سهيل حاطوم
يرجع التضليل الإعلامي إلى قدم الإعلام , وتاريخ المراوغة السياسية والنفاق الاجتماعي والخداع الفردي التي تمس العلاقات الشخصية والاجتماعية والدولية , فهو وسيلة سياسية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو المجتمعي.
وبحسب الباحث الفرنسي " فرانسوا جيريه" في كتابه" قاموس التضليل الإعلامي", فهو وسيلة تستخدم لتعزيز السلطة عبر ضم المعلومات الجيدة لرصيد المرسل مقابل استخدام التضليل الإعلامي ضد أعدائه وخصومه.
وعليه يقول " جوزيف غوبلز " وزير الإعلام النازي في الحرب العالمية الثانية " أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطك شعباً بلا وعي", حيث كانت هذه إحدى الاستراتيجيات التي بنت عليها بعض الحكومات أساليب تعاملها الإعلامي مع جمهورها , ويبدو أنها لاتزال تجد مروجين جيدين لها حتى الآن.
بدوره يقول " باسكال بونيفاس" مدير مركز الدراسات الجيوسياسية في باريس إن "التلاعب بالمعلومات معروف وموجود منذ زمن طويل , ولعل تطور الاهتمام بالرأي العام على المستوى الدولي جعل هذا التلاعب أكثر وضوحاً" , ويوافقه " جيريه" في أن عملية التضليل الإعلامي تؤسس دائماً بصورة واعية كي يصاغ رأي عام مؤيد للوسيلة التي يصدر عنها هذا التضليل , معتمداً على مشروع منظم هدفه تشويش الأذهان والتأثير على العقول كما العواطف, وهذا كله يفرض ضرورة البحث عن دواعي تحول بعض وسائل الإعلام إلى آلة مسخّرة لتمرير أخبار معينة تهدف إلى إخفاء الوقائع عن الجماهر المتلقية للرسالة الإعلامية وخاصة في الوقت الراهن , والمطبوع بالصراع بكافة أشكاله , وبالحروب التي أغرقت العالم في بوتقة الكراهية , حيث تحولت الفضاءات الاجتماعية إلى مختبرات لتجريب الأكاذيب من طرف الآلات الإعلامية , ما يحول الوقائع إلى مجرد أوهام تعشش في رؤوس المتلقين وتؤسس لإنتاج قوالب وتمثيلات اجتماعية خطيرة .
ويضع الإعلام الغربي أسساً عملية لتداول المعلومات والصور وقواعد معالجتها وإحكام السيطرة عليها بشكل يسهم في تحديد معتقدات الجمهور ومواقفه بل وتحديد سلوكه في نهاية المطاف.
ورغم أن أخلاقيات الإعلام تفرض على وسائل الإعلام القيام بواجباتها ووظائفها بصدق وأمانة ونزاهة وموضوعية وتوازن وشمول ودقة وعدم إساءة استخدام سلطة الإعلام , لكن مع وجود صراع المصالح الهائل على المستوى العالمي , فإن هذه الأخلاقيات تغيب أحياناً وتحدث بشكل متعمد أنواع من التضليل الإعلامي.
وهذا التضليل يرتكز بشكل أساسي على الفبركات , حيث يجري بث مشاهد بعناوين غير حقيقية من أجل تحريض الرأي العام أو دفعه لتبني وجهة نظر محددة أو تحريف الحقيقة أو اجتزائها أو تغييرها في بعض المناحي, ومن هنا فإن امتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها شأنه شأن كل أشكال الملكية الأخرى متاح لمن يملك رأس المال , والنتيجة الحتمية هي أن تصبح محطات الإذاعة وشبكات التلفزة والصحف والمجلات وصناعة السينما ودور النشر ووسائل التواصل الاجتماعي مملوكة جميعاً لمجموعة من التكتلات الإعلامية , وهكذا تصبح أجهزة الإعلام جاهزة تماماً للاضطلاع بدور فعال وحاسم في عملية التضليل.
وتشير الدراسات إلى أن أقدم عملية تضليل إعلامي أمكن تحديدها هي قيام كهنة معبد الشمس في جنوبي العراق بكتابة تاريخ إنشاء المعبد على أنه في عهد الملك الأكادي " مانيشا توشو" والذي كان قد توفي قبل البدء بالبناء وذلك لتبرير النفقات الباهظة التي تم صرفها وإقناع الناس بذلك.
وفي السياق ذاته يعد العراق إنموذجاً لضحايا التضليل الإعلامي الممنهج على مستوى العالم , حيث أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق بوش في خطبة عام 2001 أي قبل تفجيرات 11 أيلول بأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل , وكرر تلك الكذبة كل من نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد ووزير الخارجية كولن بأول الذي قدم خلال جلسة لمجلس الأمن صوراً ادعى أنها مأخوذة من أقمار اصطناعية تظهر مواقع أسلحة الدمار الشامل في العراق وذلك لتبرير شن الحرب وتضليل الشعب الأمريكي وخداع الرأي العام وهو ما كان , حيث شنت الولايات المتحدة حربها على العرق عام 2003 بناء على كذبة لتعلن لاحقاً بأنها لم تجد أي أثر لأسلحة الدمار الشامل في العراق .