السويداء - سهيل حاطوم - 17 - 2 - 2022
يمتلك الفنان التشكيلي عصام الشاطر ابن محافظة السويداء تجربة فنية غنية يتجاوز عمرها الثلاثين عاماً. الفنان الشاطر الذي تشكل اللوحة بالنسبة له حالة توافق بينه وبين موضوعه والإرث الذي يملكه تعكس لوحاته مدى تأثره بالبيئة المحلية التي يرى بأنها الطريق نحو العالمية، حيث تمثل البيئة الحاضر الأكبر في لوحاته وجسدها عبر الأماكن التي عاش فيها، معتبراً اللوحة التي صور فيها دمشق القديمة من أجمل ما رسم.
ويرى بأن حياة الفنان ثرية بتفاصيلها وأحداثها، حيث تقاس أيامه وشهوره وسنواته باللوحات و الألوان و الإنجازات، لافتاً إلى أنه ومنذ بداية دراسته في كلية الفنون الجميلة في دمشق 1985 تتلمذ على أيدي معلمين و رواد الفن السوري مثل الراحل نصير شورى ود. عبد المنان شما والراحل فاتح المدرس الذي كان رئيس قسم الرسم والتصوير آنذاك ، حيث بدأت لديه معها هواجس البحث عن علوم الفن و تقنياته واكتساب الخبرات الضرورية لإنتاج عمل فني يحمل خواص الفهم الأكاديمي لأصول التصوير الزيتي وتقنياته العميقة والتي كلما تعمقنا بها كلما وجدنا أنه لا يزال أمامنا الكثير والطريق يطول كلما تقدمنا..
ورغم تنوع أعمال التشكيلي الشاطر بين الخيال والواقعية إلا أنه يميل إلى الأسلوب الواقعي، حيث تنتمي معظم أعماله إلى الواقعية الجديدة التي يعتبرها ظاهرة في التشكيل السوري تعتمد على محاكاة الواقع ضمن أصول التصوير الزيتي وتركز على الدقة والرصانة في تناول الموضوع مع إضافات لونية حسب رؤية الفنان مع اتجاهه نحو الواقعية التعبيرية.
ويضيف الفنان الشاطر.." تعددت طرق العمل المستمر من رسم الموديل و الطبيعة الصامتة والطبيعة الخلوية والأحياء القديمة وأسواق الشام وفي كل موضوع كانت مواجهة جديدة وبحث عن حلول و تساؤلات كيف أجعل لوحتي تصل إلى المرحلة المهمة تقنياً و كيف أنتج عملاً فنياً يحمل مواصفات مختلفة ومميزة و صحيحة، وكيف أجعل من لوحتي الواقعية واقعية تخصني أي واقعيتي أنا، ولون صحيح و مدروس لكن روحي هي من مزجته و وضعته على السطح الأبيض، واقعاً يحمل روح الخيال والواقع و الرؤية المستندة على مفاهيم تصويرية علمية"، مشيراً إلى أن كل هذه التساؤلات وغيرها كانت تواجهه مع كل خطوة، مواجهة الطبيعة المباشرة في الساحل السوري والعيش معها ورسمها مباشرة، حيث كانت تحمل مواجهة وحوار جميل بين كيمياء اللون وسحر الطبيعة والروح الباحثة عن المعرفة والفهم، وفي مواجهة أحياء دمشق القديمة وأسواقها والتي بدأت خلال سنوات دراسته في كلية الفنون الجميلة واستمرت بعدها لتغدو منهجاً لسنوات متلاحقة طويلة حملت روح المكان وسحر ألوانه وعفوية مفرداته ولتغدو موضوعاً حاضراً بعمق في معارضه الفردية والمشتركة .
وقد كانت دائماً لديه فكرة التحرك الجديد والتنقل من مكان إلى آخر ومن موضوع إلى آخر فدمشق القديمة قادته إلى مدن وأحياء مختلفة، قادته إلى رسم مدينته السويداء وأحجارها البازلتية السوداء التي اكتشف حقيقة أنها ملونة بالأزرق والبنفسجي والبرتقالي و لون النور و هي ليست سوداء، قادته إلى مرحلة تكاد تكون الأجمل في تجربته على حد وصفه و هي رسم اسطنبول التركية و حاراتها الساحرة والتي تحمل جمال الشرق بكامل حضارته و سحره، حيث أقام هناك معرضين فرديين أحدهما في مدينة ٱضنه التركية و الثاني في اسطنبول وكان لأعماله هناك وقفات جميلة، وطلبت منه إدارة الفندق الذي عرضت فيه ومدير الغاليري الذي استقبل أعماله بأن يرسم اسطنبول بتقنية دمشق ..حيث بدأت حالة جميلة وغنية أثرت تجربته وعمقتها.. وفيما بعد كان لدولة الإمارات العربية أيضاً مجموعة جديدة من الأعمال التي وثقت بعض الأماكن في دبي و ابو ظبي و جزءاً من تراث الامارات من خلال مشاركات مميزة في معارض بدأت منذ 2013 وكان آخرها في 2021 …
كما لفت إلى أن المدن القديمة لديه ترافقت مع أسلوب آخر هو الطبيعة الصامتة برؤية تحمل هاجس الخصوصية وكان محورها الأساسي ربط التراث مع النور، ليس النور الطبيعي بل النور الافتراضي الذي استمرت تجاربه مدة سنتين قبل أن يدخل في اللوحة و مفرداتها التراثية، حيث بدأت الطبيعة الصامتة التراثية من تراث بلده السويداء و دمشق والتراث الإسلامي وكانت هذه الأعمال تذهب في عالم آخر يحمل خبرته و رؤيته و مفردات الواقع التي يحركها الضوء وعلاقاته، وقد صنف الباحث والناقد الراحل الدكتور عبد العزيز علون هذه المرحلة بأنها تنتمي للواقعية السورية الجديدة، وكل مرة كانت الأفكار هواجس والبحث هواجس وكانت الأعمال تقود لأعمال و تحليل من وجهة نظر مختلفة، فأعمال دمشق القديمة والنور في الطبيعة الصامتة قادته إلى سلسلة أعمال وتجارب تدخل في إطار التعبيرية وكان موضوعها لطيفاً أطلقت عليه تسمية مدن النور والقمر.
وبيّن أن مشروع مدن النور والقمر بدأ عندما كان في بيروت بين عامي 2015-2018 حيث بدأت عناصر الواقع تتفكك ليبني مكانها مفردات جديدة تعتمد على زخم التكوين القوي و المفردات الأساسية و المحرك هو النور والقمر الحاضر في أعماله وليله الذي يرسم فيه أكثر لوحاته، حيث كانت هذه الأعمال خلاصة مرحلة عرض قسماً منها في معرض في بيروت 2018 وعرض مجوعة ثانية منه في معرض فردي في غاليري عشتار في دمشق 2019 لافتاً إل أن موضوع مدن النور والقمر لم يكن هو الحاضر فقط في إعادة تأليف الواقع ..
بل سبقه موضوع آخر هو ربط الواقع بالتجريد والتعبير حيث تذهب المفردات الواقعية في الطبيعة الصامتة مع عناصر ترتبط بها وتنغمس متناغمة مع مفردات تعبيرية و تجريدية في جسد اللوحة لتشكل حالة جديده في الطبيعة الصامتة التي تجمع بين الواقعية والتجريد وكان لهذه التجربة فرصة للمشاركة في أحد المعارض الهامة التي أقامها ملتقى لندن الدولي في مسابقات أفضل عمل عربي في العالم 2016 حيث وصلت لوحته المرشحة للمشاركة إلى التنافس على المراكز الثلاثة الأولى وهي لوحة عباد الشمس ومفردات سورية…
وختم بالقول .." إن الفن أن تعيشه داخلك أولا ثم تتقن أدواته وتقنياته .. الفن أسلوب ونمط حياة فهو يقتحم كل خبايا حياتك ليجعل منك إنساناً آخر …إنسان يرى الجمال ويدرك الروح وما وراء الواقع … الفن يغير حياتنا نحو الأفضل و الأجمل … في النهاية الكلمة الأرقى هي أحاول أن أكون فناناً حقيقياً ..مازالت روحي ترنو للأفق والعمل.. مازلت أبصر نوراً في آخر النفق.. مازلت ..أرسم …و أحلم …وأحلم بخطوات أكبر".
والفنان الشاطر مواليد محافظة السويداء عام 1967، وخريج كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1989، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين، ومدرس الرسم والتصوير في مركز الفنون التشكيلية في السويداء بين عامي 2006 و2010، ومدرس في كلية الفنون الجميلة الثانية في السويداء بين عامي 2010 و 2015 ، ومتفرغ للعمل الفني في سورية وخارجها ومشارك في معارض الدولى الرسمية منذ عام 1989 .
وقد كتبت عن أعماله العديد من الصحف العربية والأجنبية، وأعماله مقتناة في عدد من الجهات الرسمية في سورية وفي عدة دول بينها/ ماليزيا- تركيا- الكويت- السعودية/، وأقام معارض فردية في السويداء ودمشق وبيروت ومدينتي اضنة واستانبول في تركيا، وله مشاركات دولية وخارجية في /أوكرانيا - الجزائر - إيطاليا - لبنان - إيران - ألمانيا - بلجيكا - هولندا- تركيا- الإمارات / .