القهوة العربية المرّة في جبل العرب...تقليد أصيل وأصول متبعة..!!



سهيل حاطوم - 22-6-2021

تعتبر القهوة العربية المرة في جبل العرب تقليدا أصيلا يرمز إلى حسن الضيافة والكرم العربي الأصيل.

وتمثل القهوة المرة أحد أصول الضيافة وإكرام الضيف المرتبطة بالعادات والتقاليد الأصيلة والراسخة لجبل العرب، وأحد سمات المضافة التي تفوح منها رائحة البن والهيل لتعطر الجو برائحتها الزكية، حيث تقدم في مختلف المناسبات سواء في الأفراح أو الأتراح وفي الأعياد وسواها.

ويحرص الكثير من أهالي جبل العرب لاسيما في ريف المحافظة على إعدادها كل صباح وتعميرها قبل الشروع بأي عمل ودعوة الضيوف إليها لتبقى عامرة، حيث تعد من أولى واجبات الضيوف.

وعبر تاريخ جبل العرب كان للقهوة المرة حكايات وروايات، حيث شكلت وسيلة لفك النزاعات بين الناس ماجعل منها مشروبا أساسيا له احترامه وعاداته وتقاليده.

ويشير الباحث في التراث/ عطا الله الزاقوت/ إلى أن إعداد القهوة المرة يتطلب أدوات تشمل " المجرية أو الجراب" وهو الكيس الذي تحفظ به حبات القهوة، و " المحماسة " وهي صحن سميك من الحديد له ساعد بطول يتراوح بين /50 إلى 60/ سم ويتبعها يد المحماسة وهي على شكل ملعقة طويلة يتم بواسطتها تقليب حبات القهوة عند التحميص، و" المبردة " وهي وعاء سميك من الخشب توضع فيه القهوة المحمصة لتبرد، و" الجرن" وهو كتلة مجوفة من الخشب توضع فيه القهوة المحمصة لدقها بواسطة " المهباح " الذي هو عصا غليظة بطول الذراع تقريبا تدق بها القهوة.

وقد تفنن صانعو أجران القهوة قديما في زخرفتها مع المهباح وزينت بصفوف ورسوم من المسامير النحاسية، فيما يتفنن الذين يدقون القهوة بالمهباج حيث يكون لكل منهم لحن إيقاعي موسيقي يمكن الرقص على إيقاعه.

ويبين الباحث / الزاقوت/ بأنه أحد أهم أدوات القهوة هي المعاميل أو الدلال اللازمة لإعدادها وهي تصنع من النحاس البرونزي الأصفر أو القيشاني وتشمل دلة التخمير، دلة طبخ القهوة، دلة التصفية، وأخيرا المغلاة التي تصب فيها القهوة للضيوف، مشيرا إلى أن أفضل المعاميل ما صنع في دمشق في منطقة الصالحية، حيث تسمى صالحانية وعددها أربعة، ويكون للمغلاة شكل منقار الطير تنساب منه القهوة عند صبها للضيوف، بالإضافة إلى الفناجين المصنوعة من الخزف الصيني الأبيض والمنقوش والملون.

ويلفت / الزاقوت / إلى أن إعداد القهوة يتم باستخدام ماء مغلي في الدلة يسمى" التشريبة" ، ويكون البن المحمص طازجا ويكون مغلي القهوة كثيفا ليعطي طعما لذيذا ولا يجوز أن تلمس الأيدي القهوة أثناء التحميص أو الدق أو عند وضعها في دلة الطبخ، ولا يجوز النفخ عليها عند تسخينها حفاظا على نظافتها، مبينا أنه وعند تحميص القهوة يشترط أن تكون النار هادئة وأن تقلب حباب القهوة جيدا وبالتساوي وبانتظام، وألا تكون نيئة أو محروقة وعلامة نضجها هي لحظة تعرقها وحينها يجب رفعها عن النار وسكبها في المبردة،  حيث تفوح رائحة البن الزكية، وكأنها تدعو الزوار للاتجاه إلى المضافة لاحتسائها.



ويضيف / الزاقوت / قبل الانتهاء من غلي القهوة بدقيقة يضاف إليها مسحوق الهيل وهو أفضل المطيبات والمعطرات للقهوة،  وبعد طبخها ترفع عن النار وتترك لعدة دقائق لتصفو،  وعندها تسكب في دلة التصفية ثم في المغلاة لتدار على الضيوف ومن شروطها أن تكون ساخنة لا باردة.


ومن آداب شرب القهوة المرة في جبل العرب بحسب /الزاقوت/ أن يشرب المعزب أو صاحب المضافة الفنجان الأول قبل تقديم القهوة للضيوف وعلى مرأى منهم لغايتين أولهما أنه يتذوق القهوة فإن وجد بها ما يعيبها أعرض عن تقديمها وثانيهما ليطمئن الضيوف بأنها ليست مسمومة، وأن يقف المضيف أمام الضيف ويصب له الفنجان بعد نقره على حافته بمنقار المغلاة قبل وبعد الصب تنبيها له لأخذ الفنجان ولا يجوز تقديم القهوة من المضيف وهو جالس أو بعيد بواسطة آخر، كما يجب أن تقدم باليد اليمنى.


ومن آداب شرب القهوة المرة أيضا أن يبدأ المضيف يصب القهوة على الضيوف بدءا من شخص إما لبعد دياره أو لكبر سنه أو احتراما لمكانته أو علمه، ثم يتابع بعدها تقديم القهوة من اليمين إلى اليسار دون تميبز بين الشاربين،  ولا يجوز تقديم الفنجان للضيف بواسطة أحد آخر  أو غسل الفنجان مباشرة بعد شربه تجنبا لمظنة السوء من الضيف،  ولا يجوز تحويل الفنجان عن شخص قدم له إلى شخص آخر دون إذنه،  وإذا كسر صاحب المضافة الفنجان بعد أن شربه أحدهم اعتبر ذلك مديحا وتحببا وطلبا للمساعدة.



كما أن هناك واجبات على الضيف أن يتقيد بها وهي أن يعتدل في جلسته عند تقديم فنجان القهوة له، وأن يتناول الفنجان بيده اليمنى،  ولايجوز أن يعلن رأيه بالقهوة حين يشربها مدحا أو ذما،  ويجب أن يهز الفنجان بعد شربه إشارة لانتهائه من تناوله،  ولا يجوز الامتناع عن شرب القهوة إلا بعذر صحي أو اعتذار، واذا تناول الضيف الفنجان ووضعه أمامه دون أن يشربه فذلك يعني أنه يطلب من أصحاب المضافة طلبا عزيزا وكأنه شرط بألا يشرب القهوة قبل الاستجابة لطلبه.


ولكل فنجان يتم تقديمه للضيف في جبل العرب اسما يحمل معاني ودلالات وعددها ثلاثة غالبا، أولها فنجان الهيف الذي يحتسيه المعزب أو المضيف، والثاني فنجان الضيف وهو الفنجان الأول الذي يقدم للضيف، والثالث فنجان الكيف ويوصف من يشربه بأنه صاحب كيف ومعتاد على شرب القهوة المرة.