الملكية الفردية والإيجارة في الديانات والقوانيين الوضعية


رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات / المستشارة القانونية والناشطة الحقوقية

 أنديرا الزهيري

10 - 7 - 2021

لم يعد يخفى على أحد الأوضاع المتردية التي آلت اليها الأمور الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وانهيار سعر صرف الليرة والتي  إنعكست بشكل  مخيف على الإيجارات وبالأخص القديمة منها. 

ومن هنا لا بد  من الإشارة متى بدأت أزمة الايجارات تعود مشاكل الايجارات في لبنان إلى أكثر من نصف قرن والتي بدأت منذ الحرب العالمية الأولى على معظم الدول تخوفا من تشريد العائلات وحفاظا على الامن الاجتماعي،  الا ان  تلك القوانيين الاستثنائية قد لاقت  تعديلات  بشكل مدروس في  معظم الدول  وذلك  من خلال  تحديثات و تعديلات  تدريجية  لتصل الى  تحرير  العقود من التمديدات . عقود أماكن  الايجارات القديمة  هي مجموعة من القوانين الاستثنائية الخاصة  مرت بعدة  تعديلات  واكن من اهمها قانون 160/92 فقوانيين الإيجارات القديمة تعنى  بعقود اماكن الإيجارات السكنية وأماكن الإيجارات غير  السكنية  وهي تشمل جميع العقود التي وقعت قبل 23/7/1992  والتي  تم تمديدها عبر السنوات بشكل عشوائي غير مدورس  إما لغايات خاصة وإما لاهداف سياسية وإنتخابية ،مما  شكل  خللا  في  المنظومة  التعاقدية وخلق تفاوتا بين القيمة الفعلية لبدل الايجار الحقيقي والبدل المدفوع  حيث أصبحت تلك البدلات على هذه العقود شبه  مجانية وغيرقيمتها الفعلية غير حقيقية ،وهذا  خلق عيبا  وعدم  توازن  في بنود عقد الايجار ولمفهومه إذ انه وبالرغم  ما لحقه من زيادات خجولة ارتبطت بغلاء المعيشة والاجور الا لم يمنع من انه  شكل  إنتهاكا لحق الملكية الفردية وحق حرية التصرف بها وخصوصا لجهة مخالفته المواثيق والشرعات  الدولية والدساتير الوطنية. 

 و بعد إنتظار  لعشرات السنين  تم وضع  مشروع  قانون للايجارات  الذي درس  لسنوات طويلة وادى بنتيجته  إلى موافقة السلطة التشريعية  على اقرار قانون جديد للايجارات 2014 وتم تعديله سنة 2017 ويعنى  فقط بعقود أماكن الإيجارات السكنية حيث تحرر هذه الأماكن  بشكل تدريجي بين فترة ممتدة بين 9 و12 سنة لتصبح بعد ذلك  من العقود الخاضعة لحرية التعاقد مع  دعم لاصحاب ذوي الدخل المحدود من المستاجرين، رغم  ان هذا القانون لم يلقَ إستحسانا من جهات نيابية وكتل وتفاوتت الآراء حوله بين مؤيد ومعارض إلا وأن الجديد  في هذه المرحلة انه تم فصل عقود أماكن الإيجارات السكنية عن عقود أماكن الإيجارات غير السكنية بعد أن كانت تلك العقود بشقيها السكني وغير السكني تمددان سويا وتخضع لنفس القانون.و من هنا، كان لا بد لنا  من التطرق، بصورة موجزة، إلى  مفهوم حق الملكية الفردية ومفهوم عقد الايجار من خلال  القوانين  الوضعية المدنية ومفهومها في الأديان السماوية.


أولاً - في الإعلان العالمي لحقوق الانسان: يُصنف حق الملكية كحق إنساني للأشخاص الطبيعيين فيما يتعلق بممتلكاتهم. الحق في الملكية معترف به في المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي عرف المواثيق التي أنشأت للحفاظ على حق الملكية مثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر عام ١٩٤٨، فإن " حق الملكية هو حق مقدس طبقاً للقانون وحسب الضوابط والشروط في القانون الدولي العرفي والاتفاقي. ويعرف حق الملكية باعتباره جزءً مِن الحقوق العينية التي تنشأ باعتبارها صفة مستقلة بذاتها، أي انها لا ترتكز في وجودها إلى حقوق أخرى، وهذا النوع من الحقوق – الحق في الملكية- هو مِن أهم الحقوق العينية وذلك بسبب تخويله لصاحبه – المالك- السيطرة والاستغلال الكامل للشيء المملوك له، وذلك في نطاق التمتع والتصرف به وفق الحدود والقيود التي يفرضها القانون، بالإضافة إلى ذلك فإن حق الملكية يرتبط بنظام المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ان المادة 17من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الملكية كالتالي: 1) لكل شخص الحق في التملك سواء وحده أو مع آخرين.  2) لا يجوز حرمان أحد من ملكيته تعسفً.

 ثانيا -  من حيث الدستوراللبناني :
إن حق الملكية مكرّس في الفقرة " و" من مقدمة الدستور اللبناني والمادة 15 منه. وان حق السكن متفرع عن حق الملكية. لذلك، لا يحق نزع من أحد ملكه مكن دون رضاه إلاّ لأسباب المنفعة العامة مع تعويض عادل. وبالتالي، فإن كافة القوانين التي مددت الايجارات تدخل في خانة المخالفة القانونية والدستورية وتخالف الشريعة الاسلامية والمبادئ الكنسية.

ثالثا- في القانون المدني :
نصت المادة 11 من قانون الملكية العقارية على التالي: " الملكية العقارية هي حق استعمال عقار ما، والتمتع والتصرف به ضمن حدود القوانين والقرارات والأنظمة. وهذا الحق لا يجري إلاّ على العقارات الملك ". كما أن المادة 12 أشارت إلى حق مالك العقار في جميع ما ينتجه العقار. وبهذا المعنى، تطرقت المادة 533 من قانون الموجبات والعقود إلى تعريف عقد الايجار بانه حق الانتفاع بشيء ثابت أو منقول أو بحق ما لمدة معينة لشخص مقابل بدل. ومن جهة أخرى لدينا ذلك القانون الاستثنائي الذي يعنى بأماكن الإيجارات القديمة سكنية كانت ام غير سكنية لكل تلك العقود المعقودة قبل 23 /7/1992 والتي صدر مؤخرا قانون جديد للايجارات الذي يعنى باماكن الإيجارات السكنية وبصورة استثنائية لتحرير تلك العقود عبر زيادات قانونية على مراحل السنوات الممتدة بين فترة 9 سنوات و12 سنة وتم غض النظر عن أماكن الإيجارات غير السكنية القديمة وهذه تعتبر من الإيجارات المنتجة التي يتم تمديدها للمرة 3 بمخالفة دستورية جديدة متجاهلين قرار المجلس الدستوري والمعنى من ذلك انتهاك صارخ لحرية الإرادة وحق التصرف ولحق الملكية الفردية والذي يستمر في خلق علة عدم التوازن وانتفاع فئة خاصة على حساب وحق وفئة أخرى وهم المواطنين من المالكين القدامى ،مما يخالف المفهوم المساواة امام الأعباء والحقوق أي مخالفة الدستور.

رابعا- في الشريعة الإسلامية :
إن الشريعة في تفسيرها للملكية عبر شمولها للرقبة والمنفعة دوام الملك وأبده. مما يدل على أن عقد الايجار القديم الذي يشمل المنفعة المؤقتة وأجله معلوم بانتهاء مدة الايجار. فالشريعة منعت التعدي على الحقوق الشخصية بما فيها حق الملكية. فالايجار يعني لدى الفقهاء في الاسلام " عقد على المنافع بعوض ".
وقد وضع الفقهاء شروطًا لصحة عقد الإيجار : رضى العاقدين: فلو أكره أحدهما على الايجارة فإنها لا تصح لأنها تكون من باب أكل أموال الناس بالباطل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29).
- معرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع من المنازعة، وأن تكون مدتها معلومة، والقيمة الإيجارية المُتفق عليها معلومة.
- أن تكون المنفعة مباحة لا محرمة ولا واجبة؛ فلا تصح الإجارة على المعاصي، لأن المعصية يجب اجتنابها.
- القدرة على تسليم العين المستأجرة مع اشتمالها على المنفعة؛ فلا يصح تأجير شاردة، ولا مغصوب لا يقدر على انتزاعه لعدم القدرة على التسلي.

خامسا- في القانون الكنسي :
صوب القانون الكنسي في تحديد الاتجاه نحو الرضائية وكان دافعا لظهور مبدأ سلطان الإرادة في مدرسة القانون الطبيعي، وكانت نقطة البداية لدى روادها هي التوصل إلى معرفة الحالة الفطرية للإنسان. فذهبوا إلى أن طبيعته تحتّم أن يصاحبه منذ مولده حقه الطبيعي في الحرية، ومقتضى هذه الحرية ألا يتحمل التزاما إلا إذا كان مبناه رضاءه الحر. ومن ثم لا يجوز انتهاك هذا الحق اللصيق بالفرد بإجباره على أداء التزام لم يكن حرا في التعهد به ولم تتجه إرادته إليه. ثم جاء المفكر جان جاك روسو بنظريته الشهيرة عن العقد الاجتماعي، فكانت دعامة قوية لمبدأ سلطان الإرادة. حيث يرى "روسو" أن الفرد هو أساس القانون وغايته، وقد ولد الفرد حرّا وسيّدا لنفسه فلا يجوز أن يخضع لغير إرادته، وليس القانون في نهاية الأمر إلاّ صدى لإرادات الأفراد. وقد تطرق الكتاب المقدس إلى رفض الظلم في العديد من الآيات نذكر منها: أَجْرُوا حَقًّا وَعَدْلاً، وَأَنْقِذُوا الْمَغْصُوبَ مِنْ يَدِ الظَّالِمِ، وَالْغَرِيبَ وَالْيَتِيمَ وَالأَرْمَلَةَ. لاَ تَضْطَهِدُوا وَلاَ تَظْلِمُوا (سفر ارميا 22: 3).


خلاصة : 
إن ما  تم عرضه في سياق دراستنا  يظهر   بشكل واضح   الخرق  الفاضح والواضح  لما  ذكرته الأديان والقوانيين الوضعية كالشرعات الدولية و الدستور اللبناني والقوانيين والأعراف وحتى القيم  لان  هذا الخرق  قد   ضرب  مبدأ المساواة بين كافة المواطنين، فلا يجوز التفرقة بين مالك ومستأجر، بل  يجب الحفاظ على حقوق كل فرد وعلى الحقوق الشخصية والملكية الفردية بعيداً عن الظلم والتعسف. فلا تدخل ضمن المساواة مسألة تأجير منزل بـ 200 ألف ليرة سنوياً في حين أن هذا المبلغ لا يمكنه تأمين كيس طحين من السوبرماركت. من هنا، تبرز أهمية تحديث ودراسة القوانينن بما يتماشى مع حاجة  المجتمع والفرد  دون   انتهاك او  انتقاص من حق المواطنين على حساب فئة  اخرى منهم . فنحن  بحاجة الى تصحيح الخلل وتنظيم  العلاقة التعاقدية بشكل   مستقيم  يعيد التوازن ويعزز الثقة بالاستثمار وتنظم العلاقة بين المالك والمستأجر .وتكون عاملا للحد من  تصدع الأبنية وانهيارها  بسبب غياب الصيانة والتدعيم   حيث لا يمكن ان  نتجاهل  ان  في لبنان  اعداد تجاوزت  22 الف بناء مهدد بالسقوط وخصوصا بعد حادث  انفجار مرفأ بيروت  وخصوصا في محافظة بيروت وتشكل خطرا على السلامة العامة وعلى  الافراد  .

 لذلك،  الأهمية  تكمن هنا  هو إرتكاز القطاع العقاري على دور القطاع التأجيري والبيع انطلاقا من مبدأ تطوير كافة القوانيين  التي تبدأ من الرخص القانونية والحفاظ على حق الملكية الفريدة و الى سلامة البناء والى التاجير و كيفية المحافظة على الماجور واعمال الصيانة الدورية وغيرها من الامور المرتبطة به، من أجل تنشيط الحركة الاقتصادية وما ينتج عنه من تأمين فرص العمل  لكافة الاختصاصات  والمصانع وسواء افراد او شركات  ويعنى هنا المهندسين والمقاولين والعمال، يقتضي تطبيق التشريعات الجديدة بصورة ايجابية وضمن خطة منظمة على المدى المنظور والمتوسط لاعادة انعاش الوطن والمحافظة على تراثه وثقافته العمرانية والهندسية.