الحصانة من وجهة نظر قانونية
 المحامي الأستاذ خالد نيازي العماد

خالد نيازي العماد / محام بالاستئناف

19 -7 -2021

بداية ، إن ما سأشير إليه يعبر فقط عن رؤية شخصية لما يثار حول الحصانات وطرق تفسيرها وسبل إستعمالها ولا يرتبط بأي شكل من الاشكال بأي موقف ومن أي نوع يتعلق بسير التحقيق أو النتائج المرجوة منه 

 في ظل ما يحصل في لبنان من تطورات على  كافة المستويات برزت مؤخراً قضية ترتبط بتفجير مرفأ بيروت والتداعيات  الناجمة عن كثرة التباينات وتنوع الآراء حول موضوع الحصانات ومدى انطباقها على مسار العمل القضائي حيث أخذ الموضوع بتشعب لدرجة اعتباره وجهة  نظر قابلة للنقاش والتعديل دون الاخذ بعين الاعتبار وجود نصوص قانونية مفروضة حكماً يجب اعتمادها وعدم التوسع في تفسيرها حرصاً على حسن سير الأمور توصلا لإعطاء كل ذي حق حقه. من هذا المنطلق عملت على توضيح بعض النقاط المرتبطة بشكل مباشر بمعاني مفهوم كلمة " الحصانة" وفقاً للمعايير القانونية التي ترعى تلك الحصانات بعيداً عن أي رأي مسبق ومن أي نوع له علاقة بما يحصل من تحقيقات أو ما شابه. 

إن "الحصانة" كمعنى لغوي هو قيد هام على الحق في التقاضي ويعتبر حق دستوري معترف به من قبل معظم التشريعات والقوانين الإجرائية. وبحسب الاتفاقيات الدولية تعتبر الحصانة إستناداً إلى مفهومها العام إمتيازاً لبعض الأشخاص من ممارسة السلطات المحلية وعدم هيمنتها بشكل عام كما أن الحصانة وفقاً لكافة التشريعات  تعتبر قواعد مانعة تضع قيود وحد من الاختصاص القضائي للدولة.

 وهي بصورة عامة حماية لأشخاص معينين حددهم المشرع من الملاحقة القضائية عن الأفعال التي يرتكبونها في معرض ممارستهم أعمالهم.

 إذا،

 إن مفهوم الحصانة وفقاً للتعريف العام هو حماية لبعض الأشخاص إلا أن تلك الحماية ليست مطلقة ولا يمكن أن تعتبر إفلاتاً من العقاب لكنها تمتاز بوجوب إتباع إجراءات شكلية فرضتها طبيعة العمل حيث أن الحصانة مقيدة بعدم ارتكاب أي من الأشخاص المشمولين فيها أي فعل ومن أي نوع يقع تحت طائلة المساءلة القانونية. 

لا بل أكثر من ذلك، لقد حددت النصوص القانونية طرق المراجعة واستثنت من كل ذلك الجرائم التي تندرج في  إطار الجرم المشهود وهذا ما يعزز من القول أن الحصانة وفقا لغايتها ووفقا لغايتها ووفقا للتعريف العام ليست تنصلاً من العقاب بل هي حماية لبعض الأشخاص من ممارسة أعمالهم دون أي ضغط أو تهديد حرصاً على ممارسة الاعمال بحرية تامة. ومن الأمور المهمة التي إتسمت بها الحصانة هو أنها إمتياز منح لأشخاص لكن هذا الامتياز لا يرتبط بشخصه أبداً وإنما مرتبط بالمهام والوظائف التي يقوم بها وهذا ما يجعل موضوع رفع الحصانة أمام القضاء يكرس مبدأ العدالة والمساواة أمام القانون. وبهدف توضيح مفهوم الحصانة نذكر مثلاً أن الحصانة ظهرت لأول مرة في بريطانيا خلال القرن الرابع عشر ثم تلتها فرنسا مع قيام الثورة 1789 حيث فرضت الحصانة نفسها إثر التهديدات والضعوطات التي تعرض لها أعضاء البرلمان خلال مزاولتهم مهامهم من قبل السلطات الإجرائية والتنفيدية مما أدى إلى عرقلة عمل هولاء النواب. 

وما يميز الحصانة كمفهوم عام هو أنها لم تكن في أي يوم من الأيام سبباً لخروج من يتمتع بها وعن المساءلة القانونية كما أنها لا تمنح من يتمتع بها صلاحية توظيفها على عكس طبيعتها وماهيتها بل على صاحب الحق بالحصانة تطبيق المبادئ القانونية والحرص أكثر من غيره في تطبيق القوانين وإحقاق الحق وإلا تصبح الحصانة ساقطة إجتماعياً وسلوكياً قبل سقوطها بالطرق الإجرائية. في لبنان، يتمتع كل من أعضاء المجلس النيابي والموظفين العامين والمحامين بحصانات نص عليها القانون فالنائب مثلا لا تترتب عليه أية مسؤولية قانونية ناجمة عن الآراء والمواقف التي يعبر عنها ويتخذها خلال جلسات البرلمان ، وهذا ما يؤدي على منح النائب فسحة من الاطمئنان لممارسة عمله بحرية بعيداً عن التهديد والتأثيرات، أما الحالات التي تخرج عن طبيعة عمله ولا ترتبط بأي شكل من الاشكال بمهامه كنائب لا تكون مشمولة بالحصانة. 

فضلاً عن أن المحامي في لبنان يتمتع بحصانة قانونية مكرسة بموجب نص المادة 79 أصول تنظيم مهنة المحاماة حيث لا يجوز ملاحقة المحامي قضائياً إلا بعد إذن خاص من مجلس النقابة والهدف واضح وهو منع كل مظاهر التهديد والضغوطات  من متابعة المحامي لمهامه في الدفاع عن مصالح موكليه وتقديم كل البراهين والأدلة على ذلك. إلا أن رفع الحصانة سواء عن النائب أو المحامي أو الموظف العام لا يعني إطلاقاً ثبوت أي  فعل من الأفعال المنسوبة إلى أي منهم وليس له تأثير ومن أي نوع على مجرى التحقيقات ولا يعدو كونه إجراء أوجده المشرع تحقيقاً لغايات معينة وهذا ما كرسه الاجتهاد من أن طلب رفع الحصانة مشروط بقيود تتعلق بتوفر المعايير المبدئية الواجب اعتمادها في أطار جدية الملاحقة وبعدها عن الكيدية لأسباب غير منطقية ولا تتلاءم مع الواقع بشيء.

 ومن خلال ذلك إن موضوع طلب رفع الحصانة الموجه من حضرة المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ يجب النظر إليه من خلال مضمون الطلب ومعاييره بإعتبار أن المطلوب الاستماع إليهم من السادة النواب محدد فيما خص الاعمال الموكلة إليهم أثناء توليهم مهام وزارية وليس كعملهم في العمل التشريعي مما يجب الفصل في الحالتين بإعتبار أن الأفعال التي يقوم بها الوزير لا تحتاج  إلى طلب رفع الحصانة النيابية لأن أي من الأفعال المراد إستيضاحها جاءت نتيجة العمل الوزاري وليس النيابي فيكون قرار رفع الحصانة من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب واجب قانوني ولا يمس بقاعدة الانتظام العام بشيء. كما ان طلب رفع الحصانة من قبل نقابة المحامين عن بعض الزملاء يحمل تفسيرين :

الأول هو أن الأفعال التي نسبت للمحامين كانت أثناء توليهم العمل الوزاري ووفقاً لقانون تنظيم مهنة المحاماة لا يجوز الجمع ما بين مهنة المحاماة والوزارة وبذلك يكون كل من الزملاء المطلوب الاستماع إلى أي منهم حتى بإعتبار أنه لا يوجد فعل منسوب إليهم مرتبط بعملهم كمحامين. 

والتفسير الثاني أن كل من الزملاء المطلوب الاستماع إليهم قد جددوا  إنتسابهم إلى النقابة بعد حصول الحادث عندها يكون طلب المحقق العدلي منحه الاذن واقع في محله القانوني بغض النظر عن ماهية الأفعال المنسوبة وحجمها ومقدار توفر مسؤولية أي منهم. 

ويبقى أخيراً، إن للحصانة مفهوم أنبل وأرقى من كل المزايدات بإعتبارها ترتكز أولاً وآخراً على مفاهيم الاخلاق والاحترام تطبيقاً للقوانين والسعي إلى تحقيق العدالة لأن الحصانة هي  سلوك سامي تمنح صاحبها حق التصدي بالذات لكل محاولات هدر الحقوق أو التطاول على القوانين وعدم الالتزام بها.