الحقائق والمعتقدات

 يزن مشهور أبو لطيف - 27- 5- 2023

غالباً ما يدفع الإنسان ضريبة معتقداتهِ الخاطئة والمتوارثةِ والتي تتسم حصرا بطابع ديني .

بسبب معتقد يحمل جذور دينية مجهولة المصدر استطاع قائد اسباني لا يملك إلا سبعةً وثلاثين حصان مع مئة وثمانين جندي ان يحتل أكبر مدن المكسيك  ذلك في اوائل اكتشاف القارة الامريكية  ، سقطت  مدينة تينوختيتلان المكسيك حاليا  تحت حوافر سبعة وثلاثين حصانا  ، المدينة   التي كانت في ذلك الوقت أكبر من مدينة مدريد بستةِ مرات ، لم تسقط  بسبب ضعف اهلها او عدم قدرتهم على رد الأعداء أنما على العكس لقد كانوا مقاتلين شرساء لا يمكن مقاومتهم او هزيمهتم بسهولة ، إنما من هزمهم هو ذلك المعتقد الذي آمنوا به بدون وعي ولا فكر ولا حتى تحليل منطقي لمصدره او اساسه ، لقد آمنوا بفكرةٍ  عمياء زرعها في رؤوسهم كهنة المعابد ، مفادها أن آلهتهم ستصل من الشرق يوما ما لتخليصهم . وهذا ما اعتقدوه حين وطأت قدم الانسان الأبيض أرض القارة .


ألم تسقط طروادة بعظمتها وقوتها بسبب معتقد ديني كذلك حين اقنع الكهنة ملك طروادة وابنه هيكتور الحكيم بأن الحصان هو هدية من الإله أبولو ولا يجب رفض الهدية ، وحين ادخلوا الحصان اسوار المدينة كانت المفاجئة المحزنة والخاتمة المؤسفة.

 وهذه البلاد الجميلة التي دنستها الحملات الدينية وعشاق النهب والسلب هي جنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ،  لقد سرقوا كل كنوزها وخيراتها من ذهب وفضة واحجار كريمة وزمرد وارسلوها بالسفن المحملة باطنان من  الكنوز الى ملوكهم وسادتهم وتركوا هنا شيئا وحيدا سيبقى الشاهد الاكبر على توحشهم ، على هذه الأرض مشى السيف بجانب الصليب ،   وفي ادمغة اولئك المحتلين لا تجول إلا فكرة واحد أثمن من دماء القتلى  واثمن من الله ذاته،   إنه الكنز .


إن أبشع الحروب تلك التي تحمل طابعا دينيا لانها تبرر كل ما هو محرّم ولا اخلاقي تحت اسم الدين الجديد ،أو بالأصح تحت اسم تلك اللعنات ، حيث  يتم طمر التاريخ الحقيقي وتزوير الحقائق كي تعوم على السطح فكرة واحدة تأخذ سمة القداسة التي اتوا لاجلها   والتي كانت غطاء للصوصيتهم ،ما قبل كولومبوس كانت حضارات  أمريكا  القديمة من اكثر حضارات العالم ازدهارا وتقدما من الناحيتين الفكرية والروحية  ، لقد كانت معلومات المايا عن الفضاء ربما  اكثر دقّة مما نحن نعرفه اليوم وكان الانسان بالنسبة لهم هو مادة الحياة الأولى التي تستحق التقديس والعناية ،إنما خطة المحتل واحدة وفي كل مكان  يقوم بتندنيس معتقدات من احتلهم والتقليل من شأنها ومن ثم يزرع في عقول الناس افكارا سخيفة تقلل من القيمة الفكرية لاولئك الاسلاف كفكرة الاضاحي وانتزاع القلوب بغير رحمة وفكرة وئد البنات والجاهلية في الشرق وغيرها . بينما يعتبر سيل الدماء على انصال السيوف وقطع الرقاب واحتلال البيوت ونهب الارزاق رسالة سماوية مقدسة ، تذكرُ المراجع التاريخية الإسبانية بأن كميات الذهب والفضة التي وصلت الى ميناء اشبيليا في اسبانيا ما عدا الأحجار الكريمة خلال مئة عام ونصف أي بدء بسنة 1503ميلادية كان ما يقارب 185الف كيلو من الذهب ، و 16مليون كيلو من الفضة ، قرن ونصف لم تعرف مياه الأطلسي خلالها سوى سفن اللصوص القادمة من الشرق والمحملة بالصلبان والتي تعود إلى الشرق محملة بالكنوز والمسروقات ،ارقام مذهلة حقا.


  قد يسأل البعض أين ذهبوا بكل تلك  الكنوز ، سأجيب باختصار  لان الإجابة الحقيقية على هذا السؤال هي رواية حقيقية لا يمكن اختصارها ، لقد كانت اسبانيا كمن يملك البقرة ولا يملك حليبها .

في آخر القارة الأمريكية من الجنوب وقريبا جدا من جبال الجليد ترك الانسان بصمتة النقية في الكهوف التي يبلغ عمرها آلاف السنين لقد كانت الأرض بيتا واحد لجميع البشر بصمة لها مثيل في كهوف متفرقة في كل بقاع الأرض تحمل  نفس الرمز وبنفس الطريقة في كهوف الارجنتين وكهوف الانديز والبيرو وصولا الى شمال المكسيك في صحراء الجزائر وفي  كهوف اوروبا والشرق رمز واحد ومتطابق ، لقد ترك الانسان بصمة يده على الجدران كدليل على وحدة الإنسانية ،في آخر القارة الأمريكية من الجنوب تدفع دولة الارجنتين رواتب للسكان المحليين كي لا يغادروا  قراهم الباردة والنائية هنا يقع آخر احد الكهوف التي ترك الانسان منذ آلاف السنين بصماته على جدرانها .

  


وسأرفق صور من مكان آخر على حدود البرازيل مع البوروغواي  كهف حديث الاكتشاف حيث توجد أكبر نسبة من  الاحجار الكريمة   ، احيانا يقدم لك اطفال القرى المجاورة حجرا كريما مقابل وجبة طعام.

 أخيرا اقول ـ إن الحياة ستكون أكثر نقاء وجمالا ً حين تصعد ادراجها من باب الفكر والحقيقة.