشاف التأثيرات المعاكسة وبروز الموانع، الخ ... وهو ما يشكّل ركيزة أساسية لنظام ترخيص الدواء، ويبدو واضحًا الاهتمام الكبير الذي يُبديه الجمهور بالبيانات المتعلقة بالموافقة بالتسويق[5] .
[1] في الواقع، تُجيز براءة الاختراع الممنوحة إلى صاحب الدواء الحقَّ الحصري في منع الأطراف الأخرى غير المزوّدة بهذه الموافقة من استخدام المنتج المسجَّل أو العملية المسجّلة، إلا أنها لا تمنحه الحق الإيجابي والفعلي في تسويق المنتج. موقع المنظّمة العالميَّة للملكيَّة الفكريَّة "أسئلة متكررة عن براءات الاختراع" See, for example, European Federation of Pharmaceutical Industries and Associations (EFPIA),Position Paper: TRIPS Article (39.3) (Protection of undisclosed data): a critical issue for the continued development of safe and innovative medicines for patients, November 2000, at 4, available at https://www.efpia.eu/media/25619/2015-1.pdf, last visited on December 5, 2017. [3] J. DI MASI, R. HANSEN, H. GRABOWSKI, The Price of Innovation: New Estimates of Drug Development Costs, in (22) J Health Econ, 2003, 151ff,, p.166 . [4] See A. X. FELLMETH, Secrecy, Monopoly and Access … op.cit.,p.446. [5] See A. X. FELLMETH, Secrecy, Monopoly and Access at 475-476.