الإيثار والقيمة المعنوية



السويداء- هايل شرف الدين -9-5 - 2022

يعتقد الكثير من الناس بأنَّ القيمة الماديَّة للأشياء، أي تلك المرتبطة بالثمن والسعر، هي القيمة الفعليَّة، بينما تكون القيمة المعنوية لهديَّةٍ ما أو تكريمٍ مُعيَّن غير مساوية لشيء عمليَّاً .

كما ويرى الكثيرون بأنَّ ادخار الأموال وتكديسها هو الحالة الصحيحة، موجِدين لزعمهم هذا الكثير من المبررات على غِرار المال الزائد ضمان للمستقبل…، بينما تُعتبر ميزة الإيثار والتبرُّع بالأموال الحالة الخطأ.

لكن ماذا لو قمنا بقياس هذه الفكرة علميَّاً؟ هل سنجد شيئاً مختلفاً عن هذا الاعتقاد السائد؟


حيث تُظهِر الكثير من الدراسات المبنيَّة على التجارب والمسح الدماغيّ للإنسان، في مجال "عِلم الأعصاب الإدراكيّ"، حصول نشاطٍ عصبيّ كبير في مركز "المكافأة الدماغيّ" لحظة تبرعنا بالمال تفوق ذلك النشاط الحاصل لحظة قيامنا بتجميعه والاحتفاظ به.

لهذا السبب فإنَّ الايثار يحقق متعةً كبيرةً للدماغ، لا بل هو مفيدٌ أيضاً للدماغ، وهو ليس مجرد شعارٍ رومنسيّ يرفعه ويتغنَّى به القلَّة كما يُعتقد مجتمعيَّاً، لا بل هو محاكاةٌ عقليَّة وإنسانيَّة لسلوك انسانيٍّ قديم على اعتبار أنَّ الإنسان كائنٌ اجتماعيٌّ ومتعاونٌ بفطرته، بدليلٍ آخر وهو أنَّ الحاجة الاجتماعية للتكاتف والرغبة في الحصول على الثناء الاجتماعيّ والمديح، يشتركون بل ويتقاسمون ذات "الشبكة العصبيَّة" المتعلِّقة بالمكافأة الجسديَّة، ويقوم الدماغ بالتعامل معهما بنفس الدرجة وبنفس الاهتمام.
ومن هنا يأتي الشعور بالرضا عن الذات والسعادة عند قيامنا بعملٍ نبيل يسعى إلى خير المجتمع.
وهناك العديد من الحالات التي نجد من خلالها أُناساً يفضلون كفاف العيش في حياتهم على تكديس الأموال واكتنازها.

والعمل الإنسانيّ لا يقتصر على التبرُّع بالمال فحسب، بل بتخصيص الوقت الأكبر للآخرين
وأحياناً يكون التبرُّع بالوقت مفيداً جدَّاً، أو يكون لتقديم النصيحة النفسيَّة أو الإرشاد الاجتماعي بالغ الأثر على المُقدِّم أو المتلقي.



هايل شرف الدين : باحث سوري في علم النفس التحليلي.
له عديد من الأبحاث والمقالات المختصَّة في الشخصية الإنسانية وذلك في عديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية ( العالم، السلطة الرابعة..)
لديه زاوية بعنوان: أضواء في جريدة إيلاف.
صدر له كتاب مؤخراً بعنوان "سراديب العالم السفليّ".