إيمان ابو شاهين - 18 - 3 -2023
من ترى في الكون نحن ؟ انّنا الانسان ، نحن
نحن أبناء الحياة
وترانا أين نحن ؟ في نعيم الله نحن
نحن في وهج الحياة
وعلينا الله يحنو يا تقدّس من اله
يا تمجّد في علاه ( من كتاب ارادة الحياة )
بهذه النغمات الروحية نبتدىء، هذه النغمات التي رقّت حتى شفّت وطارت كنسيم ربيعيّ ، يدخل القلوب فيلطّفها ، وينعش العقول فيحرّكها .
نغمات عزفت على أوتار قلب الأديب سعيد أحمد أبو شاهين ، لتقدّم لنا معزوفة جميلة اسمها الحياة، كتب الحانها وغنّ اناشيدها انسان هذه الحياة، هذا الانسان الذي هو الجوهر والمضمون ،لا بل هومحور هذه الحياة.
نعم الانسان هو المحور عند الاديب سعيد أحمد أبو شاهين ، لكن الانسان هنا لا يشبه من سبقه من أناس في أدب وشعر الآخرين ، فهو ليس ابن الخطيئة ، وليس بالحيوان الناطق ، وليس أسود رأس ، وليس الشهوة والغريزة ….
بل هو الانسان بعينه الذي يمتلك جوهرا انسانيا مقدّسا ، ويحمل قبسا من نور الله ، فيجعل من الكون مكانا له ومن الزمان عمرا لوجوده ، ثمّ يعبر من هذا المكان الذي لا حدّ له ولا زمان ، الى اللامكان واللازمان ، فيرى قدس الأقداس ،ويعي بعقله اليقظ قوّة هذه القدرة الالهية العظيمة فيمجّدها ويحمدها ، ويفرح فرحا عظيما ، لأنّه عندما وعى الله أصبح قادرا أن يعي ذاته ويعيش نعيم حياته.
وقبل أن نلحق بهذه الروح الكبيرة ، ونتفاعل مع كلّ اختلاجاتها وانفعالاتها ، ونغوص فوأدبها سنشير ولو باختصارالى السيرة الذاتية للأديب ، ومن ثمّ ننطلق محاولين الدخول الى منبع شاعريته وأدبه ، فنصعد مركب أحلامه وأفكاره لنسافر الى المحيط الذي منه نهل ، ونجمع ما يحلو لنا من عقيق ومرجان ، ونرمي ما نصادفه من أحجار وصدف .
الاديب سعيد أحمد ابو شاهين
نشأته :
ولد الاديب سعيد أحمد ابو شاهين عام 1915 ، من عائلة مؤلفة من أب يدعى احمد محمود ابو شاهين وهو حفيد الولي الشيخ ابو محمود احمد ابو شاهين (صلوات الله عليه ) ومن أم تدعى أمينة فايز ابوالحسن ابنة بيت كريم من بيوتات آل ابو الحسن ، وله من الاخوات اخت تدعى شفيقة ومن الاخوة ثلاثة : محمود ، حسين ومجيد .اما ترتيبه بين الابناء فانه الابن الرابع.
تميزت هذه العائلة بحب العلم والمعرفة والتمسك بالقيم والاخلاق والسير في دروب الصلاح والتقوى ، واعتمدت في معيشتها على الزراعة ( صنوبر ، زيتون ، كرمة ، قمح ، بقوليات… ).
اما الاب فقد كان شغوفا بحب العلم والمعرفة ، وكان دائما يحث أبناءه على النهل من محيط العلم والسير بنور شمس المعرفة ، حتى أصبح ابنه حسين من نخبة شباب جيله علما ومعرفة.
الأخ حسين قرّر أن يعلّم أخاه مجيد القراءة والكتابة والحساب لأنه الصغيرالمدلّل وغير المكلّف بأي عمل من أعمال البيت .
بينما سعيد ، ومنذ الطفولة كان يملك الحسّ بالمسؤولية وحبّ مساعدة الآخرين. لذلك كان الرفيق لوالديه بكل كبيرة وصغيرة ، يلبّي طلبات أمّه بحبّ وفرح ، ويساعد والده في كل الاعمال بهمة ونشاط. ولهذا ومن باب الحرص والمحبة كان الاخ حسين يطلب من شقيقه سعيد أن ينام باكرا لكي ينهض صباحا بصحة وعافية لمرافقة والده الى العمل .
وفي كل مساء وعلى ضوء السراج يجلس حسين يدرّس شقيقه الصغير مجيد اضافة الى ما يدرسه في مدرسة معلم القرية، بينما سعيد نائم في فراشه ، والغطاء فوق رأسه.
الجميع يعتقد أن سعيد نائم ، لكنه وبكل حرص كان من تحت الغطاء يتابع ما يدرسه مجيد ويحفظ كل كلمة تقال . وفي الصباح ينهض قبل كل أهل البيت ويقارن ما حفظه مع الكتاب وينسخ كل ما كتب على الدفتر ، وخلال فترات الاستراحة في النهار يرجع لقراءة ما نسخ . واستمرّ الوضع هذا لعدة سنوات الى أن اكتشف سرّه .
الذهاب الى المدرسة
في ليلة من ليالي الشتاء بينما كانت العائلة متحلقة حول المدفأة طلب الوالد من ابنه مجيد بأن يقرأ عليهم شيئا من الادب يؤنس جلستهم . تناول مجيد أحد الكتب ليلبّي طلب الوالد ، وقبل أن يبدأ القراءة قال سعيد : أنا سأقرأ لك يا والدي.
نظر الجميع الى بعضهم بعضأ متأسفين لحال ولدهم سعيد والحزن أذبل وجوههم لأنهم قصّروا بحقّه وحرموه من نعمة العلم لمصلحة عمل العائلة . وبرفق قال له الوالد : باذن الله سنعلمك يا سعيد ، وغدا ستذهب برفقة حسين لتدرس في مدرسة مارون عبود في عاليه .
أمتلأ قلب سعيد فرحا لهذا الخبر، وبكل ثقة وعزم أخذ الكتاب من يد مجيد وبدأ يقرأ بكل فصاحة وبلاغة ويشرح المعاني والصور. ذهل الجميع وسألوه : كيف تعلمت القراءة وانت لم تحمل الكتاب قط ؟
أخبرهم سعيد بما كان يفعل وكيف أصرّ على التعلّم .
وفي الصباح ذهب سعيد برفقة شقيقه حسين الى مدرسة مارون عبود وبعد أن خضع لامتحان قال له الاستاذ مارون : هذا الولد يصحّ بأن يكون أستاذا ، متأسف لا يوجد له عندنا صفّ .
وبعد ذلك استمرّ سعيد ينهل العلم من كل كتاب وورقة تصل بين يديه حتى امتلأ الفكر نورا ومعرفة وفاضت القريحة شعرا وأدبا .
في سن المراهقة بدأ يكتب الشعر الموزون والقصائد الزجلية ، وشارك في العديد من المباريات الشعرية وفاز عام 1943 بجائزة الشعر الشعبي .
سعيد ابو شاهين الزوج
في العام 1949 تزوج من جمال عجاج عبد الصمد ، وأنجبا احدى عشر ولدا ، ثماني بنات ، وثلاثة صبيان وأخذ يكافح الليل قبل النهار ليؤمن لهم العيش الكريم والتربية الصالحة والتعليم العالي . فكانت له عائلة ناجحة ، محبة عوّضت له تعب السنين .
النضال الوطني والاجتماعي
الكفاح من اجل العائلة لم ينس سعيد ابو شاهين واجباته الاجتماعية والوطنية ، حيث لعب دورا مميزا في السياسة ايام الانتداب الفرنسي وناضل من اجل الاستقلال من خلال عصبة العمل القومي التي اسست عام 1934 وكان اول المنتسبين اليها ، ورئس فرعها في بمريم ، فعمل بنشاط وجهد لنشر افكارها ومبادئها وجمع المناصرين والمنتسبين اليها ، وبعد ان اشتدت شوكتهم شعر المستعمر بخطرهم فداهم بمريم والخريبة في عام 1941 واعتقل سعيد ابو شاهين رئيس الفرع مع احدى عشر عضوا من رفاقه في بمريم والخريبة وصدر بحقهم الحكم بالاعدام ، ولكن ظروف الحرب تغيّرت لصالحهم واحتلّ الالمان فرنسا مما ادّى للافراج عنهم .
وبعد الاستقلال ناضل من اجل تحقيق الديمقراطية ، ولهذا كان له دورا فاعلا في الانتخابات النيابية على صعيد دائرته الانتخابية .
اما على صعيد العمل الانمائي والاجتماعي في القرية فقد عمل دون كلل او ملل من اجل خدمة وتطوير بلدته بمريم ، وبمتابعة حثيثة منه ومن مختار بمريم سابقا السيد سباوي الاشقر ،أنشأت اول بلدية في بمريم عام 1963 ، ومنذ ذلك التاريخ حتى عام 1983 بقي عضوا ناشطا فيها وشغل مركز نائب رئيس ثم رئيسا لها .
كما عمل بجهد مع وجهاء بلدته من اجل ايصال الطريق الى كل احياء بمريم ، وكان لهم ذلك ولكن على مراحل كان آخرها منتصف السبعينات .
وكان سعيد ابو شاهين وكيلا لوقف آل ابوشاهين برغبة من ابناء عائلته وتكليف من المحكمة المذهبية ، وبارادة قوية منه مع تعاون جميع الغيارة على مصلحة القرية وتحسين احوالها تمّ بناء دار التوحيد في بمريم .
الهجرة الى اميركا
في العام 1983 هاجر سعيد ابو شاهين الى اميركا حيث امضى بقية حياته فيها بين ابنائه واحفاده وفيها استرجع ايام الشباب ودخل الى المدرسة لتعلّم اللغة الانكليزية ، حتى يتمكن من الاطلاع على الادب العالمي ومتابعة الدراسات والابحاث العلمية الحديثة .
كان شغوفا باجراء المناقشات والحوارات الفلسفية والعلمية حول الكثير من النظريات، ومما كان يساعده على ذلك وجود عدد من حملة الدكتورا ( دكاترة ) بين ابائه واحفاده واصهاره .
وفي اميركا تفرغ للقراءة ، حيث استطاع ان يجمع مكتبة متنوعة العناوين والمواد ، فقرأ الفلسفة والشعر والادب والابحاث العلمية …
وفاة الزوجة
في 11 -4 – 1999 توفيت زوجته ورفيقة دربه ، فاشتعلت جوانبه حزنا على فراقها الذي اضنى روحه وجسده حتى كاد يسحقه فراح يخاطب روحها شعرا وخواطرا أضيفت الى ما كان قد كتبه في بعض المناسبات والحالات الوجدانية ليصدر له الكتاب الاول ( شمس الربيع) في العام 1999 الذي جمعته ونسقته ابنته ايمان عربون محبة ووفاء، علّه يعيد للوالد شمس ربيعه التي أفلت .
الكتابة
ثم كرت السبحة وخلال خمسة عشرة عاما انتج ثلاثة عشرة كتابا ، صدر منها تسعة والباقي قيد الطبع، وقريبا سيصدر له كتاب فلسفي بعنوان اشارات وبشارات.
اما الكتب التي صدرت فهي ( شمس الربيع ، ارادة الحياة ، جوهر المرآة ، لمعات الخواطر، بذرة وتراب ، السر الدفين ، الجوانح الخفاقة ، لعرائس الابكار من بنات الافكار، الخواطر الزجلية).
والكتب قيد الطبع فهي ( اشارات وبشارات ، صلاة الخريف ، نسائم الاسحار ، ومسارح النحل ) .
احتفالات التكريم :
أقيم للاديب عدة احتفالات للتكريم منها :
في نقابة الصحافة برعاية الوزير انو الخليل ، بقصر الاونيسكو برعاية مدير عام وزارة الثقافة الدكتور فوزي عطوي، في الباروك برعاية النائب وليد جنبلاط ، في بتخنية برعاية النائب وليد جنبلاط ممثلا بالنائب عبدلله فرحات ، في بمريم برعاية اتحاد الكتاب اللبناني ، ومرة ثانية في بمريم برعاية بلدية بمريم وحلقة الحوار الثقافي .
الدروع التقديرية :
حاز على عدد من الدروع التقديرية نذكر منها :
- وزارة الاعلام في لبنان بيد الوزير أنور الخليل
- لجنة تكريم المغتربين المبدعين في الحزب التقدمي الاشتراكي
- بلدية بمريم
- الجمعبة النسائية في بمريم
- اتحاد الكتاب اللبنانيين
- حلقة الحوار الثقافي كما نال عددا كبيرا
من شهادات التقدير في مناسبات عديدة .
وفاته
توفي الاديب سعيد احمد ابو شاهين بتاريخ 17 -8 – 2018 في اميركا عن عمر يناهز مئة وثلاث سنوات ، والجدير ذكره انه حتى اخر ايامه كان يقرأ دون الاستعانة بنظارات ، والمعروف عنه ولعه الشديد بالمطالعة ، والكتاب كان جليسه حتى وهو على مائدة الطعام . وفي الايام الاخيرة من حياته احس بأن المنية باتت على قرب منه ، فالضعف قد تملّك الجسد والمشاعر اصبحت تسرّع من خفقان القلب ، فكتب قصيدة الوداع التي كانت خاتمة قصائده ، وجاء في مطلعها :
هيكل الروح تهاوى وتداعى أيها الدنيا سلام ووداع
وفي آخرها :
حتى ﺇذا جاءت المنية تطلبني بيد أمسك بيدها ، وبالاخرى أبعث الوداع
نقل جثمان الاديب الى لبنان حيث دفن الى جانب زوجته في تراب وطنه الغالي وارض قريته الحبيبة جدا الى قلبه "بمريم " .
سعيد أحمد أبو شاهين الأديب
سعيد أحمد أبو شاهين أديب مميّز في أدبه ، وشاعر مرهف في شاعريته ،كتب الشعر (الفصيح منه والزجل) ،والفلسفة ، والادب ،والقصّة ، والخواطر، والقضية الهادفة….
أمّا الشعر فقد أحبه منذ طفولته وأعطاه كلّ خلجة من خلجات قلبه ، وكلّ ومضة من يقظة عقله، فجاء مفعما بالصدق والحقيقة ، " وأجمل الشعر أصدقه " .
مساحة شعره الكون ، وحركته الحياة ، بكلّ ما فيها من تناغم وتنافر ، وفرح وحزن ، ومعلوم ومجهول ، وظلمة ونور ، وشبع وجوع ، وذهب وتراب….
سعيد أبو شاهين ابن الأرض التي عانق جبالها فجعلت شعره شامخا عظيما ، وهو الذي لامس ترابها فامتزج به الشعر تضحية وعطاء ، وهو الذي حلّق كالنسر أرتفاعا ، وكان كلّما ارتفع زاد شعره قوّة بصر وبصيرة ، وهو الذي ذاب في ماء نهر الخلود فترقرق شعره عذبا سلسبيلا وسار في سيرورة النهر لتكتمل نقطة النون .
رافق الفصول جميعها ، فكان شعره ربيعا تملأه أجمل الالوان وأعذب ترانيم الطبيعة ، وصيفا مثمرا بأشهى الثمار ، وخريفا مثقلا بالبركة والحكمة ، وشتاء خزائنه غنيّة ثمينة.
هو صاحب الارادة القويةالتي انبعثت في شعره حياة وحيويّة ،فتحرّكت وتفتّق لبابها ليشقّ قشورها ويطلع من الظلمة الى النور .....وكان كلّه ايمان بأن الحقيقة الخالدة هي دائما في جوهر الاشياء لا في قشورها .
خاطب في شعره الانسان ، ففرح لفرحه وبكى لأحزانه ، وآلمه أن يكون الانسان مازال يقبع في ظلمة الجهل وحوله الأنوار كثيرة ، كما آلمه بأن يكون الانسان الى هذا الزمان ما زال متيّطة للأقوياء يستخدمونها للوصول الى غاياتهم ، لهذا جعل من شعره سراجا مضاء بزيت الحكمة المقدس ليضيء للعابرين الدروب والمسالك.
سعيد أبو شاهين لم تبهره المظاهر والقشور رغم ما تولّده من بهجة واندهاش في المشاهد، وعرف بقوّة بصيرته ويقينه بأنها سرعان ما تتحول الى رماد ، وما يبقى هي تلك الجذوة الكامنة في جوهر الاشياء ، لهذا لم يسعى الى زركشة شعره بالألوان والاشكال بل جعله خفيفا لطيفا كالنسيم ما أن يلفح تلك الجذوة الكامنة في الجوهر حتى تتوقّد وتنبعث حياة طيّبة من جديد .
آمن سعيد أبو شاهين بالانسان ، وانسانية الانسان ، كيف لا وهو فيه قبس من نور الله، فجعل شعره دعوة للتآخي بين الناس عنوانها ، " الانسان هو الغاية وهو الوسيلة ".
كما طالبه بالحاح لأن ينظر بعين بصيرته الى ذاته ، فان قرأ أياتها قرأ أياته ، وعندها يصبح قادرا أن يعرف ذاته فيعيش نعيم حياته .
وجاءت رسالته : " متى عرف الانسان ذاته ، عاش نعيم حياته . "
لم يميّز سعيد أبو شاهين بين جنس الانسان ولونه ، أو بين لغّته ودينه ، فآمن بالمرأة كما آمن بالرجل وجعلها في شعره قدوة وقائدا ، ورآها شريكا ومعينا ، كما خاطبها كرسول محبّة وعطاء ، فكان لها وفيّا كما كانت له طيلة الحياة.
أثار الشاعر في شعره هموم وقضايا الوطن والعروبة ، (وهو الذي عاصر زمن الاستعمار) ،فكانت قصائده ايقاظا للعقول واستثارة للهمم من أجل الحفاظ على الحريّة والكرامة والاستقلال.
وقف الشاعر على قضايا ومشاكل الناس فتأثر بالمجتمع وكتب عنه الشعر بصدق وعمق ، فكانت كلماته رصينة وموجهة ،فاستطاعت أن تصيب العلة وتعرّيها ، آملا⸗ بتصحيح الأخطاء.
نماذج من الشعر:
شعر وطني: من قصيدة بيروت يا واح الهنا – كتاب ارادة الحياة
بيروت ، يا واح الهنا أنت ، ويا كل المنى
بيروت، يا من كنت منذ الدهر ، حاضرة الدنى
العزّ ، يخدم عزّها ولمجدها ، المجد انحنى
عن طبائع البشر: من قصيدة ، ويقتل القمح ما بالقمح من طيب
والمرّ، مرّ زؤان الأرض يحفظه ويقتل القمح ، ما بالقمح من طيب حاولت أطفىء بمائي ، نار صدرهم فكان من نارهم ،أن أشعلت كوبي
عن حبّه للحياة : من قصيدة زيّن الدنيا بنا – كتاب ارادة الحياة
قم وخذ ما شئت منها ، من غنى ما عن الدنيا بديل ، أو غنى
ما هي الدنيا سوى أمّ لنا ويحنا ان لم نقدّس أمّنا
عن الوعي والتحرّر: من قصيدة بلغ الانسان رشده – كتاب ارادة الحياة
بلغ الانسان رشده
واستفاق الوعي عنده لا تحر من ذا وتشده
لم يعد عبدا رقيقا كيفما ساقوه سيقا
خلع الثوب العتيق وغدا حرّا طليقا
عن الحب : من قصيدة أحب ولا تشتهي- كتاب ارادة الحياة
لم يعرف الحب هو العطاء وليس افتراسا ، وليس اشتهاء
لم يعرف الحب هو للقلوب شموعا تذوب، لتضوي الدروب
وجدانيات يرسلها لزوجته بعد موتها : من قصيدة قلت أفديك بنفسي – ارادة الحياة
يا ملاكا صار ميت مثل هذا ما رأيت
قلت أفديك بنفسي وبروحي ، فأبيت
كنت ضوءا لعيوني لم يعد للضوء زيت
الانسان بما يحسّ: من قصيدة توأم الدهر – من كتاب شمس الربيع
سأصبر حتى يضجر الصبر من صبري وأنظر ،حتى ينظر الله في أمري وجئت بروحي ….توأم الدهر مولدا لتشهد روحي ،كيف خاتمة الدهر
في الفلسفة : من قصيدة جسم وروح – من كتاب شمس وربيع
هل أنا انت ، وهل انت أنا أيها الجسم الذي تمشي بنا
واختلاف الأمر أنّي خالد بالدهر ، فيما انت ماض للفنى
بالاضافة الى الشعر الموزون فقد كتب الأديب أبو شاهين الخواطر الزخلية وجاءت المواضيع الذي تناولها متنوّعة وشفّافة ، فأرسل مناجاته بحرقة ووجع لشريكة عمره التي أمضّه فراقها حتى كاد ينسحق . جاء في مطلع قصيدته :
دعيني قبّل جبينك دعيني قبل ما ودّعك … وتودّعيني
ودعيني اسكب الدمعات حمرا وأصرخ آه بلكي بتسمعيني
وكتب الزجل في أكثر المناسبات العائلية والوطنية وله أكثر من مئة وخمسة وثمانين بيتا من العتابا أخترنا منها :
العيون السود سيف اللحظ سلّوا وغصب عنّا خيوط الروح سلّوا
وقصص للمتعب الأفكار سلّو علوح الصدر حفر بتنكتب
الخواطر والتأملات
بالاضافة الى الشعر كتب الأديب أبو شاهين الحكم والتأملات والخواطر ، في لمعات وأفكار
لمعات ينشقّ عنها غيهب الظلمة …..
فيقوم الحائر عليها يتلمّس طريقه….
ويقوم السائر بها يدلّ على الحقيقة!.....
لمعات تلتمع من أفكار بشر …. نظر ، فأبصر ، فأدرك
بأنّ شمس الأزل
لا يرى نورها ، الاّ ما يتسرّب من خلال ذات الانسان
أو أنّ ذات الانسان ، ما هي ﺇلاّ قبس من نور شمس الأزل
على صفاء لمعات أنوارها
تهتدي الى صحيح مسارها
فتروح يحثّها الشوق ، لبلوغ ما هو وراء الآفاق
وللوصول
الى ما هو فوق الفوق
أمّا الشذرات والأفكار فقد جاءت عميقة بفلسفتها ،صادقة بأحاسيسها ، جميلة بصورها ، سلسة بتركيبها ، متنوعة بمواضيعها . فجمعت الحكمة ، والفكر، والصورة ، والعبرة ….. وقدّمت مائدة غنيّة بأشهى الصور وأطيب الأفكار .
القصة في أدب سعيد أحمد أبو شاهين
سعيد أبو شاهين ، كاتب متمكّن ، قصّاص اجتماعي ، وروائي واقعي ، عايش الناس ووقف على قضاياهم ومشاكلهم ، وتأثّر بالمجتمع الذي عاش فيه.
تميّزت كتابته بالترابط الرائع بين الفكرة والكلمة ، نتج عنه صور أدبية ساحرة ، تشدّ القارىء بصدقها وشفافيتها ، وتنسحب به الى الملكوت الاعلى حيث الجلالة والعظمة ، فيسافر على أجنحة روحها ، ليخترق المكان والزمان الى اللامكان واللازمان ، متأبطا بحب الحياة وتقديسها ، وبحب الانسان وانسانيته ، فتعزف له القلوب أجمل الترانيم والألحان، وتتشبّع منه العقول بأصفى المعاني والحكم .
كتب بصدق دون مواربة أو ممالقة، بكلمات رصينة وموجّهة، وكشف مساوىء المجتمع فنقد ما يجب نقده وواجه بما يجب مواجهته وكل ذلك من أجل تصحيح الأخطاء ، وهذا برز واضحا في قصة بذرة وتراب.
هذه القصة التي كشح فيها نور المعرفة ظلام الجهل ، فانتصر الخير على الشر ، وتعرّى فبها زيف الباطل ، وكانت المرأة مساوية للرجل ،لا بل كانت هي نبراس المعرفة والمقاومة.
الاديب أبو شاهين قصّاص من الطراز الأول ، أحب ّ القرية بما تمثّله من صدق وبراءة ، وأحضرها بقوّة في قصصه مع ما تحمله من صور وتقاليد وأمثال وأسماء جميلة. وأعادنا في قصّة السرّ الدفين الى عبقرية القرية وارادتها وصمودها ، واستطاعت بطلة هذه القصة رغم كل الظروف المحيطة من حرب وظلم وجهل أن تكشف النقاب عن عتمة الفقر والتخلّف، وترى بعينها نور شمس الازل .
سعيد أبو شاهين جعل القصة عنده كشهد عسل ، كلما تذوّقت منه زدت حلاوة ،لهذا حمّل قصصه الفلسفة ، والرسائل الهادفة ،فكان كتاب جوهر المرآة الذي يروي سيرة الولي العارف الشيخ أبو محمود أحمد أبو شاهين أحد أجداد الأديب، وهو ولي من أولباء الموحدين الذي جمع الى التقى والعرفان العقل الراجح ، والذكاء الوقاد والسياسة الحكيمة ، والقيادة الواعية ، والتواضع والتسامح ، وبعد النظر ، والمحبّة لله وللانسان ، وللحياة وللكون . فاكتسب بذلك كرامة من الله ، كما اكتسب محبّة الناس وثقتهم في عصر ساد فيه ظلم الحكام وطغيانهم.
هذا الكتاب ، جمع باقات من فنون شتّى : السيرة ، والقصة القصيرة ، والكتابة الوجدانية ، والمقالة والتاريخ ، والخواطر الفلسفية والاجتماعية والسياسية، والافكار الفلسفية الدينية العرفانية.
ومن تجلّيات هذا الكتاب تلك القيم والعبر التي فيها سعادة الانسان وخلاصه ، وعلى رأسها صدق اللسان ،وصفاء النيّة ،والفكر الصائب ، والعمل الصالح.
الاديب أبو شاهين جعل قصصه تضجّ فرحا وحياة ،وتنشر أشعة الحرية ،فجاءت قصة الاجنحة الخفاقة لتدلّ الانسان الى خزائن ذاته ، التي بها غنى وسعادة حياته ، فتوقظ الانسان على وجه الحياة السعيد وتدعوه الى بناء علم للحياة جديد ، العلم الانساني الذي لم تطرقه الاقلام حتى هذه الايام ، والى تشييد الجامعة الانسانية لكي تتّسع لكافة بني الانسان ،فتسعد المهتدي، وتهدي ذا الضلال ، وكل انسان يتمنى السعادة والمعرفة .
الفلسفة عند الاديب سعيد أحمد أبو شاهين
الفلسفة في كتابات الاديب أبو شاهين هي ملح الطعام ، فلا تطيب المائدة ولا يظهر طعمها بدونه ، الاّ لمن كان مريضا ، فيحرم من لذّة الزاد.
الاديب أبو شاهين حمّل شعره الفلسفة ، وحمّل قصصه الفلسفة ،كما كتب الخواطر واللمعات الحكمية والفلسفية .و أخيرا قدّم كتاب فلسفي ّ يحمل اسم اشارات وبشارات ،عالج فيه معظم النظريات الفلسفية لفلاسفة العالم ، وكان له موقفه الفلسفي منها الذي يريده دائما أن يخدم انسانية الانسان ، ويزوّده بالفرح والتفاؤل ، لتنبعث فيه ارادة الحياة ، فيفيق من نومة أهل الكهف ويخرج ليلقى نور الشمس ، فيجمع من قبسها قنديلا شعشعاني يضيء به ويستضيء، ويفتح المسالك والدروب لتمتلىء بالعابرين ، فيغدو الفلاح الى حقله يقلب الارض لتتجدّد حتى أذا ما تزوّدت دفئا وطاقة ، يرمي بها البذور الطيبة لتعطي الغلال المباركة قوتا طيبا مباركا لكل الجائعين.