13-7-2021
الكاتبة / لينا صياغة
أيام الدراسة كنت أمرّ بمحاذاة العم فؤاد أراه جالسا أمام محلّه ، يرتشف الشاي ، وفي يده مسبحة زرقاء يقضي وقته يسبح بها ويسحب حباتها واحدة تلوة الأخرى ، وألاحظ ابتسامته التي تحمل الكثير من المشاعر النبيلة العميقة ، وفي مرّات عدّة يصادف وجود طالبات قربي ، لم يعجبهنّ طرحي التّحيّة على هذا المُسن ، يستهزأن من تصرفي و يضحكن غالبًا ، حتى هذا الرجل سمع تعليقاتهن .
مرّت عدة اسابيع و دام الحال ، وفي يوم استوقفني ، لاحظت لأول مرّة نظرته الثاقبة و بشرته السمراء ، فاجاني بسؤاله: " لماذا تلقي علي التحيّة ؟؟ و استمريتِ رغم استهزاء الطالبات منك ؟؟؟
اجبته بعفوية : هل تحيتي تزعجك؟قال: بالعكس انها اكثر ما يسعدني ، و اليوم قررت أن اكلمك لأقول لك شكرا لأنك تحيّيني و تُحييني ، فابقِ كما انت لا تدعي روحك تنطفئ و تفارقك حافظي عليها معك كي لا تصبحي شبحاً بلا روح مثل زميلاتك، و لا تسمحي لأحد بتغيير سريرتك ، ثمّ تابع الحديث ، يمرّ آلاف الطلبة كل يوم من امامي ، أنت الوحيدة من يلقي علي السلام و يجعل صباحي جميلًا . لم تخطر ببالي هذه الإجابة .
وقبل أن أمضي في سبيلي و ثَّقتْ شمس الإنسانيَة لوحة الحياة النابضة تفاعلاً المتكاملة تواصلاً و ترابطاً في منطق وجودنا الهادف ، فتجلَّت بأبهى حلل الفهم بأنّنا مرتبطون ومتصلون ، فلا تقطعوا الأواصر ، أولها إلقاء التحيّة بيننا لأنها المفتاح السحري لكنز الباب الأعلى بين البشر الذي يُِقصّر المسافات بيننا و يعطينا المحبّة شبكة الروابط الخفيّة في الوجود.
كنت أفكّر دائماً بقوله و نصيحته لي و فهمت بأن الروح هي المحبة ، نتبادلها بالعلاقات الإنسانية الطيّبة وعندما نفقدها نصبح أشباحًا . ما زلت حتى الآن أذكر ابتسامته و محيّاه ، فلا تبخلوا بالسلام على احد لأنّ التحيّة تُحيي قائلها و تحيي من يرد السلام بمثله .
سلام عليكم أجمعين