الأستاذ الشيخ مكرم المصري - 12 - 1 - 2022
يعتبر قصر الحمراء من أبرز معالم الفن العربي في الاندلس، سميت الحمراء بهذا الاسم نسبة إلى لون أسوارها الحمراء، تقع الحمراء فوق أعلى تلة السبيكة على الضفة اليسرى لنهر الدارو، شرقى المدينة وأمام أحياء البيازين والقصبة.
تحيط بمجموعة الحمراء أسوار حصينة بشكل غير عادي، يحدها من الشمال وادى الدارو، ومن الجنوب وادي السبيكة، ومن الشرق منحدر الملك "تشيكو" والتي تفصل الحمراء عن البيازين وعن جنة العريف الواقعة فى تل الشمس. بدأ الاستقرار في هذه المنطقة لأول مرة في القرن التاسع عندما اضطر سوار بن حمدون عام 889 م، إلى اللجوء إلى القصبة وإصلاحها من المقاومة المدنية التي كانت تناهض الخلافة في قرطبة والتي كانت غرناطة لا تزال تابعة لها.
ثم بدأ التوسع في هذا السياج وبدأ تعمير المكان وإن كان على خلاف ما عرف لاحقا، حيث إن ملوك الزيريين الأوائل أقاموا فيما عرف لاحقا باسم البيازين. ان ضم قلعة قصر الحمراء إلى السياج المسور للمدينة في القرن الحادي عشر، حولها إلى قلعة عسكرية تُحكم المدينة من داخلها، وكان ذلك قبل القرن الثالث عشر حين وصل إلى الحكم أول الملوك النصريين محمد بن الأحمر (محمد الأول 1238 - 1273) والذي اتخذ من الحمراء مقرا للأسرة الحاكمة. ليبدأ بذلك العصر الذهبي للحمراء.
فى البداية تم تعزيز الجزء القديم من القصبة، وتشييد برج الحراسة وبرج التكريم، وتم رفع المياه من نهر الدارو، وأنشأت المخازن والمستودعات وبدأ بناء القصر والسياج المسور والذي استكمل بناءهم محمد الثاني (1273-1302) ومحمد الثالث (1302-1309) كما ألحقا بالحمراء حمام عام والمسجد الذي أنشئت فوقه كنيسة سانتا ماريا الحالية.
تقع الهضبة على الضفة اليسرى لنهر حدره حيث يقع قصر الحمراء ممتدة من غرب الشمال الغربي الي شرق الجنوب الشرقي على مساحة 142000 مترٍ مربعٍ بأبعاد 740 متر (2430 قدم) طولًا إلى 205 متر (674 قدم) عند أعرض نقطة بها. من أبرز المعالم "قصبة الحمراء" وهو حصن يحتل مكانًا منيعًا من الهضبة، وباقي الهضبة محاطة بسور أضعف نسبياً مع وجود ثلاثة عشر برج بعضها لأغراض دفاعية.
على مرتفع مجاور للحمراء، تقوم جنة العريف، وهي حديقة ملوك بني نصر، وتحتوي على أجنحة وأروقة محاطة بحدائق جميلة تسقى من خلال قنوات ونوافير ماء. ثمّة خلاف بشأن سبب تسمية هذا المعلم البارز باسم قصر الحمراء، فهناك من يرى أنه مشتق من بني الأحمر، وهم بنو نصر الذين كانوا يحكمون غرناطة بين عامي 629 - 897 هـ /1232 - 1492م، بينما يرى آخرون أن التسمية تعود إلى التربة الحمراء التي يمتاز بها التل الذي تم تشييده عليها. من التفسيرات الأخرى للتسمية أن بعض القلاع المجاورة لقصر الحمراء كان يُعرف منذ نهاية القرن الثالث الهجري، الموافق للقرن التاسع الميلادي؛ باسم المدينة الحمراء.
تاريخه
في البداية لم يكن قصر الحمراء سوى جزء من مدينة الحمراء أو "قصبة الحمراء" التي تشمل قصر الحاكم والقلعة التي تحميه. وكانت مباني دور الوزراء والحاشية تنمو مع الوقت حتى غدت قاعدة ملكية حصينة، عندما دخل القائد العربي أبو عبد الله محمد الأول غرناطة والمعروف أيضا باسم محمد بن نصر والملقب بالأحمر، نسبة للون لحيته الحمراء حكم غرناطة، بعد سقوط الدولة الموحدية، رحب به الشعب بهتافات : مرحبا بك يا أيها المنتصر، والذي أجاب: لا غالب اليوم إلا الله، وهذا هو الشعار المكتوب في جميع أنحاء الحمراء. أنشأ سوراً منيعاً حول الهضبة التي قامت عليها "قلعة الحمراء"، وبنى داخل هذا السور قصراً أو مركز حكومته، وسميت القلعة "القصبة الحمراء"، وصار قصر الحمراء جزءاً منها، وغدت معقل غرناطة الهام.
في أواخر القرن السابع الهجري، أنشأ محمد بن محمد بن الأحمر الغالب بالله ـ ثاني سلاطين غرناطة ـ مباني الحصن الجديد والقصر الملكي، ثم أنشأ ولده (محمد) في جوار القصر مسجداً قامت محلّه فيما بعد (كنيسة سانتاماريا). تم الانتهاء من بنائه قبالة نهاية حكم المسلمين في الأندلس على يد يوسف الأول (1333-1353)م (733-754) هجري ومحمد الخامس سلطان غرناطة (1353-1391) ميلادي (754-792) هجري مع انقطاع بين سنتي 760 و763 خُلع خلالهما عن الحكم، ثم عاد إليه مجدداً ليبدأ في المرحلة الثانية من حكمه أهم التطويرات، ويكتب أغلب الأشعار التي يزدان بها القصر.