الخيال العلمي

إيمان أبو شاهين يوسف 

حدّثني والدي أنه عندما كان طفلاً صغيراً في الثّامنة من العمر، وبينما كان يرافق والده إلى الكرم، حيث يوجد تلّةٌ جميلة المنظر، مكسوةٌ باللون الأخضر السّندسي، مزينةٌ بألوان الرّبيع الفاتنة التي ينعكس عليها بريق مياه بحيرةٍ صغيرة، صافية الزرقة، موجودة في أسفل التّلة، كان يجلس في قمّة التّلة ويسبح بأفكاره خلف خيالاتٍ جميلة لأشخاصٍ وطيور وحيوانات يراها ترقص وتتكلم فيما بينها على صفحة ماء تلك البحيرة، وعندما يستفيق من رحلته الخيالية يتمنى لو يستطيع أن يحوّل هذا الخيال إلى حقيقة. 

في الثمانين من عمره ذهب والدي إلى كاليفورنيا في زيارة إلى حفيده الذي أراد أن يكرّمه، فاصطحبه إلى ديزني حيث شاهدا عرضاً خياليَّ الجمال، لمسرحية تعرض على صفحة الماء بواسطة لعبة الأضواء الرائعة.

 شهق الجدّ كطفلٍ صغير، واضعاً يده على صدره الذي كاد أن يطير بسبب السرعة الهائلة لشدة خفقان قلبه، ذلك لآنه شعر بأن الزمن عاد به إلى تلك التلة وجلس من جديد يشاهد مسرحيته السحرية على صفحة مياه تلك البحيرة الرائعة الجمال. 

بعد أن استفاق من ذهوله قال لحفيده: الحقيقة يا بني بأن الخيال هو بداية الإبداع، وعندما تتكثف الفكرة لتشاهدها كخيال تكون قد تحوّلت من لطيف إلى كثيف أي إلى مادة، لكنها أكثر خفّة من الهيليوم، حيث يصبح بإمكانها أن تتنقل في الزمان والمكان إلى أن يلتقطها العقل المبدع، المحاط بإمكانيات معزّزة لتجسيد الخيال. 

هذه القصة التي طالما ردّدها والدي على مسمعنا، جعلتني أبحث في الخيال عموماً والخيال العلمي تحديداً .. فما هو الخيال وكيف يمكن تعريفه؟ 

يمكن تعريف الخيال على أنه تصورات عقلية بعيدة كل البعد عن الواقع، غير أنها تمثل أمنيات وآمال لم تتحقق بعد, والخيال ليس حلماً من أحلام اليقظة كما يقولون، بل هو نتاج لقدرة متقدمة للمخيلة في الدماغ البشري التي تعمل من خلال حركةٍ نوعية متميّزة للنشاط العقلي ناتجة عن فعل فطري بذاته، أو بسبب استعدادها المتفوق للاستفادة من الخبرات والإمكانات المحيطة بها لتشبك مشاهداً وتصورات خيالية، تجمعها في العقل الباطني  بانتظار اللحظة التي تتحوّل فيها إلى حقيقة، وبعد الغوص في أعماق الخيال واللحاق بكل صورة من صوره، والتركيز بتمعن ودقة، تحدث  تلك اللمعة التي تُخرج الخيال من العقل الباطني إلى العقل الواعي ليُبدع الصورة الخيالية بوضوح ، ثمّ يحوّلها إلى حقيقة.

 لهذا يقول الكاتب جورج برنارد شو: الخيال هو بداية الإبداع.. وبهذا المعنى فالخيال هو المدخل الأساسي للإبداع، وهو الذي يدفع البشر إلى الأمام، فترتقي بهم الحياة وتتنوع عندهم الخيارات والإمكانات, ومن أجل أن يكون تعريف الخيال واضحاً يجب أن نبيّن أنواع الخيال:  يقدّم العلم ثلاثة أنواع من التخيّل يختلف بعضها عن البعض الآخر مع وجود الترابط فيما بينها:

- الخيال الإبداعي: وهو نوع من  التفكير الذي يؤدي إلى إنجازات عظيمة، وهو نادر تقريباً، مثلاً على ذلك: تأليف سمفونية موسيقية كسمفونية باخ او بتهوفن، أو اكتشاف شيء مميّز كنظرية الجاذبية.. 

- الخيال الوهمي: هو النزعة نحو الأوهام الحيّة والواقعية ومستوى استيعاب العوالم الخيالية. والخيال الوهمي قد يزيد من أحلام اليقظة ويصرف الانتباه عن الواجبات اليومية للشخص. لذلك قد يكون غير مرغوب به في كثير من الحالات، خصوصاً وأنه يميل إلى الزيادة في الاستجابة النفسية على الأحداث الصادمة ويصبح وسيلة للهروب من الواقع. 

مع ذلك فهناك فوائد للخيال الوهمي حيث يرتبط عند الأطفال بزيادة الخيال الإبداعي والقدرة على السرد وتبني وجهات النظر. وتدل بعض الإحصائيات أن الأطفال الذين شاركوا في ألعاب التظاهر وتقمص الشخصيات، نجحوا لاحقا ًفي التمثيل ولعب الأدوار. بينما عند البالغين فالخيال الوهمي يساعد على تحسين الذاكرة والأسلوب الابتكاري في حل المشاكل والتخطيط، وهذا النوع من الخيال يمكن أن نلصق به تسمية أحلام اليقظة التي تمثل القدرة على الاستيعاب التام لفكرة تكون المفتاح لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع ناجح وخلاق.

 الخيال الوهمي يختلف عن الاضطراب الوهمي حيث لا يستطيع الشخص التمييز بين الحقيقة والمتخيّل. وقد يكون الخيال الوهمي نتيجة أو حالة من حالات الاضطراب الوهمي. وأفضل توقع للخيال الوهمي يكون عن طريق أعمال الذهن في تحقيق الرغبات بما يحقق إشباعاً على مستوى الخيال والانغماس الخيالي بما يجعلك تنزع نحو الأوهام الحيّة. 

التخيّل العرضي: وهو يشبه الخيال الوهمي لكنه أغلب الأحيان يستخدم تفاصيل الذاكرة الحقيقية بدلاً من التفاصيل الوهمية (الدلالية).

وبالنسبة لتصنيف الخيال فيمكن أن يصنّف  أيضاً بين خيال أدبي وخيال علمي.

 الخيال الأدبي: فهو يمثل كل القصص والروايات والأعمال الأدبية الخيالية، حيث يخترع المؤلف الشخصيات ويحبك الأحداث من وحي خياله. وقد تكون الشخصيات حقيقية لكنها أعطيت دوراً ليس لها مثل قصص ابن المقفع الذي جعل من الحيوانات تتكلم، أو وضعت في زمان غير زمانها مثل الميثولوجيا اليونانية وقصص الحياة في العالم السفلي، أو في مكان غير مكانها مثل قصة فيلم حرب النجوم...

أما الخيال العلمي: فهو نوع من الفن الأدبي الذي يعتمد على الخيال المبني على النظريات والاكتشافات  العلمية. ويعرّف في قاموس المعاني على أنه نوع من الأدب تكون فيه القصة الخيالية مبنية على الاكتشافات العلمية التأملية والتغييرات البيئية وتغيير الأمكنة، كارتياد الفضاء، والحياة على الكواكب وفي المجرات...

وميزة الخيال العلمي أنه يحاول أن يبقى متسقاً مع النظريات العلمية والقوانين الطبيعية دون الاستعانة بقوى سحرية كما في الميثولوجيا.

أما الإطار الزماني لأدب الخيال العلمي فغالباً ما يكون في المستقبل القريب أو البعيد. والإطار المكاني فقد يكون على الأرض أو في أي بقعة من الكون أو حتى في أماكن خيالية كالأبعاد المتوازية.

 وقد عرف القرن العشرين ثورةً كبيرة في المجال السينمائي على مستوى أفلام الخيال العلمي.

من أشهر أفلام الخيال العلمي: فيلم أفاتار (2009).

- فيلم The Butterfly Effect.

- فيلم Her

- فيلم Children of Men

- فيلم Inception

- فيلم Interstellar

- فيلم Arrival

- فيلمDays later 28  

- فيلم looper

ولكي نكون واضحين بمفهوم الخيال العلمي سنعطي لمحة عن موضوع فيلم أفاتار الذي يتكلم عن قصة جندي أمريكي مقعد يتم إرساله الى قمر بعيد في الفضاء يسمى " باندورا" الكوكب الذي تسكنه كائنات مسالمة زرقاء اللون تسمى" نافيي" يبلغ طولها حوالي 3 أمتار، كانت تعيش بأمن واستقرار قبل وصول البشر إليها الذين جاؤوا للتنقيب عن معدن ثمين على هذا الكوكب وبعد وصولهم تبدأ الأحداث وتتسارع المشاهد الخيالية التي يتحكم بها العلم وتجري خارج الأرض في كوكب بعيد جداً عنها ...

وأخيراً يجب ألا يفوتنا أن الخيال العلمي يمكن أن يقسم إلى قسمين:

الخيال العلمي الخشن وهو الذي يركز على حقائق علمية تتعلق بمختلف العلوم كالفيزياء والطبيعيات، وعلم الفلك... وهذا النوع من الخيال العلمي يكتبه علماء حقيقيون يضمّنون كتاباتهم بعض من التنبؤات الأقل دقة بهدف التشويق والإثارة، وعادة تصبح هذه التنبؤات الخيالية بعد فترة من الزمن شيء من الواقع والحقيقة.

الخيال العلمي الناعم وهو الذي يركز على العلوم الاجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والانثروبولوجي والعلوم السياسية.

هذا الخيال العلمي يعالج النمط العلمي للسلوك المحتمل للبشر على المستوى الفردي والجماعي والأثار التي ستنتج عنه في المستقبل.

في الواقع ورغم التصنيف بين هذين النوعين للخيال العلمي يبقى أن معظم الأعمال التي وقعت في مجال الخيال العلمي كانت مزيج من هذين النوعين (الخشن والناعم).

وفي النهاية فإن الخيال وإن كان لا يتصوره عقل الإنسان ولا يقرّ به في عمله الطبيعي، فهو بالواقع انعكاس إبداعي لعمل العقل الباطني على العقل الواعي.

لذا يقال: الخيال هو بداية الإبداع.


المراجع:

-مقال عن الخيال العلمي – ويكيبيديا

- وفقا لعلم النفس.. الخيال هو المفتاح الأساسي للإبداع – الجزيرة

- الخيال والابداع وصناعة طفل المستقبل – المركز الديمقراطي العربي

- كتاب قصة الطوفان – إدوارد بيدج فيتشل

- كتاب قصة الأيام القادمة – هربرت جورج ويلز

- فيلم أفاتار

- قصة المزارع أكاتشي والجنيات – الموقع الالكتروني "افضل حكايات الخيال للكبار..."