ايمان أبو شاهين يوسف- 9-11-2023
ولكن!!!
عزيزي أيها الشعب الكريم.
"المتهم بريء حتى تثبت إدانته". أليس هذا ما تقوله كلّ القوانين والأعراف؟
بلى، هذه هي القاعدة القانونية الصحيحة التي تمثّل العدالة الوضعية والعدالة السماوية. وطالما معايير الفساد والاستقامة موجودة لماذا لا نأخذ معيارا تثقيلي نقيس به صفات الحكام والزعماء في هذا العالم لنحصل على نتيجة واقعية لا لبس فيها، عوض الاتهامات التي نلقيها جزافا. لا بل تستطيع ان نقيس أنواع النظم السياسية لنرى مدى مصداقيتها مع كافة الشعوب.
اما الحاكم الفاسد أي الحاكم الميكافيللي وهو الذي يطلق عليه الحاكم الشيطان، فإنّ قواعد الحكم عنده واضحة وصريحة وقد فنّدها نيكولا ميكافيللي في كتابه الأمير الذي أراد ان يهديه لأمير فلورنسا توددا وممالقة حتى يعيده الى منصبه الذي كان يشغله أيام الحكم الجمهوري في فلورنسا قبل ان تستعيد عائلة مديتشي الحكم ثانية. كتبه عام 1513 ونشر الكتاب عام 1532 أي بعد خمس سنوات من وفاة ميكافيللي عام 1927.وبذلك ذهبت مساعي ميكافيللي الوصولية سُداً، لكنّه خلّف وراءه نموذجا من النصائح والتوجيهات تجعل ممن يتبعها من الحكام شيطانا فاسدا.
قواعد الحكم هذه وجهها ميكافيللي الذي أُطْلٍق عليه لقب أبو السياسة ومنهم من لقّبه بشيطان السياسة، وجهها كنصائح جمعها نتيجة الخبرات والتجارب الى الحاكم فقط وليس للرعية، والتي تجعل من الحاكم شيطانا فاسدا لا رحمة في قلبه ولا ضميرا في رأسه، شعاره انا أولا أحد. سلاحه الكذب والممالقة، والمكر والخداع. هو الذي يتظاهر بالصلاح والايمان وتحت ثوبه شيطان رجيم، يتظاهر بالكرم والإحسان وهذا ليس الاّ عدة لاصطياد الطرائد الغبية، لآنه يؤمن بان "الغاية تبرّر الوسيلة" وهو قادر على الفتك والقتل لكل من يشعر بانه يهدد وجوده وبقائه... لذلك حتى ولو كان هذا الكتاب موجه للحاكم فقط فمن الضروري ان يطلع الشعب عليه ويتمعّن بمضمونه لكي يعرف كيف يحكم وكيف تمارس عليه السلطة، خصوصا ان هذا الكتاب قد قرأه وأخذ بتوصياته معظم زعماء وحكام العالم الأقوياء الذين تركوا بصمتهم في المكر والقسوة حتى بعد رحيلهم. وخلاصة نصائح هذا الكتاب المقولة الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة".
تناول كتاب الأمير عدة مواضيع تهدف لتوضيح الأسباب التي تؤدي الى سقوط او تقويض أي دولة وكيف يستطيع الحاكم ان يحافظ على بقائه. ويمكن تلخيص مضمون هذا الكتاب بأربعة أبواب:
أولاً:
هل تكون اميرا صالحا ام اميرا فاسدا؟
ثمّ تدخل ميكافيللي قائلا للأمير، انتبه. لكي تحافظ على بقائك حاكما يجب ان تتبع الموجبات التالية:
- يجب ان تتبع أي وسيلة ممكنة للوصول الى هدفك، فلا يوجد في السياسة ما يسمى بالأخلاق.
- يجب ان تكون كالأسد الشرس الذي يملك كل الجرأة والشجاعة لمهاجمة وافتراس اعدائه وبسط السيطرة وإثارة الخوف في قلوب رعيته. في نفس الوقت يجب ان تكون كالثعلب الماكر الذي يراوغ ويخادع العدو والصاحب.
- يجب ان تستخدم كافة الأساليب مهما كان نوعها شيطانيا من اجل الاستمرار في الحكم. مثلاً (التظاهر بالصلاح، استغلال الدين، التظاهر بالإيمان والتقوى، التظاهر بالطيب، التظاهر بالكرم...)
هل تكون حاكما طيبا وصالحا ام تكون حاكما فاسدا وتحمي بقاءك في السلطة وتحافظ على ملكك؟ طبعا اذكرك ان لا مكان ولا استمرار للحكام الطيبين، حتى لو جاء كلّ الشعب بهم، فالناس تريد تحقيق مصالحها ولا تريد اخيارا تقيم لهم المعابد. لذلك يجب ان تكون فاسدا لكن بمظهر مصلح فاضل، أي ان تكون من لصوص الفضيلة.
هل تكون شخصا طيبا ومحبوبا، او تكون شخصا مكروها مخادعا يضلل اعداءه ومقربيه فيبقى في السلطة ولا أحد يجرؤ على معاداته؟
انتبه الطيبة تعجل في انهاء حكمك بينما القسوة مع المكر والخداع تحمي بقاءك أطول مدة في الحكم ومهما كان كره الناس لك فتبقى قسوتك الممزوجة بالمكر والخداع رادعا للخائفين. كما وتبقى مجموعة المنتفعين المحيطين بك محبة لك ومعجبة بسطوتك ومدافعة عن بقائك ووجودك.
- اما إذا كنت مضطرا للاختيار بين الطيبة والقسوة فكن قاسيا مع استعمال القسوة الحكيمة، لا القسوة الطائشة. فالقسوة الحكيمة تستعمل القوة بذكاء وغرضها التخويف وضبط الشعب، وهي متقطعة وتختلف في درجة قوتها بين موقف وآخر. بينما القسوة الطائشة فتحوّل الحاكم الى الاستبداد والبطش وهي تتصف بالاستمرار وارتفاع وتيرتها مع الأيام مما يضيّق الخناق على الشعب الذي سيثور في وجه الحاكم وينهي حكمه.
هل تكون حاكما كريما وسخيا ام تكون حاكما متقشفا؟
- بالتأكيد يجب ان تكون حاكما كريما توزّع بعض الفتات على الناس لكي يظلوا كالدجاج الذي يلحق بمن يرمي له بعضا من بقايا الاكل او الشوفان. لكن يجب ان تمارس هذا الكرم بشكل تدريجي ومتوازن. فتوزع المساعدات والهبات على دفعات وبحذر، وتقدم الانجازات للشعب حتى ولو كانت وهمية وعلى شكل وعود. فتوزيع الكرم التدريجي والذي يأخذ طابع الاستمرار والتوازن، يكسر العين ويغلق الافواه كما ويمنع التطرف مع او ضد الأمير.
- لا يجوز ان تكون متقشفا في الكرم ولا في الإنجازات، لان التقشف في الكرم مساوي للتقشف في الإنجازات، ويولد علاقة كره بين الأمير والشعب قد تقوّض حكمه.
- كما يجب ان تشارك الناس لكن بتوازن في بعض مناسباتهم، فتتظاهر بالبكاء على موتاهم وبالفرح لأفراحهم، بذلك توهمهم بأنك قريب منهم.
- ويجب ان تكثر من المناسبات التي تتعلق بك وبالحكم وإنجازاته، فتبقى حيّا في نفوس الناس التي ترتبط ذاكرتهم بفهم ما تراه عيونهم.
عزيزي أيها الشعب الطيب.
وكما قرأت، إنها نصائح سهلة، بسيطة وقابلة للتطبيق، حتى لو كانت شيطانية وتتميز بالكذب والقسوة والخداع والتضليل، إلاّ انها تحمي سلطة الحاكم ودوام ملكه ولو كان ذلك على حساب العدالة والمساواة وحقوق الناس وحرياتهم والصدق والضمير ومشاركة الناس اوجاعهم وهمومهم. لكن كل هذا غير مهم في رأي ميكافيللي واتباعه من شياطين السياسة الذين فاقوا معلّمهم الشيطان الأكبر دهاء وفسادا، والشيء الوحيد الذي يستحق الدراسة والاهتمام في نظرهم هو ايجاد الطرق والقواعد التي تحمي بقاء الحاكم ولو على جماجم الناس وخراب بيوتهم وقمع حرياتهم وكسر كرامتهم. كما برّر ميكافيللي للحاكم بان يحرق كلّ شيء ويدمرّ كلّ عمران وان يسفك الدماء ويقتل كلّ ما يعيق او يهدّد حكمه وذلك من اجل البقاء والاستمرار.
وما ينطبق على الحاكم، ينطبق على نهج وسياسات الدول وخصوصا الطامحة للسيطرة والبقاء.
والان نناديكم يا شعوب العالم الاحباء!!!
يا من استسلمتم للعاطفة، وجرفتكم العصبيات والاهواء، وضللكم خداع ومكر الحكام وسياسات الدول. هذا الخداع الذي تغذى بالفتات والوعود الكاذبة التي كانوا يوزعونها عليكم كذرّ الرماد في العيون. كما ضللكم ترويج الادعاءات الكاذبة وإثارة الفتن والعنصريات المختلفة التي أنستكم انفسكم، وكرامتكم، ومستقبل ابنائكم، وحرياتكم.
قفوا ولو لمرة وقارنوا. بين صفات الحاكم الفاسد الماكر، وصفات حكام وسياسات الدول اليوم. ولتكونوا صادقين موضوعيين في تقييمكم وحكمكم. ابتعدوا عن إطلاق الاحكام والتهم غير الواقعية. كونوا محايدين وموضوعيين في حكمكم. لا تنحازوا لهذا ولا تتحاملوا على ذاك.
وبهذا تكسبون قوّة المعرفة، وتخرجون الى رحاب الاستقلال والحرية.
المعيار أصبح بين ايديكم. والحكم يجب ان يكون واضحا وصريحا.
فاقرأ وقارن، ودع القرار في قرارة نفسك وسرّ في الطريق المستقيم الذي يحمي إنسانية الانسان وكرامته، ويزيده عنفوانا، وقوّة، وشموخا، واباء.
عندها تصبح حرّا، لأنك تزودت بالمعرفة وأصبح بإمكانك ان تختار، وان تتخذ القرار الصحيح الذي يحمي وجودك كانسان يتمتع بحقوقه دون منّة من أحد، ويقوم بواجباته بكل وعي وقناعة، وذلك في ظلّ دولة القانون العادل وحماية هذا القانون، وعبر المشاركة في الانتخابات واختيار الصالح ومساءلة الفاسد بعيدا عن ضوضاء الشارع والسير في عراضات.
لأنه وحسب رأي ميكافيللي " أبو السياسة"، بان لا معنى حتى للديمقراطية في ظل الجهل والتبعية، لا بل انها تخدم مصالح الأقوياء والاثرياء على حساب المغفلين الجهلاء.
أخيرا:
نداءنا لكل شعوب العالم المقموعة، بأن تقرأ كتب التاريخ والفلسفة، لتفقه كيف تدار الأمور وما يراد لها لتتحرر من جهلها وسذاجتها وتنطلق كالرياح لاستعادة حقوقها وانسانيتها.
المرجع:
كتاب الأمير- نيكولا ميكافيللي