الحب الذي يتحوّل الى كره

 

ايمان أبو شاهين يوسف - 12- 10- 2023

 جاء في القرآن الكريم: (ليُحِقُّ الحقَّ ويُبطِلُ الباطِلَ ولو كَرِهَ المُجرِمون) "سورة يونس 82 "

 وجاء أيضا: (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لك الأمور حتّى جاء الحقُّ وظهر أمر الله وهم كارهون) "سورة التوبة 48"

 "الآية 82" من سورة يونس فتقول: ويثبت الله الحق ويعليه على الباطل ويصححه بأمره ولو كره المجرمون. أي الذين اكتسبوا الاثم بمعصيتهم لله. 

وهذا فيه دلالة على ان بعد المعصية سيأتي الكره والاكراه. 

اما الآية 48 من سورة التوبة فتقول: من طلب صد الناس عن الخير والصالح وردهم الى الكفر والفساد فسيخسؤون عندما يظهر الحق ويبطل كيدهم ويضمحل باطلهم. 

وبعد هذا التنوير فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا فهو: هل يمكن للحب ان يتحوّل الى كراهية؟

 الإجابات جاءت متناقضة، حيث قال البعض ان طرح السؤال بهذه الصيغة هو خطأ مقصود بهدف اجبارنا على التفكير ضمن دائرة مقفلة لا تحتمل الإجابة فيها   إلاّ بالإيجاب او النفي، وهذا خطأ لأنه لا يمكن قطعا للحب ان يتحوّل الى كراهية حتى ولو فرضت الظروف بتفريق الحبيبين قسراً، فان العاطفة تبقى مختبئة في الفؤاد لتتقد وتشتعل ما ان ترى او تلمح الحبيب مجددا. 

والرأي الثاني يقول بكل تأكيد فالحب ينقلب الى كره عندما يكتشف احد الحبيبين عيوبا لم تكن ظاهرة عند بدء العلاقة وقد اخفاها عنه الحبيب، حيث يصبح العيب يدفع بعيب اخر وتصبح العلاقة متوترة وغير قابلة للاستمرار، وكل ما كان يبدو في البداية جميلا ومرغوبا يصبح قبيحا ومنفّرا، وهكذا يتحوّل الحب الى كراهية. 

طبعا ان كل إجابة من هاتين الاجابتين انطلقت من وجهة نظر مختلفة، ومن خلال تجربة خاصة، ولم تكن دقيقة وواضحة، بل بسّطت الامر اكثر من المطلوب. واذا عدنا للمراجع المختصة نجد انفسنا مجبرين على مناقشة أمور عديدة قبل إعطاء الجواب الصحيح. 

جاء في القران الكريم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم ازواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمةً إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون) " الروم: اية21"

 وهذا يعني انه اذا وجد الصدق ووجدت الرحمة في المعاملة استمرت المحبة وظلت العلاقة بين الفريقين مستقرة ومستمرة.

 وجاء في "سورة النحل: آية 107”: (ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين) 

وهنا إشارة الى ان من بَعُدَ عن القيم والأخلاق وانغمس في الشهوات الدنيوية وآثرها السلوك الصالح فهو من الكافرين الذين سيكرهون. 

اما سورة "يوسف: آية "30 فقد جاء فيها: (قد شغفها حبّاً إنّا لنراها في ضلال مبين) 

وتشير هذه الآية الى ان من يدع النفس الامارة بالسوء تتحكم بوجدانه وتتغلب على منطق العقل والعفة سيكره ويعاقب على سقطته. 

وسورة" آل عمران: آية 134" تقول: (لذين ينفقون في السرّاء والضرّاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)

  وهذه الآية فتقول، بان الذي سيكسب المحبة والحسنة في النهاية، فهم الصابرون، المحبّون، المتسامحون مع الاخرين. 

وجاء في الكتاب المقدس:( وفوق هذا كلّه البسوا المحبة، فهي رابطة الكمال). 

وجاء أيضا: (ولتكن المحبة بلا رياء، انفروا من الشر، والتصقوا بالخير). 

وقال السيد المسيح: وصيتي لكم هي هذه:(ان يحب بعضكم بعضا كما انا احببتكم). 

وهو الذي قال عندما جُلِد ورُفِع على الصليب: (اغفر لهم يا ابتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون). 

وهكذا فإننا نجد في هذه الآيات الكريمة دعوة الى الابتعاد عن الكذب، والغش، والخيانة، والشر، والخداع. والتمسك بالخير، والصدق، والكمال، والمحبة، والغفران.

 ولكن ماذا تعني المحبة وماذا يعني الكره؟

 بداية يجب ان نشير الى الفرق بين الحب والمحبة، لان المحبة هي نوع خاص من أنواع الحب، وتدل على الحب اللامحدود واللامشروط، وهي بخلاف المعنى العام للحب فإن المحبة لا تمثل الحب البيولوجي بين البشر، بل هي الحب المطلق تجاه الحبيب سواء كان الخالق او المخلوق او كان مجرد فكرة او قناعة معينة.

 بينما الحب هو مجموعة متنوعة من المشاعر الإيجابية والحالات العاطفية والعقلية قوية التأثير، تتراوح بين اسمى الاخلاق الفاضلة الى ابسط العادات اليومية. هناك حب الام الذي يختلف عن حب الزوجة او حب الطعام او حب لعب كرة القدم مثلاً... وبكل الحالات فالحب يتحكم فيه شعور الانجذاب.

 اما الكره فهو سلوك عدواني يظهره احدهم تجاه الآخر، كالانفعالات العنيفة، الإساءة اللفظية، الاهتمام المنخفض، الإهمال المتعمّد، القاء اللوم، عدم الرغبة بذكر او بالتحدث عمن يكره، الايذاء المقصود، تمني السوء والضرر للشخص الي يكره، تدبير المكائد، اصطياد الأخطاء، ترويج الإشاعات... 

وربما نتساءل كيف يتولد الكره؟ 

هناك أسباب كثيرة يتولد عنها الكره، وجميع هذه الأسباب سلبية بطبيعتها مؤذية بسلوكها هدّامة في ادائها سواء على الذي يكره او المكروه، ومن هذه الأسباب: الخيانة، الكذب، غياب الشعور بالأمان، العصبية، الغرور، البخل، عدم الثقة، عدم الاحترام، تقييد الحرية، عدم احترام الاهل، التعالي، الإهمال، التشبث بالرأي، عدم المشاركة بتحمل المسؤولية، عدم التفاهم، عدم الواقعية، الانانية، الخفة وعدم الوعي، كثرة التذمر والشكوى، الكلام البذيء، التسلط والتحكم بقرارات الاخر، عدم احترام خصوصية الاخر، نكران الجميل، الظلم، عدم الوفاء، التشهير.... 

 وقد نتساءل كيف يتولد الحب؟ 

أيضا هناك أسباب عديدة يتولد عنها الحب، لكنها بمجملها إيجابية ولطيفة، تفرح القلب وترضي النفس، وتبدأ بانجذاب خاص بين شخصين. يظهر هذا الانجذاب من خلال الرغبة في الحديث بينهما وببقاء الواحد الى جانب الاخر، وملاطفته، ومدحه، والاعجاب بكل تصرفاته، وتضخيم حسناته وروعتها في عيون الاخر.

 اما سبب هذا الانجذاب قد يكون الجمال، اللطافة، المعاملة الحسنة، مواقف المروءة، النجاح، الحياء، النظرة الساحرة، الكرم، الغنج والدلال، التضحية، القناعة، حسن الحديث، النفس الطيبة، ....

 بعد ان علمنا سبب الحب وسبب الكره أصبح من السهل علينا ان نقول اذا كان من الُممكن ان يتحوّل الحب الى كره ام ان ذلك مستحيل!!! 

هناك مقولة تقول: ما بُنِيَ على باطل فهو باطل. 

وأخرى تقول: متى فسد الملح فسد الطعام. 

ونعني بذلك انه طالما كانت أسباب الحب باطلة فبالتأكيد سيصبح الحب باطلا والامثال كثيرة هنا: فاذا كان الانجذاب مثلا بسبب اللطافة وظهرت وقاحة وفظاظة الفاظ احد الحبيبين فبالتأكيد سينهار الحب ويخلف الكره من بعده.

 او كانت العفة سبب الانجذاب وحصلت الخيانة من احد الحبيبين فبالتأكيد سيتحول الحب الى كره. 

او اذا كان الحب بسبب الاحترام والكرم ثم يزول هذا القناع ليظهر البخل والتنمر والتحقير فسينقلب بالتأكيد هذا الحب الى كره وحقد وضغينة. وقس على ذلك امثالا كثيرة.

 واذا قلنا في البداية ان المحبة تختلف عن الحب فهذا لان المحبة فعل قرار ومبدأ وليست فعل انجذاب ومصلحة. والمحبة محصورة بالأنبياء والاتقياء الذين لا يطلبون مقابلا لمحبتهم، كما انهم يستطيعون التعالي عن الضيم والاذى، ويسامحون من اساء اليهم. ومع ذلك فقد نجد بين الأمهات اللواتي يتصفن بالتضحية والمحبة والعطاء الدائم وبدون مقابل، من تصل بهن الايام الى كره اعز الناس لهن وفلذات اكبادهن، بسبب سوء المعاملة والجفاء وقلة الوفاء، والإساءة لهن ولكرامتهن في أواخر حياتهن، ورميهن في دور العجزة وعدم الرحمة بهن وبضعفهن مما يجعلهن في موقف الجفاء والعتاب لأولادهن غير الابرار وقليلو الوفاء. 

بينما السيد المسيح الذي جاء ليخلص الإنسانية قام الناس بصلبه وجلده ومع ذلك طلب لهم من الرب السماح لأنه كان يعلم بانهم جهّالا، يطبق العمى على بصرهم وبصيرتهم، فاستوعبهم ورضي بان يكون الفادي لخلاصهم وخلاص نفسه. 

 اذن المحبة الحقيقية هي، عندما نستطيع فهم شركائنا وكشف نقاط الضعف عندهم ونحاول ان نسامح واكثر من ذلك بان نفديهم.

 بينما الحب وخاصة علاقة الزواج فهي مبنية على عقد رضائي (عرض وقبول) وهذا العقد كبقية العقود عندما يظهر فيه عيبا خفيا، ينحل هذا العقد وينتج عن هذا الحل اثارا يتحملها المتعاقدون. 

 وهذ ما يؤكد بان الحب عندما يحصل الخلاف يتراجع عنه الحبيبان ويكون الكره من اول نتائجه.

 وبذلك يمكننا القول بان الحب، مهما كان قويا في البداية فعند انهياره، حتما سيتحوّل الى كره.

 اما اذا تدخلت أسباب ومنعت الحبيبين من اكمال حلمهما وفصلت بينهما بالقوة كما حدث مع قيس وليلى فمن المؤكد ان لا تنطفئ شعلة هذا الحب الذي بقي بكرا واصبح حكاية تتناقلها الأجيال المتعاقبة. 

المراجع

- القرآن الكريم. 

- الانجيل المقدس. 

- النهار15/6/22 

- الجمهورية نت 1/1 /2018 

- كتاب الحب والكراهية- ميلاني كلاين/ دار البشائر